الحديث الثامن والأربعون والثلاثمائة
[الماء يطهّر ولا يطهّر]
۰.ما رويناه بالأسانيد عن ثقة الإسلام في الكافي بإسناده عن الصادق عليه السلام قال : «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله : الماء يُطهِّر ولا يُطَهَّر»۱ .
بيان
أي يطهِّر كلّ شيء حتّى نفسه ؛ إذ حذف المفعول يدلّ على العموم ، ولا يُطهَّر من شيء إلّا من نفسه ؛ لأنّ التعميم بالأوّل أنسب .
لا يقال : إنّ هذا غير مستقيم ؛ لأنّ البئر تطهّر بالنزح ، وهو غير الماء .
لأنّا نقول : لا نُسلّم أنّ المطهّر لها هو النزح ، وإنّما هو الماء النابع شيئاً فشيئاً وقت إخراج الماء ، فالإطلاق مستقيم .
فإن قيل : الماء النجس يطهّر بالاستحالة ملحاً ؛ إذ ليس أدون من الكلب إذا استحال ملحاً ، فقد طهّر الماء غيره .
قلنا : فقد عدم وحينئذٍ فلم يبق هناك ماء مطهَّر بغيره .
لا يقال : الماء النجس إذا شربه حيوان مأكول اللحم وصار بولاً فقد طهّر الماءَ غيرُه من الأجسام من دون انعدام .
لأنّا نقول : كون المطهّر له جوف الحيوان ممنوع ، وإنّما المطهّر له استحالته بولاً على نحو ما تقدّم في استحالته ملحاً .
لا يقال : الماء القليل النجس لو كمل كرّاً بمضاف لم يسلبه الإطلاق طَهُرَ عند جملة من الأصحاب ، فقد طَهَّرَ الماءَ جسمٌ مغايرٌ له .
لأنّا نقول : لا نسلّم أوّلاً طهارته بالإتمام ، وثانياً : بعد التسليم يمكن أن يقال : إنّ المطهِّر هنا هو مجموع الماء لا المضاف .
واعلم أنّ المحدّث الكاشاني قد بنى هذا الحديث على أصله من عدم نجاسة الماء مطلقاً بملاقاة النجاسة فقال : إنّما لا يطهّر لأنّه إن غلب على النجاسة حتّى استهلكت فيه طهّرها ولم ينجس حتّى يحتاج إلى التطهير ، وإن غلبت عليه النجاسة حتّى استهلك فيها صار في حكم تلك النجاسة ولم يقبل التطهير إلّا بالاستهلاك في الماء الطاهر ، وحينئذٍ لم يبق منه شيء .
واستدلّ على ذلك بما استفاض عنه صلى اللَّه عليه وآله أنّه قال : « خلق اللَّه الماء طهوراً لا ينجّسه شيء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه » ، وأخبار اُخر ، وقد حقّقنا المسألة في شرحنا على المفاتيح۲ .