71
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

تتمّة مهمّة [أدلّة وجوب عصمة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام ]

استدلّ الأصحاب على وجوب عصمتهم عن جميع ما تقدّم بوجوه :
الأوّل : أنّه لو جاز شي‏ء من ذلك عليهم لزم تنفّر الناس منهم وعدم قبول أقوالهم وافعالهم ، وهو نقض للغرض .
الثاني : أنّا مأمورون باتّباع النبيّ صلى اللَّه عليه وآله والإمام عليه السلام وترك الاعتراض عليهم ، فلو جاز الخطأ والسهو والنسيان لوجب متابعتهم فيها ؛ للأمر بها ، والأمر باتّباع الخطأ قبيح .
الثالث : أنّ وجه الاحتياج إلى النبيّ والإمام هو جواز الخطأ على الاُمّة ، فلو جاز عليهما لاحتاجا إلى نبيّ أو إمام ؛ لاشتراك العلّة ولزوم الترجيح بلا مرجّح ، ثمّ إمّا أن يدور أو يتسلسل ، وهما باطلان .
الرابع : أنّ تبليغ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله والإمام عبادة ، وعبادتهما تبليغ ؛ لما علم من وجوب المتابعة وكون فعلهما وقولهما حجّة ، والمقدّمتان قطعيّتان ، فلا سهو ولا نسيان .
الخامس : أنّه لو جاز عليهما الخطأ والسهو والنسيان لاحتاجا إلى الرعيّة لينبّهوهما على خطأهما ، فيتساوى المعصوم وغير المعصوم .
السادس : أنّه لو جاز عليهما السهو في العبادة لجاز في التبليغ ، والفرق غير واضح ، وحينئذٍ يلزم عدم الوثوق بأقوالهم وأفعالهم .
السابع : أنّهم حافظون للشرع ، وجواز الخطأ والسهو والنسيان عليهم مؤدٍّ إلى التضليل والإغراء بالجهل والتبديل .
الثامن : أنّه لو جاز السهو على المعصوم للزم عدم الوثوق بشي‏ء من أفعاله وأقواله ، وهو نقض للغرض من نصبه .
بيان ذلك : أنّ التبليغ يحصل بالمرّة الاُولى من قوله وفعله ، وهي غير معلومة لمن بعده ، بل ولا لأكثر الصحابة ، فإنّ أفعاله وأقواله منقولة من غير تأريخ ، فيلزم أن يجوز السهو والخطأ في الكلّ ، وهو باطل قطعاً .
التاسع : أنّه لو جاز على المعصوم السهو والنسيان لجاز تركه للواجبات وفعله للمحرّمات سهواً ؛ لأنّ فعل الواجب عبادة وترك المحرّم عبادة ، وإذا جاز السهو في ترك بعضها جاز في ترك الجميع ، فلا تصدق العصمة التي تستلزم انتفاء المعاصي مطلقاً ، والتفصيل يحتاج إلى دليل وينافي العصمة قطعاً .
العاشر : أنّه لو جاز السهو والنسيان والخطأ على المعصوم في العبادة دون التبليغ لجازت جميع المعاصي والكفر قبل كونه نبيّاً وإماماً ، واللازم باطل بالأدلّة العقليّة والنقليّة ، واعتراف الخصم هنا ، فكذا الملزوم . وبيان الملازمة عدم الاحتياج إلى العصمة في الموضعين كما ادّعيتموه ؛ لأنّ الضرورة إلى استحالة الخطأ والسهو والنسيان إن كانت مخصوصة بالتبليغ ، فلا تبليغ في الحالة السابقة ، وهو واضح ، بل ذاك أولى بالجواز مع ظهور بطلانه .
الحادي عشر : أنّه لو جاز الخطأ والسهو على المعصوم لزم إفحامه ؛ لأنّ للرعيّة أن لا تتّبعه إلّا فيما علمت صوابه ، ولا يعلم صوابه إلّا منه ، فيدور .
الثاني عشر : أنّه لو جاز ذلك لم يحصل العلم بقوله : إنّ هذا الفعل سهو أو غير سهو ، لجواز السهو على ذلك القول أيضاً ؛ لأنّه خارج عن التبليغ . ألا ترى أنّه على قول من جوّز السهو عليه صلى اللَّه عليه وآله قد نفى السهو عن نفسه بقوله : كلّ ذلك لم يكن ولم يكن مطابقاً للواقع .
الثالث عشر : أنّه لو جاز عليه السهو والنسيان في غير التبليغ لجاز منه الكذب سهواً في غير التبليغ أيضاً ، فلا يوثق بشي‏ء من أقواله وأفعاله في غيره وبطلانه قطعيّ .
الرابع عشر : أنّه لو كانت العصمة مختصّة بالتبليغ لجاز عليه وقوع المعصية سهواً بعد تبليغ أنّها معصية ، ووجب علينا أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ، وهو ينافي نصبه أو سقوط وجوبهما ، وهو خلاف الأدلّة .
