الحديث الثالث والأربعون والثلاثمائة
[الصلاة على المصلوب]
۰.ما رويناه عن ثقة الإسلام في الكافي ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن المصلوب ، فقال : « أما علمت أنّ جدّي صلّى على عمّه ؟ » قلت : أعلم ذلك ولكنّي لا أفهمه مبيّناً ، قال : اُبيّنه لك ، إن كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن ، وإن كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر ، فإنّ ما بين المشرق والمغرب قبلةٌ ، وإن كان منكبه الأيسر إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر ، وكيف كان منحرفاً فلا تزايل مناكبه ، وليكن وجهك إلى ما بين المشرق والمغرب ، ولا تستقبله ولا تستدبره البتّة » . قال أبو هاشم : وقد فهمت إن شاء اللَّه ، فهمته واللَّه۱ .
بيان
أراد بجدّه : الصادق عليه السلام ، وبعمّه : زيد بن عليّ عليه السلام .
قال العلّامة المحدّث المجلسي رحمة اللَّه عليه في الأربعين :
قال الشهيد في الذكرى : وإنّما يجب الاستقبال مع الإمكان ، فيسقط لو تعذّر من المصلّي ، والجنازة كالمصلوب الذي يتعذّر إنزاله كما روى أبو هاشم الجعفري ، وهذه الرواية وإن كانت غريبة نادرة كما قال الصدوق ، وأكثر الأصحاب لم يذكروا مضمونها في كتبهم ، إلّا أنّه ليس لها معارض ، ولا رادّ .
وقد قال أبو الصلاح وابن زهرة : يصلّى على المصلوب ولا يستقبل وجهه الأمام في التوجّه فكأنّهما عاملان بها ، وكذا صاحب الجامع الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد .
والفاضل في المختلف قال : إن عُمل بها فلا بأس .
وابن إدريس نقل عن بعض الأصحاب : إن صلّى عليه وهو على خشبة استقبل وجهه المصلّي ، ويكون هو مستدبر القبلة ، ثمّ حكم بأنّ الأظهر إنزاله بعد الثلاثة والصلاة عليه .
قلت : هذا النقل لم نظفر به وإنزاله قد يتعذّر كما في قضية زيد . انتهى .
ثمّ قال المجلسي رحمة اللَّه عليه : أقول : إنّ المتعرّضين لهذا الخبر لم يتكلّموا في معناه ولم يتفكّروا في مغزاه ولم ينظروا إلى ما يستنبط من فحواه ، فأقول وباللَّه التوفيق :
إنّ مبنى هذا الخبر على أنّه يلزم المصلّي أن يكون مستقبل القبلة وأن يكون محاذياً لجانبه الأيسر ، فإن لم يتيسّر ذلك فيلزمه مراعاة الجانب في الجملة مع رعاية القبلة الاضطراريّة ، وهو ما بين المشرق والمغرب ، فبيَّن عليه السلام محتملات ذلك في قبلة أهل العراق المائلة عن خطّ نصف النهار إلى جانب اليمين ، فأوضح ذلك أبين إيضاح ، وأفصح أظهر إفصاح ، ففرض عليه السلام أوّلاً كون وجه المصلوب إلى القبلة ، فقال : قم على منكبه الأيمن ، لأنّه لا يمكن محاذاة الجانب الأيسر مع رعاية القبلة ، فيلزم مراعاة الجانب في الجملة ، فإذا قام محاذياً لمنكبه الأيمن يكون وجهته داخلة فيما بين المشرق والمغرب من جانب القبلة ، لميل قبلة أهل العراق إلى اليمين عن نقطة الجنوب ؛ إذ لو كان المصلوب محاذياً لنقطة الجنوب كان الواقف على منكبه واقفاً على خطّ مقاطع لخطّ نصف النهار على زوايا قوائم ، فيكون مواجهاً لنقطة مشرق الاعتدال ، فلمّا انحرف المصلوب عن تلك النقطة بقدر انحراف قبلة البلد الذي هو فيه ينحرف الواقف على منكبه بقدر ذلك من المشرق إلى الجنوب ، وما بين المشرق والمغرب قبلة ، إمّا للمضطرّ كما هو المشهور ، وهذا المصلّي مضطرّ ، أو مطلقاً كما هو ظاهر بعض الأخبار ، وظهر لك أنّ هذا المصلّي لو وقف على منكبه الأيسر لكان خارجاً عمّا بين المشرق والمغرب ، محاذياً لنقطة من الاُفق منحرفة عن نقطة مغرب الاعتدال إلى جانب الشمال بقدر انحراف القبلة .
ثمّ فرض عليه السلام كون المصلوب مستدبراً للقبلة ، فأمره حينئذٍ بالقيام على منكبه الأيسر ليكون مواجهاً لما بين المشرق والمغرب ، واقفاً على منكبه الأيسر كما هو اللازم في حال الاختيار .
ثمّ بيّن عليه السلام علّة الأمر في كلّ من الشقّين بقوله : « فإنّ ما بين المشرق والمغرب قبلة » .
ثمّ فرض عليه السلام كون منكبه الأيسر إلى القبلة فأمره بالقيام على منكبه الأيمن ليكون مراعياً لمطلق الجانب ؛ لتعذّر رعاية خصوص المنكب الأيسر ، والعكس ظاهر .
ثمّ لمّا أوضح عليه السلام بعض الصوريّين القاعدة الكلّيّة في ذلك ليستنبط منه باقي الصور المحتملة ، وهي رعاية أحد الجانبين مع رعاية ما بين المشرق والمغرب ، وقد فهم ممّا قرّره سابقاً تقديم الجانب الأيسر مع الإمكان ، ونهاه عن استقبال الميّت واستدباره في حال من الأحوال .
فإذا حقّقت ذلك فاعلم أنّ الأصحاب اتّفقوا على وجوب كون الميّت في حال الصلاة مستلقياً على قفاه وكون رأسه إلى يمين المصلّي ، ولم يذكروا لذلك مستنداً إلّا عمل السلف في كلّ عصر وزمان ، حتّى أنّ بعض مبتدعي المتأخّرين أنكر ذلك في عصرنا وقال : ويلزم أن يكون الميّت في حال الصلاة على جانبه الأيمن مواجهاً للقبلة على هيئته في اللحد ، وتمسّك بأنّ هذا الوضع ليس من الاستقبال في شيء .
أقول : هذا الخبر على ما فسّرناه وأوضحناه ظاهر الدلالة على رعاية محاذاة أحد الجانبين على كلّ حال ، وبانضمام الخبر الوارد بلزوم كون رأس الميّت إلى يمين المصلّي يتعيّن القيام على يساره ؛ إذ لا يقول هذا القائل أيضاً فضلاً عن أحد من أهل العلم بجواز كون الميّت منبطحاً على وجهه حال الصلاة ، مع أنّ عمل الأصحاب في مثل هذه الاُمور التي تتكرّر في كلّ يوم وليلة في أعصار الأئمّة وبعدها من أقوى المتواترات وأوضح الحجج وأظهر البيّنات۲ . انتهى .