الحديث الرابع والخمسون والثلاثمائة
[ثلاثة لا أتّقي فيهن أحداً]
۰.ما رويناه عن ثقة الإسلام وشيخ الطائفة بإسنادهما عن زرارة ، قال : قلت له : هل في مسح الخُفّين تقيّة ؟ فقال : « ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ » . قال زرارة : ولم يقل : الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهنّ أحداً۱ .
بيان
ظاهر الحديث مخالف لما عليه الأصحاب من عموم التقيّة ، وكذا الآيات والأخبار الدالّة على ذلك .
وقد وجّهوا هذا الحديث بوجوه :
الأوّل : أنّه عليه السلام أخبر عن نفسه أنّه لا يتّقي فيهنّ أحداً ، ويجوز أن يكون إنّما أخبر عليه السلام بذلك لعلمه بأنّه لا يحتاج إلى ما يتّقي منه في ذلك ، ولم يقل : لا تتّقوا أنتم فيهنّ أحداً ، وهو الذي أشار إليه زرارة .
الثاني : أن يكون أراد عليه السلام : لا أتّقي فيهنّ أحداً في الفتيا بالمنع دون الفعل ؛ لأنّ ذلك معلوم من مذهبه فلا وجه لاستعمال التقيّة فيه .
الثالث : أن يكون أراد عليه السلام : لا أتّقي فيهنّ أحداً إذا لم يبلغ الخوف على النفس والمال وإن لحقه أدنى مشقّة احتمله ، وإنّما تجوز التقيّة في ذلك عند الخوف الشديد على النفس والمال . وهذه الوجوه الثلاثة ذكرها الشيخ۲ .
الرابع : أن يقال في وجه عدم التقيّة في ذلك : أمّا في شرب المسكر فلأنّه لا يستلزم عدم الشرب القول بالحرمة ، فيمكن أن يسند الترك إلى عذر آخر ، وفي المسح لأنّ الغسل أولى منه وتتحقّق التقيّة به ، وفي الحجّ لأنّ العامّه يستحبّون الطواف والسعي للقدوم ، فلم يبق إلّا التقصير ونيّة الإحرام بالحجّ ويمكن إخفاؤهما .
الخامس : أنّ الوجه في الجميع وجود المشاركة من العامّة .
وقال الشهيد في الذكرى :
ويمكن أن يقال هذه الثلاث لا يحتاج فيها إلى التقيّة غالباً لأنّهم لا ينكرون متعة الحجّ وأكثرهم يحرّم المسكر ، ومن خلع خفّه وغسل رجليه فلا إنكار عليه ، والغسل أولى منه عند انحصار الحال فيهما۳ . انتهى .
وقال المحدّث الكاشاني :
يمكن أن يحمل حديث جواز التقيّة - فيه أي في المسح على الخفّين - على ما إذا لم يتمكّن من التيمّم أو غسل الرجلين ، فإنّ التيمّم خير من هذا الوضوء ؛ لأنّه ليس بوضوء ، ولهذا ورد أنّهم يرون وضوءهم يوم القيامة على جلود الحيوانات . وممّا قلنا ظهر سرّ نفي التقيّه فيه وذلك لعدم وقوع الحاجة إليه إلّا نادراً۴ . انتهى .
أقول : روى الصدوق في الخصال بإسناده عن أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قال أميرالمؤمنين عليه السلام : ليس في شرب المسكر والمسح على الخفّين تقيّة » . وبعض الوجوه السابقة - مع بُعدها - لا تجري في هذا الخبر۵ ؛ فتدبّر .
1.الكافي ، ج ۳ ، ص ۳۲ ، مسح الخفّ ، ح ۲ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۷۶ ، ح۲ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۱ ، ص ۳۶۲ ، ح۱۰۹۳ وج ۹ ، ص ۱۱۴ ، ح۴۹۵ ؛ وعن الكافي في وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۴۵۷ ، ح۱۲۰۷ .
2.الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۷۶ - ۷۷ ، ذيل ح ۲ .
3.الذكرى ، ج ۲ ، ص ۱۶۰ .
4.الوافي ، ج ۶ ، ص ۳۰۶ .
5.الخصال ، ج ۲ ، ص ۶۱۴ ، ح ۱۰ .