الخامس عشر : أنّه لو جاز ذلك لما أمكن الاحتجاج والاستدلال بشي‏ء من أقواله وافعاله ؛ لاحتمالهما السهو والنسيان وهو باطل قطعاً ؛ للإجماع على الاستدلال بها من غير فرق أصلاً ، والتبليغ يحصل بالمرّة الاُولى من القول والفعل ، على أنّه يحتاج إلى ثبوت قصد التبليغ ولم ينقل ، ولا يمكن معرفة ذلك الآن قطعاً .
السادس عشر : أنّه إذا صدر منه فعل على سبيل السهو والنسيان ، فإمّا أن يجب اتّباعه فيه ، وهو باطل قطعاً ومناف للغرض من نصبه ، وإمّا أن لا يجب اتّباعه ، وهو خلاف نصّ قوله تعالى : « إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ »۱ .
السابع عشر : أنّه لو جاز عليه السهو والخطأ والنسيان لما قبلت شهادته وحده فضلاً عن دعواه لنفسه ، ولجاز تكذيبه ، وأقلّه التوقّف في تصديقه ، وقد ورد في باب ما يقبل من الدعاوي بغير بيّنة في القضيّة وغيره أحاديث دالّة على وجوب قتل من لم يقبل دعوى الرسول صلى اللَّه عليه وآله إلّا ببيّنة ، مع أنّ ذلك ليس من التبليغ قطعاً .
الثامن عشر : أنّه إذا كان نصب النبيّ والإمام واجباً على اللَّه استحال عليهما الخطأ والنسيان مطلقاً ، والمقدّم حقّ فالتالي مثله ، بيان الشرطيّة أنّه لو جاز ذلك لجاز الخطأ في جميع عباداتهما ، وفي ذلك فساد عظيم .
التاسع عشر : أنّه لو جاز ذلك لأمكن وقوع إتلاف مال الغير منهما وغصبه نسياناً ، ولأمكن نسيانهما للحقّ الذي في ذمّتهما ، بل يمكن حينئذٍ صدور القتل منهما لبعض المؤمنين نسياناً ووجوب الدية عليهما ، وإذا ادّعى أصحاب هذه الحقوق يحتاج إلى إمام آخر يحكم عليهما ، ويدور أو يتسلسل ، وجميع ذلك باطل قطعاً .
العشرون : أنّه إذا وقع منهما الشروع في مقدّمات القتل والنهب والغصب ونحو ذلك نسياناً ، فإمّا أن يجب الإنكار عليهما فيسقط محلّهما من القلوب ويصير الرئيس مرؤوساً ويحتاجان إلى غيرهما ، وإمّا أن لا يجب ، وهو خلاف النصّ والإجماع ، وكذا الكلام إذا تركا واجباً نسياناً .
الحادي والعشرون : أنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة واجبة بالضرورة من الدين ، وأحقّ الناس بهما النبيّ صلى اللَّه عليه وآله والإمام ، وليس ذلك من قسم التبليغ ؛ لاختصاصهما بالآحاد والجزئيّات ، وظهور كون التبليغ بقواعد كلّيّة للأحكام الشرعيّة . سلّمنا ، لكنّ الأمر والنهي باليد من ضرب وغيره خارج عن التبليغ قطعاً ، وحينئذٍ يجوز عليهما السهو والنسيان والخطأ والغلط ، فيأمران بالمنكر وينهيان عن المعروف ، وبطلانه ضروريّ .
الثاني والعشرون : أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله لو لم يكن معصوماً من السهو والنسيان لما صحّ أن يكون شهيداً على الناس ؛ لاحتمال نسيانه الشهادة فإنّها ليست من قسم التبليغ قطعاً ، فينافي قوله تعالى : « وَكَذَ لِكَ جَعَلْنَكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا »۲ .
الثالث والعشرون : أنّ النبيّ والإمام يجب أن يُخشيا وإلّا لانتفت فائدة نصبهما والأمر بطاعتهما ، ولقوله تعالى : « فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ »۳ ، ومن فعل معصية سهواً فهو ظالم ، وكذا كلّ من سها ؛ لأنّه وضع الشي‏ء في غير موضعه ، والظالم لا يجوز أن يُخشى لقوله تعالى : « إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ »۴ .
