بيان
( وكانت المعصية من آدم في الجنّة لا في الأرض ) ظاهره يوهم جواز الخطيئة عليه ، إمّا في الجنّة - لأنّ العصمة لا تجب إلّا في الدنيا - أو قبل البعثة ، ومعصية آدم عليه السلام كانت قبلهما ، وكلاهما خلاف ما عليه الإماميّة وخلاف الأخبار المتظافرة الدالّة على العصمة في جميع الأحوال والأوقات .
وقد وجّه بوجوه :
الأوّل : أنّ المراد بالخطيئة ارتكاب المكروه ، ويكونون بعد البعثة معصومين عن مثله أيضاً ، وذكر الجنّة لبيان كون النهي للتنزيه والإرشاد ؛ إذ لم تكن الجنّة دار تكليف حتّى يتصوّر فيها النهي التحريميّ .
الثاني : أن يكون إيراد الكلام على هذا النمط مماشاة مع العامّة ؛ لأنّه موافق لبعض مذاهبهم ، فإنّ المنقول عن أكثر الأشاعرة وأبي الهذيل والجبّائيّ تنزيههم عن المعصية وقت النبوّة وجوازها عليهم قبلها .
الثالث : أنّه كلام على سبيل التنزّل والاستظهار ردّاً على من جوّز الذنب مطلقاً على الأنبياء .
قال السيّد المرتضى رحمة اللَّه عليه :
إنّ تنزيه الأنبياء عن كلّ ذنب ودناءة ومنقصة قبل النبوّة وبعدها صار من قبيل الضروريّات في مذهب الإماميّة ، والجواب مجملاً عمّا استدلّ به المخطئون ، من إطلاق لفظ العصيان والذنب فيما صدر من آدم عليه السلام ، هو أنّه لمّا قام الدليل على عصمتهم تُحمل هذه الألفاظ على ترك المستحبّ والأولى ، أو فعل المكروه مجازاً ، والنكتة فيه : كون ترك الأولى ومخالفة الأمر الندبيّ وارتكاب النهي التنزيهيّ منهم عليهم السلام ممّا يعظم موقعه ؛ لعلوّ درجتهم ، وارتفاع شأنهم لتتمّ مقادير اللَّه ، أي في الهبوط إلى الأرض ؛ لأنّه سبحانه أسمع الملائكة قبل خلق آدم ، وعنده وبعده أنّ العلّة في خلقه ليكون خليفة في الأرض لا ليبقى في الجنّة ، لكن كان الأولى لآدم عليه السلام أن لا يخرج من الجنّة على تلك الحالة التي اُخرج منها۱ . انتهى كلام المرتضى .
قوله عليه السلام : ( إنّما ظنّ بمعنى استيقن ) قيل : في تفسير الظنّ باليقين فائدتان :
إحداهما : أنّه لو لم يستيقن ذلك لما خرج من بين القوم وإن كان مغاضباً .
الثاني : أن لا يتوهّم فيه نسبة خطأ ومنقصة على هذا التفسير أيضاً بأنّه لم يستيقن كون اللَّه سبحانه قادراً۲ .
قوله عليه السلام : (إن أجبرته) أي ألحّت عليه ؛ لأنّ من قدر على القتل يقدر على إزالة الجبر عنه ، وأمّا قصد القتل فحيث إنّه من الخواطر والنيّات التي لم يترتّب عليها فعل في الخارج كانت خارجة عن الذنوب .
قوله : ( فسقط في دار اُوريا ) هذا المعنى قد ورد في أخبارنا أيضاً ، وأنّ محاكمة الملكين إلى داود عليه السلام كان في هذا الأمر ، وأنّه عليه السلام كان عنده تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة۳إلى جارية ، واُوريا كانت عنده امرأة واحدة ، إلّا أنّ ذلك الخبر حمله الأصحاب على التقيّة ، وهو جيّد كما يرشد إليه هذا الخبر .
قوله عليه السلام : ( إنّما ظنّ أنّ ما خلق اللَّه عزّ وجلّ خلقاً هو أعلم منه ) قيل : إنّ هذا الظنّ من داود وإن كان حقّاً وصدقاً بالنسبة إلى أهل زمانه إلّا أنّه كان الأولى له أن لا يفعله ، فلذلك استحقّ التأديب عليه ، وإن كان ظنّه بالنسبة إلى من تقدّمه من الأنبياء - مع أنّ منهم من كان أعلم منه - فليحمل على أنّه إلى ذلك الوقت لم يكن عالماً بالحال .
