الحديث السابع والأربعون والثلاثمائة
[كان النبيّ يتوب إلى اللَّه في كلّ يوم سبعين مرّة]
۰.ما رويناه بالأسانيد عن ثقة الإسلام بإسناده عن زيد الشحّام عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يتوب إلى اللَّه عزّ وجلّ في كلّ يوم سبعين مرّة » ، قلت : كان يقول أستغفر اللَّه ربّي وأتوب إليه ؟ قال : « لا ، ولكن يقول : أتوب إلى اللَّه » ، قلت : إنّ رسول اللَّه كان يتوب ولا يعود ونحن نتوب ونعود ؟! فقال عليه السلام : « اللَّه المستعان »۱ .
بيان
قد أجمعت الإماميّة على عصمة الأنبياء ، وقد ورد في الآيات والأخبار كثير ممّا يوهم ظاهره نسبة المعاصي إليهم عليهم السلام لا سيّما في الصحيفة السجّاديّة والأدعية المعصوميّة ، فلابدّ من تأويل ذلك بما ينطبق على اُصول الإماميّة ، وأحسن التأويلات ما أفاده الفاضل عليّ بن عيسى الإربلي في كشف الغمّة حيث قال :
إنّ الأنبياء والأئمّة تكون أوقاتهم مستغرقة بذكر اللَّه ، وقلوبهم مشغولة ، وخواطرهم متعلّقة بالملأ الأعلى ، وهم أبداً في المراقبة كما قال عليه السلام : « اعبد اللَّه كأنّك تراه ، فإن لم تره فإنّه يراك » ، فإنّهم أبداً متوجّهون إليه ومقبلون بكلّيّتهم عليه ، فمتى انحطّوا عن تلك المرتبة العالية والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب والتفرّغ إلى النكاح وغيره من المباحات عَدّوه ذنباً واعتقدوه خطيئة واستغفروا منه ، ألا ترى أنّ بعض عبيد أبناء الدنيا لو قعد وأكل وشرب ونكح وهو يعلم أنّه بمرأى من سيّده ومسمع لكان ملوماً عند الناس ومقصّراً فيما يجب عليه من حرمة سيّده ومالكه ؟ فما ظنّك بسيّد السادات ومالك الأملاك ، وإلى هذا أشار صلى اللَّه عليه وآله بقوله : « إنّه ليران على قلبي ، وإنّي لأستغفر بالنهار سبعين مرّة » ، وقوله : « حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين »۲ . انتهى ملخّصاً .
وقال بعض المحقّقين :
لمّا كان قلب النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أتمّ القلوب صفاءاً وأكثرها ضياءاً وأعرقها عرفاناً وكان صلى اللَّه عليه وآله معيناً مع ذلك لتشريع الملّة وتأسيس السنّة ، ميسّراً غير معسّر ، لم يكن له بدّ من النزول إلى الرخص والالتفات إلى حظوظ النفس مع ما كان ممتحناً به من أحكام البشريّة ، فكان إذا تعاطى شيئاً من ذلك أسرعت كدورة إلى القلب ؛ لكمال رقّته وفرط نورانيّته ، فإنّ الشيء كلّما كان أرقّ وأصفى كان ورود الكدورات عليه أبين وأهدى ، وكان صلى اللَّه عليه وآله إذا أحسّ بشيء من ذلك عدّه على النفس ذنباً فأستغفر منه۳ .
1.الكافي ، ج۲ ، ص۴۳۸ ، باب الاستغفار من الذنب ، ح۴ ؛ وعنه في وسائل الشيعة ، ج۱۶ ، ص۸۴ - ۸۵ ، ح۲۱۰۴۷ .
2.كشف الغمّة ، ج ۳ ، ص ۴۷ .
3.رياض السالكين ، ج ۲ ، ص ۴۷۴ ، نقلاً عن القاضي ناصر الدين البيضاوي في شرح المصابيح .