الرابع والعشرون : أنّه لو جاز السهو والنسيان على المعصوم في غير التبليغ لجاز عليه تعدّي حدود اللَّه سهواً ، وإذا صدر منه ذلك كان ظالماً ؛ لقوله تعالى : « وَ مَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ »۵ ، وقوله : « وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّلِمُونَ »۶ ، والظالم لا يناله عهد الإمامة ؛ لقوله تعالى : « لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ »۷ .
الخامس والعشرون : أنّه لو جاز عليه السهو والنسيان لجاز عليه الكذب سهواً في غير التبليغ ، وكلّ كاذب ظالم ؛ لقوله تعالى : « فَمَنِ افْتَرَى‏ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَ لِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الظَّلِمُونَ »۸ ، والظالم لا يكون إماماً كما مرّ .
السادس والعشرون : إنّه لو سها في صلاة جماعة فاختلف عليه مَن خلفه ، فقال بعضهم : صلّيت ركعتين ، وقال غيره : صلّيت أربعاً ، فإمّا أن يجب عليه أن يحكم بينهم ، ولا سبيل له إلى ذلك لجهله وعدم إمكان الترجيح لاحتمال التساوي ، وإمّا أن لا يجب عليه ، فيجوز لهم التمادي في الخصومة ، وإن انتهى إلى الحرب وقتل النفوس ، وهو فساد عظيم لا يجوز على الحكيم الأمر به ولا التعريض له ، وهو موجب لنقض الغرض من نصب المعصوم .
السابع والعشرون : لو جاز عليه السهو والنسيان لجاز أن يكون غير ضابط ويكون كثير السهو ؛ إذ لا فرق بين القليل والكثير في التجويز ، والفارق خارق للإجماع ، ولو جاز عليه ذلك لكان غير مقبول الشهادة ولا الرواية ، ولكان حاله أسوأ من حال كثير من رعيّته ، فيلزم تقديم المفضول على الفاضل وهو قبيح عقلاً وشرعاً .
الثامن والعشرون : أنّ كلّ فعل وقول للمعصوم حجّة ، ودليل على حكم من أحكام الشرع قطعاً ، وكلّ دليل يمتنع معه نقيض المدلول ، وإلّا لم يكن دليلاً ، فقولهما وفعلهما يمتنع نقيضه ويستحيل كونه خطأ غير صواب ، وذلك يستلزم العصمة ونفي السهو .
التاسع والعشرون : أنّه يلزم من عدم عصمة الأنبياء ردّ شهادتهم ؛ لقوله تعالى : « إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ »۹ الآية ، لكن الثاني منتفٍ ؛ للقطع بأنّ من تردّ شهادته في القليل من متاع الدنيا لا يستحقّ القبول في أمر الدين القائم إلى يوم الدين .
الثلاثون : وجوب منعهم وزجرهم ؛ لعموم أدلّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لكنّه منتفٍ ؛ لاستلزامه إيذائهم وهو محرّم بالإجماع ، وبقوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ »۱۰ الآية .
الحادي والثلاثون : أنّه يلزم استحقاقهم العذاب والطعن واللعن ، لدخولهم تحت قوله تعالى : « وَ مَن يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ »۱۱ ، وقوله تعالى : « أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّلِمِينَ »۱۲ ، وقوله تعالى : « لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ »۱۳الآية ، وقوله تعالى : « أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَ تَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ »۱۴ ، لكن كلّ ذلك منتف عنهم بالإجماع ، لكون وقوعها من أعظم المنفّرات .
الثاني والثلاثون : عدم نيلهم عهد النبوّة ؛ لقوله تعالى : « لَا يَنَالُ عَهْدِى الظَّلِمِينَ »۱۵ .
الثالث والثلاثون : يلزم كونهم غير مخلصين ؛ لأنّ المذنب قد أغواه الشيطان والمخلص ليس كذلك ؛ لقوله تعالى حكاية عن إبليس : « وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ »۱۶ ، لكن اللازم منتفٍ بالإجماع وبقوله تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب : « إِنَّآ أَخْلَصْنَهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ »۱۷ ، وفي يوسف : « إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ »۱۸ .
