وقوله تعالى : « إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ »۱ .
وأمّا إقرار إبليس بذلك فقوله : « فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ »۲ ، وقد قال تعالى : « إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ » ، فقد أقرّ إبليس بأنّه لم يغوه .
وعند هذا نقول لهؤلاء الجهّال الذين نسبوا إلى يوسف الفضيحة : إن كانوا من أتباع دين اللَّه فليقبلوا شهادة اللَّه بطهارته ، وإن كانوا من أتباع إبليس فليقبلوا إقرار إبلسى بطهارته ، وقس البواقي۳ ، انتهى كلامه .
وأمّا جعل السقاية في رحل أخيه فقد كان بإذنه ورضاه ، بل بإذن اللَّه ، ونسبة السرقة إلى إخوته تورية عمّا كانوا فعلوا بيوسف ما يجري مجرى السرقة ، أو هو قول المؤذّن .
والسجود كان عندهم تحيّةً وتكرمةً كالقيام والمصافحة ، أو كان مجرّد انحناء وتواضع لا وضع جبهة .
وأمّا الشبهة في قصّة موسى بقتل القبطيّ وتوبته واعترافه بكونه من عمل الشيطان فمحمول عندنا على أنّه لِترك ما هو الأولى .
وأمّا إذنه للسحرة في إظهار السحر في قوله : « أَلْقُواْ مَآ أَنتُم مُّلْقُونَ »۴ ، فليس رضاءاً به ، بل الغرض إظهار بطلانه وإظهار معجزته ، ولا يتمّ إلّا به .
وأمّا إلقاء الألواح فكان من دهشته وتحيّره لا لشدّة غضبه .
والأخذ برأس هارون وجرّه إليه لم يكن على سبيل الإيذاء ، بل يدنيه إلى نفسه ليتفحّص منه حقيقة الحال ، فخاف هارون أن يحمله بنو إسرائيل على سبيل الإيذاء ويفضي إلى شماتة الأعداء ، فلم يثبت بذلك ذنب لموسى ولا لهارون ، فإنّه كان ينهاهم عن عبادة العجل .
وأمّا قوله للخضر : « لَّقَدْ جِئْتَ شَيًْا نُّكْرًا »۵ ، أي عجباً ، وما فعله الخضر كان بإذن اللَّه تعالى .
وأمّا الشبهة في قصّة داود فقد عرفت ما دلّ عليه الحديث السابق ، ومع قطع النظر عنه لم يثبت سوى أنّه خطب امرأة كان خطبها اُوريا فزوّجها أولياؤها داود دون اُوريا ، أو كانت زوجة اُوريا فسأله داود أن ينزل عنها فيطلّقها وكان ذلك عادة في عهده ، فكانت زلّةً منه ؛ لاستغنائه بتسعة وتسعين .
والخصمان كانا ملكين ، وسياق الآيات يدلّ على كرامة داود عند اللَّه تعالى .
وأمّا الشبهة في قصّة سليمان من أنّه شُغِلَ بالخيل عن الصلاة حتّى غربت الشمس وأنّه اغتمّ لذلك فعقرها ، وجوابه مذكور بوجوه :
منها : أنّ ذلك كان لحبّه للجهاد وإعلاء كلمة اللَّه ، وضمير (توارت) للجياد لا للشمس ، وإنّما طفق مسحاً بالسوق والأعناق تشريفاً لها وامتحاناً .
وأمّا ما اُشير إليه بقوله تعالى : « وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَنَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ »۶ .
وما روي من الآحاد أنّه كان له ولد ابن وكان يغذوه في السحابة خوفاً من أن تقتله الشياطين فما راعه إلّا أن اُلقي على كرسيّه ميّتاً فتنبّه لخطأه فاستغفر وتاب ، فهذا على تقدير صحّته لا بأس به وغايته ترك الأولى .
وكذا ما روي أنّه قال : لأطوفنّ الليلة على سبعين امرأة كلّ واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل اللَّه ، ولم يقل : إن شاء اللَّه ، فلم تحمل إلّا امرأة واحدة جاءت بشقّ ولدٍ له عينٌ واحدة ويد واحدة ورجل واحدة ، فألقته القابلة على كرسيّه .
وأمّا ما روي من حديث الخاتم والشيطان وعبادة الوثن في بيته وجلوس الشيطان على كرسيّه فهو من خرافات العامّة ، وعلى تقدير صحّته يجوز أن يكون اتّخاذ التماثيل غير محرّم في شريعته .
وأمّا ما يشعر به قوله : « وَهَبْ لِى مُلْكًا لَّا يَنبَغِى لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِى »۷ من البخل والحسد فالجواب أنّ ذلك لم يكن حسداً ، بل طلباً للمعجزة على وفق ما غلب في زمانه ، ولا قبح فيه ، فإنّهم كانوا يفتخرون بالملك والجاه ، وهو كان ناشئاً في بيت الملك والنبوّة ووارثاً لهما ، أو إظهاراً لإمكان طاعة اللَّه وعبادته مع هذا الملك العظيم .
وقيل : أراد مُلكاً لا يورث منه ، وهو ملك الدين والدنيا ، أو ملكاً لا اُسلَبُه ولا يقوم فيه غيري مقامي .
وقيل : ملكاً خفيّاً لا ينبغي للناس ، وهو القناعة .
وقيل : كان ملكاً عظيماً فخاف أن لا يقوم غيره بشكره ولا يحافظ فيه على حدود اللَّه .
وأمّا الشبهة في قصّة يونس فقد عرفت جوابها من كلام الإمام ، وكذا في حقّ نبيّنا ، وأكثر ما في حقّه صلى اللَّه عليه وآله فهو من قبيل : إيّاك أعني واسمعي يا جاره .
وأمّا قوله تعالى : « وَ وَجَدَكَ ضَآلًّا فَهَدَى »۸ فقد ورد أنّه ضلّ في بعض الشعاب ، فأخذ جبرئيل بزمام ناقته وردّه إلى الجادّة .
وأمّا قوله : « وَ وَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ »۹ فهو ما كان يثقل عليه من حمل أعباء النبوّة في أوائل البعثة .
وقوله : « عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ »۱۰ فهو تلطّف في الخطاب مع الأحباب ، وربّما كان عتاباً على ترك الأفضل وإرشاداً إلى تدبير الحروب والاحتياط ، والباقي من قبيل إيّاك أعني ، واللَّه العالم۱۱ .