وأمّا تعجيله حال المرافعة فليس المراد أنّه حكم بظلم المدّعى عليه قبل البيّنة ؛ لأنّ معنى قوله عليه السلام ( لقد ظلمك ) : أنّه لو كان كما تقول فقد ظلمك ، وكان الأولى أن لا يقول له ذلك إلّا بعد وضوح الحكم .
قوله عليه السلام : ( فتسوّرا في المحراب فقالا) أي فصعدا سور الغرفة ، ففزع منهما ؛ لأنّهما نزلا عليه من فوق في يوم الاحتجاب والحرس على الباب .
(ولا تشطط) أي لا تَجر علينا في حكمك .
(سواء الصراط) وسطه وهو العدل .
(اكفلنيها) أي ملّكنيها ، وحقيقته : اجعلني أكفلها كما أكفل ما تحت يدي ، وقيل : اجعلها كفلي ، أي نصيبي .
( وعزّني في الخطاب ) أي غلبني في مخاطبته إيّاي محاجّة ، بأن جاء بحجاج لم أقدر على ردّه أو في مغالبته إيّاي في الخطبة .
قوله : « وَ تَخْشَى النَّاسَ وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ »۴ ذكر المفسّرون أنّ هذه الآية نزلت كيلا يمتنع من فعل المباح خشية الناس ، ولم يرد بقوله : « وَ اللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشاهُ »۵خشية التقوى ؛ لأنّه صلى اللَّه عليه وآله كان يتّقي اللَّه حقّ تقاته ويخشاه فيما يجب أن يخشى فيه ، ولكنّه أراد خشية الاستحياء ؛ لأنّ الحياء كان غالباً على شيمته الكريمة ، كما قال سبحانه : « إِنَّ ذَ لِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِ مِنكُمْ »۶ .
( إلّا تزويج حوّاء من آدم ) وذلك أنّه لمّا خلقه اللَّه ألقى عليه السبات ، فلمّا انتبه رأى حوّاء وألقى اللَّه سبحانه عليه الشهوة ، فأمره اللَّه تعالى أن يخطبها منه ، فخطبها وجعل مهرها أن يعلّمها معالم الدين ، فقال عزّ وجلّ : قد شئت ذلك وقد زوّجتكها ، فضمّها إليك ، فقال : أقبلي ، فقالت : بل أنت فاقبل إليّ ، فأمره اللَّه أن يقوم إليها ، ولولا ذلك لكان النساء يدفعن إلى الرجال۷ .
( وزينب من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ) فإنّ اللَّه سبحانه زوّجها منه في السماوات ، ولمّا نزلت الآية جاء رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فدخل عليها بغير إذن ؛ لقوله «زوّجناكها» .
ورد أنّ زينب كانت تفتخر على نساء النبيّ فتقول : زوّجني اللَّه من النبيّ وأنتنّ إنّما زوّجكنّ أولياؤكنّ .
وكانت تقول للنبيّ صلى اللَّه عليه وآله : إنّي لأدلّ عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدلّ بهنّ عليك : جدّي وجدّك واحد ، وأنكحنيك اللَّه في السماء ، وإنّ السفير لجبرئيل۸ .
وأمّا تزويج فاطمة في السماء فهو أمر عجيب ونقل غريب ، وقد ذكرناه مبسوطاً في جلاء العيون۹ فراجعه إن شئت .
1.لم نعثر عليه في تنزيه الأنبياء ولا في كتبه الاُخرى .
2.بحار الأنوار ، ج ۱۱ ، ص ۷۵ .
3.المهيرة من النساء : الحرّة الغالية المهر . انظر : لسان العرب : ج ۵ ، ص ۱۸۴ و ۱۸۶ ( مهر ) .
4.الأحزاب ( ۳۳ ) : ۳۷ .
5.الأحزاب ( ۳۳ ) : ۵۳ .
6.راجع : بحار الأنوار ، ج ۱۱ ، ص ۲۲۱ ، ح ۱ .
7.مجمع البيان ، ج ۸ ، ص ۱۶۴ ؛ تفسير جوامع الجامع ، ج ۳ ، ص ۶۸ .
8.لم نعثر عليه .