الرابع والثلاثون : يلزم كونهم حزب الشيطان ومتّبعيه ، واللازم قطعيّ البطلان ، وذلك لأنّه تعالى قسّم الخلق صنفين ، يقال لأحدهما : اُولئك حزب الشيطان « أَلَآ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَنِ هُمُ الْخَسِرُونَ »۱۹ ، وللآخر : « أُوْلَائِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَآ إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ »۲۰ ، وحزب الشيطان من يفعل ما يرتضيه وهو المعصية .
الخامس والثلاثون : يلزم عدم كونهم مسارعين في الخيرات معدودين عند اللَّه من المصطفين الأخيار ؛ إذ لا خير في الذنب ، لكن اللازم منتف ؛ لقوله تعالى في حقّ بعضهم : « يُسَرِعُونَ فِى الْخَيْرَ تِ »۲۱ ، « وَ إِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ »۲۲ولفظ الخيرات للعموم يتناول الكلّ ، والثاني أيضاً يتناول جميع الأفعال والتروك بدليل جواز الاستثناء ، فيقال : فلان من المصطفين الأخيار إلّا في فعله الفلانيّ ، والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل تحته ، فثبت أنّهم أخيار في كلّ الاُمور ، وذلك ينافي صدور الذنب عنهم .
وقال تعالى : « اللَّهُ يَصْطَفِى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً وَ مِنَ النَّاسِ »۲۳ .
وقال : « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى‏ ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَ هِيمَ وَءَالَ عِمْرَ نَ عَلَى الْعَلَمِينَ »۲۴ .
وقال في إبراهيم : « وَ لَقَدِ اصْطَفَيْنَهُ فِى الدُّنْيَا »۲۵ .
وفي موسى : « إِنِّى اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَلَتِى وَبِكَلَمِى »۲۶ .
وقال تعالى : « وَ اذْكُرْ عِبَدَنَآ إِبْرَ هِيمَ وَ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِى الْأَيْدِى وَ الْأَبْصَرِ * إِنَّآ أَخْلَصْنَهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَ إِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ »۲۷ .
فكلّ هذه الآيات دالّة على كونهم موصوفين بالاصطفاء والخيريّة ، وذلك ينافي صدور الذنب عنهم .
السادس والثلاثون : إنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أفضل من الملك - كما مرّ - والملائكة معصومون من المعصية ؛ لقوله تعالى : « لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ »۲۸ ، وإذا كان الملك معصوماً وجب كون المساوي له في الفضيلة معصوماً ، فضلاً عن الأفضل ، وذلك لقوله تعالى : « أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ »۲۹ .
السابع والثلاثون : قوله تعالى : « لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْأَخِرَ »۳۰ ، حيث دلّت على حسن الاقتداء والتأسّي به صلى اللَّه عليه وآله ، ولو صدر منه العصيان أو احتمل بفعله السهو لما جاز الاقتداء به مطلقاً ، ولما كان فعله حجّة على الجواز ، وتركه حجّة على المرجوحيّة ، واللازم باطل إجماعاً .
الثامن والثلاثون : قوله تعالى : « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا »۳۱ ، حيث دلّت على عصمة النبيّ وآله الطاهرين بالوجوه المعروفة ، ولا قائل بالفرق بينهم وبين غيرهم من الأنبياء .
التاسع والثلاثون : قوله تعالى : « وَ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى‏ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْىٌ يُوحَى‏ »۳۲دلّت على أنّه‏صلى اللَّه عليه وآله لا ينطق إلّا عن وحي ، فيستحيل عليه أن يسلّم في الصلاة في غير محلّه ويتكلّم قبل تمام الصلاة ثمّ يكذّب ذا الشمالين‏۳۳ .
الأربعون : قوله تعالى : « وَ مَآ ءَاتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ »۳۴ ، حيث دلّت على وجوب التسليم والانقياد لأقواله وأفعاله على وجه العموم والإطلاق ، فلو جاز عليه السهو لاحتمل كلّ قول وفعل ذلك ، وهو ينافي مدلول الآية .
الحادي والأربعون : قوله تعالى : « وَ تَعِيَهَآ أُذُنٌ وَ عِيَةٌ »۳۵ روى العامّة والخاصّة أنّها نزلت في أميرالمؤمنين عليه السلام وأنّه عليه السلام قال : ما سمعت من رسول اللَّه شيئاً فنسيته‏۳۶ ، فيستحيل النسيان على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله بطريق أولى .
الثاني والأربعون : قوله تعالى : « سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى‏ »۳۷ وهي عامّة .
الثالث والأربعون : قوله تعالى : « صَلُّواْ عَلَيْهِ وَ سَلِّمُواْ تَسْلِيمًا »۳۸ ، حيث ورد في جملة من الروايات أنّ المراد بالتسليم الانقياد إلى أقواله وأفعاله‏۳۹ ، وهو ينافي عدم عصمته وجواز سهوه .
الرابع والأربعون : قوله تعالى : « يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الْأُمِّىَّ »۴۰ ، والتقريب ما تقدّم .
الخامس والأربعون : قوله تعالى : « فََامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِىِ‏ّ الأُْمِّىِ‏ّ الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ »۴۱ ، والتقريب ما تقدّم‏۴۲ .
السادس والأربعون : الأخبار المتظافرة الدالّة على ذلك :
منها : ما رواه الصدوق في الفقيه عن الرضا عليه السلام قال : « للإمام علامات : يكون أعلم الناس ، وأحكم الناس ، وأتقى الناس ، وأحلم الناس ، وأعبد الناس ، ويكون مطهّراً ، ويرى من خلفه كما يرى من بين يديه ، ولا يحتلم ، وتنام عينه ولا ينام قلبه »۴۳ ، الحديث .
ومنها : ما في الخبر المشهور الذي رواه المحدّثون في الاُصول من أنّ جنود العقل التي لا تجتمع إلّا في نبيّ أو وصيّ نبيّ ، أو مؤمن قد امتحن اللَّه قلبه للإيمان : « العلم وضدّه الجهل ، والتسليم وضدّه الشكّ ، والتذكّر وضدّه السهو ، والحفظ وضدّه النسيان »۴۴ ، فهو صريح في عدم جواز السهو والنسيان على المعصوم عليه السلام .
ومنها : قول أميرالمؤمنين عليه السلام في حديث : « فما نسيت آية من كتاب اللَّه ولا علماً أملاه علَيّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله منذ دعا اللَّه [لي‏] بما دعا ، وما ترك شيئاً علّمه اللَّه من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي ، كان أو يكون ، ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلّا علّمنيه ، وحفظته فلم أنس حرفاً واحداً»۴۵ ، الحديث . ومعلوم أنّ حال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أعظم ، فكيف يجوز عليه النسيان ؟
وما رواه الشيخ في التهذيب عن عبداللَّه بن بكير ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : قلت له : هل سجد النبيّ سجدتي السهو ؟ قال : « لا ولا يسجدهما فقيه»۴۶ .
وهو ردٌّ على أحاديث إسهائه في الصلاة ، وأنّه سلّم في الركعتين وتكلّم .
وقوله صلى اللَّه عليه وآله : « صلّوا كما رأيتموني اُصلّي »۴۷ .
وقوله : « خذوا عنّي مناسككم »۴۸ .
والتقريب فيهما ما تقدّم .
وما ورد من أنّ الإمام مؤيَّدٌ بروح القدس‏۴۹ إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة .
أقول : وأكثر هذه الأدلّة مدخولة ، سيّما الأدلّة العقليّة ، فإنّها لا تدلّ على عدم جواز صدور الصغائر الغير المنفّرة قبل البعثة ، سيّما خفاءً وخفية ، والعمدة في الاستدلال إجماع الإماميّة وبعض الآيات المتقدّمة والنصوص ، وما أظنّ دليلاً عقليّاً تامّاً على وجوب العصمة عن جميع ما تقدّم بنحو ما تقدّم ، فتدبّر .

1.آل عمران ( ۳ ) : ۳۱ .

2.البقرة ( ۲ ) : ۱۴۳ .

3.النور ( ۲۴ ) : ۶۳ .

4.البقرة ( ۲ ) : ۱۵۰ .

5.الطلاق ( ۶۵ ) : ۱ .

6.البقرة ( ۲ ) : ۲۲۹ .

7.البقرة ( ۲ ) : ۱۲۴ .

8.آل عمران ( ۳ ) : ۹۴ .

9.الحجرات ( ۴۹ ) : ۶ .

10.الأحزاب ( ۳۳ ) : ۵۷ .

11.الجنّ ( ۷۲ ) : ۲۳ .

12.هود ( ۱۱ ) : ۱۸ .

13.الصفّ ( ۶۱ ) : ۲ - ۳ .

14.البقرة ( ۲ ) : ۴۴ .

15.الحجر ( ۱۵ ) : ۳۹ - ۴۰ .

16.ص ( ۳۸ ) : ۴۶ .

17.يوسف ( ۱۲ ) : ۲۴ .

18.المجادلة ( ۵۸ ) : ۱۹ .

19.المجادلة ( ۵۸ ) : ۲۲ .

20.آل عمران ( ۳ ) : ۱۱۴ .

21.ص ( ۳۸ ) : ۴۷ .

22.الحجّ ( ۲۲ ) : ۷۵ .

23.آل عمران ( ۳ ) : ۳۳ .

24.البقرة ( ۲ ) : ۱۳۰ .

25.الأعراف ( ۷ ) : ۱۴۴ .

26.ص ( ۳۸ ) : ۴۵ - ۴۷ .

27.. التحريم ( ۶۶ ) : ۶ .

28.ص ( ۳۸ ) : ۲۸ .

29.الأحزاب ( ۱۷ ) : ۲۱ .

30.الأحزاب ( ۱۷ ) : ۳۳ .

31.النجم ( ۵۳ ) : ۳ و۴ .

32.حديث سهو النبيّ يرويه من يرويه عن ذي اليدين لا ذي الشمالين ، فإنّ ذا اليدين رجل من بني سليم يقال له : الخرباق ، ولقّب بذي اليدين لطول يديه أو لأنّه كان يعمل بيديه جميعاً ، وهو حجازيّ شهد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ومات في أيّام معاوية ، و ذو الشمالين رجل من خزاعة حليف لبني زهرة ، قتل يوم بدر ، واسمه : عمير بن عبد عمرو الخزاعيّ ، وحديث السهو شهده أبو هريرة وكان إسلامه بعد بدر بسنتين ، فلا يعقل كون حديث السهو من ذي الشمالين ( ش ) .

33.الحشر ( ۵۹ ) : ۷ .

34.الحاقّة ( ۶۹ ) : ۱۲ .

35.مناقب أمير المؤمنين عليه السلام ، ج ۱ ، ص ۱۹۶ .

36.الأعلى ( ۸۷ ) : ۶ .

37.الأحزاب ( ۳۳ ) : ۵۶ .

38.معاني الأخبار ، ص ۳۶۸ .

39.الأعراف ( ۷ ) : ۱۵۷ .

40.الأعراف ( ۷ ) : ۱۵۸ .

41.ورد بعض هذه الوجوه في الصراط المستقيم ، ج ۱ ، ص ۱۲۰ - ۱۲۵ ؛ و بحار الأنوار ، ج ۱۱ ، ص‏۹۱ - ۹۶ .

42.كتاب من لا يحضره الفقيه ، ج ۴ ، ص ۴۱۸ ، ح ۵۹۱۴ ؛ بحار الأنوار ، ج ۲۵ ، ص ۱۱۷ ، ح‏۱ مع تفاوت يسير .

43.انظر : الكافي : ج ۱ ، ص ۲۰ - ۲۳ ، كتاب العقل والجهل ، ح ۱۴ ؛ الخصال ، ج ۲ ، ص ۵۸۸ - ۵۹۱ ، ح‏۱۳ ؛ بحار الأنوار ، ج ۱ ، ص ۱۰۹ - ۱۱۱ ، ح ۷ .

44.الكافي ، ج ۱ ، ص ۶۴ ، باب اختلاف الحديث ، ح ۱ ؛ الخصال ، ج ۱ ، ص ۲۵۷ ، ح ۱۳۱ ؛ وعن الخصال في بحار الأنوار ، ج ۲ ، ص ۲۳۰ ، ح ۱۳ .

45.تهذيب الأحكام ، ج ۲ ، ۳۵۰ - ۳۵۱ ، ح ۴۲ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۸ ، ص ۲۰۲ ، ح ۱۰۴۲۶ ؛ وفي بحار الأنوار ، ج ۲۵ ، ص ۳۵۰ ، ح ۳ . وفي الجميع : « رسول اللَّه » بدل « النبيّ » .

46.عوالي اللآلي : ج ۱ ، ص ۱۹۸ ، ح ۸ ؛ صحيح البخاري ، ج ۷ ، ص ۷۷ ؛ سنن الدارقطني ، ج ۱ ، ص‏۲۷۹ ، ح ۱۰۵۵ و ۱۰۵۶ .

47.عوالي اللآلي : ج ۱ ، ص ۲۱۵ ، ح ۷۳ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۵ ، ص ۱۲۵ .

48.بحار الأنوار ، ج ۲۵ ، ص ۱۱۷ ، ح ۲ .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
70

تبصرة [الآراء في عموم عصمة الأنبياء]

ما يتوهّم صدوره عن الأنبياء من القبائح إمّا أن يكون منافياً لما يقتضيه المعجز - كالكذب فيما يتعلّق بالتبليغ - أو لا ، والثاني إمّا أن يكون كفراً أو معصية غيره ، والثاني إمّا أن يكون كبيرة - كالقتل والزنا - أو صغيرةً ، والثانية إمّا أن تكون منفّرة - كسرقة لقمة أو التطفيف بحبَّة - أو غير منفّرة - كالكذب - وكلّ ذلك إمّا عمداً أو سهواً ، وإمّا بعد البعثة أو قبلها .
فجمهور أهل الاسلام اتفقوا على وجوب عصمتهم عمّا ينافي مقتضى المعجزة وما يتعلّق بالتبليغ ، وإلّا لارتفع الوثوق بالأداء ، واتّفقوا على أنّ ذلك كما لا يجوز عمداً لا يجوز سهواً ، إلّا القاضي - على ما حكي عنه - فجوّزه سهواً زعماً منه أنّه لا مدخل له في التصديق بالمعجزة .
واتّفقوا أيضاً على وجوب عصمتهم عن الكفر إلّا الأزارقة۱ من الخوارج بناءاً على تجويزهم الذنب عليهم مع قولهم بأنّ كلّ ذنب كفر ، وكذا عن تعمّد الكبائر بعد البعثة فعند الأشاعرة سمعاً ، وعند غيرهم عقلاً ، وجوّزه الحشويّة .
والجمهور على عصمتهم أيضاً عن الصغائر المنفّرة ؛ لإخلالها بدعوة الأنبياء إلى الاتّباع .
وذهب كثير من المعتزلة إلى نفي الكبائر عنهم قبل البعثة أيضاً ، والأشاعرة إلى نفي الكبائر عنهم بعد البعثة ، والصغائر عمداً لا سهواً لكن لا يصرّون ولا يقرّون ، بل ينهون وينتهون .
وذهب إمام الحرمين منهم وأبو هاشم من المعتزلة إلى تجويز الصغائر عمداً ، والإماميّة على نفي الكبائر والصغائر المنفّرة وغيرها ، قبل البعثة وبعدها ، عمداً وسهواً ، إلّا الصدوق محمّد بن بابويه ، فإنّه جوّز الإسهاء من اللَّه في غير التبليغ . وحكى عن شيخه محمّد بن الحسن بن الوليد أنّه قال : أوّل درجة الغلوّ نفي السهو عن النبيّ‏۲ صلى اللَّه عليه وآله ، ونَسَبه أساطين الأصحاب إلى السهو والخطاء ، بل الضلال والتضليل بذلك ، وإن استند في ذلك إلى أخبار آحادٍ لا توجب علماً ولا عملاً ، تضمّنت وقوع السهو من النبيّ ، وأنّه سلّم في الركعتين من الرباعيّة سهواً ، وجعلوا نسبة السهو إلى رواة هذه الأخبار والقائل بها أولى من نسبته إليه صلى اللَّه عليه وآله .

1.الأزارقة : أصحاب أبي راشد نافع بن الأزرق الحروري من رؤوس الخوارج ، خرج هو وأصحابه عن البصرة إلى الأهواز فغلبوا عليها وعلى كورها وما وراءها من بلدان فارس وكرمان في أيّام عبداللَّه بن زبير ، وقتلوا عمّاله بهذه النواحي ، لهم بدع كثيرة ومقالات فاسدة ذكرها الشهرستاني في الملل والنحل ، ج ۱ ، ص ۱۷۹ .

2.من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۳۶۰ .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10580
صفحه از 719
پرینت  ارسال به