الحديث السادس والثلاثون والثلاثمائة
[إنّ زيارة الحسين عليه السلام تزيد في العمر وتنسي الأجل]
۰.ما رويناه بالأسانيد عن شيخ الطائفة وابن قولويه وغيرهما بأسانيد معتبرة ومتون متفاوتة عن الباقر والصادق عليهما السلام : « أنّ أيّام زائري الحسين عليه السلام لا تعدّ من آجالهم »۱وأنّ زيارته تزيد في العمر والرزق وتنسي الأجل۲ .
وقد استقصينا الأخبار الواردة في ذلك في كتاب تحفة الزائر .
ووجه الإشكال : أنّا نرى بعض الزائرين يموت بعد الزيارة بلا فصل ، وبعضهم يموت في الطريق ذهاباً أو إياباً ، فكيف التوفيق ؟ ومثل هذا يُسئل عنه في الأدعية والأدوية والأعمال التي ورد لها خواصّ من عدم ترتّب خاصيّتها عليها ، وكذا بالنسبة إلى استجابة الدعاء والأسباب الجالبة للرزق والمنسئة في الأجل ونحوه من عدم ترتّب خواصّها عليها .
والتحقيق في الجواب على وفق الحقّ والصواب أن يقال : إنّ اللَّه سبحانه وتعالى بمقتضى حكمته البالغة وقدرته الباهرة جعل الأعمال التي يأتي بها المكلّف من الواجبات والمستحبّات بمنزلةالأدوية النافعة ، والمحرّمات والمكروهات بمنزلة الضارّة بل السموم القاتلة . وبالجملة ، كلّ ما يأتي به الإنسان من واجب ومستحبّ ومحرّم ومكروه فله خاصيّة تترتّب عليه ، فكما أنّ الأدوية المفردة لها خواصّ فكذا الأعمال ، وكما أنّ من شرب الكافور والمبرّدات - مثلاً - يحصل له تبريد ، ولكنّه مشروط بعدم تناول شيء حالّ مقابله ، وبالعكس ، فكذا الأعمال ، فإنّ كون زيارة الحسين عليه السلام ونحوها ممّا ينسئ في الأجل ويزيد في الرزق مشروط بعدم الإقدام على عمل آخر يوجب نقصان العمر وحرمان الرزق ، وكما أنّ من تناول الشيء الحار والبارد يتعارضان ، وأيّهما غلب في المرتبة بالنسبة إلى المزاج غلب في التأثير ، فكذا من عمل عملين يوجب أحدهما نقصان العمر والآخر زيادته يتعارضان ، فأيّهما غلب أثّر ، وإن تساويا تساقطا وتقابلا .
وحينئذٍ فالأعمال التي ذكرت لها خواصّ وآثار حقّ وصدق ، ولكنّا لا نرى أثرها أو نرى الأثر بالعكس ؛ لأجل الإقدام على مقابلها وضدّها ، ولهذا نرى لها الأثر في بعض الأوقات ولا نرى في بعض آخر ، فلا إشكال بفضل الملك المتعال .
وربّما اُجيب أيضاً بأجوبة اُخر :
أحدها : أنّ أنواع ثواب العبادات كثيرة كما يدلّ عليه أحاديث ثواب الأعمال ، من طول العمر ، وسعة الرزق ، ودفع البلاء والأمراض ، وحصول الجاه ، وغفران الذنوب ، وتضاعف الثواب ، ونحوها ، وبالجملة ، كلّ عمل يكون بإزائه مثوبات كثيرة ، قد يستحقّ بعض العاملين بعضها ، وقد يستحقّ الكلّ ، وقد يستحقّ بعض دون بعض ، فلعلّ من لم يحصل له طول العمر ونحوه قد حصل له عوضآخر من ذلك اقتضته المصلحة .
وثانيها : أنّ شروط القبول كثيرة والموانع كثيرة أيضاً ، وناهيك بذلك قوله تعالى : « إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »۳ ، فلعلّ من مات من الزائرين ممّن لم يقبل عمله ، وفي ذلك لطف للمكلّف ؛ لئلّا يعتمد على أعماله ، وليكون دائماً بين الخوف والرجاء .
وثالثها : أن يكون طول العمر وزيادته بقدر الذهاب والعود كلّيّاً حاصلاً لكلّ أحد ويكون على قسمين : منه ما يحصل قبل الموت ، ومنه ما يحصل بعده في الرجعة .
رابعها : أن يكون ذلك مخصوصاً بالأجل الموقوف الذي يحتمل الزيادة والنقصان بإذن اللَّه سبحانه دون الأجل المحتوم ، فلعلّ من مات في الطريق أو بعد إيقاع الزيارة بلا فصل كان أجله محتوماً .
وخامسها : أن يكون هذاالعموم مخصّصاً بغير تلك الأفراد ، فإنّه ما من عامّ إلّا وقد خصّ ، وقد يخصّ بغير سبب ؛ لأنّ ذلك تفضّل من اللَّه تعالى بزيادة العمر فلا يلزم عمومه ، ولا بأس بالحكم مع كونه مخصّصاً في المقامات الخطابيّة ، واللَّه العالم۴ .
1.تهذيب الأحكام ، ج۶ ، ص۴۳ ، ح۹۰ ؛ كامل الزيارات ، ص۱۳۶ ، ح۱ ؛ وعن التهذيب في وسائل الشيعة ، ج۱۴ ، ص۴۱۴ ، ح۹ .
2.لم نعثر على هذا النصّ بتمامه . نعم ، مضمونه موجود في تهذيب الأحكام ، ج ۶ ، ص ۴۲ ، ح ۸۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۴ ، ص ۴۱۳ ، ح ۱۹۴۸۳ .
3.المائدة ( ۵ ) : ۲۷ .
4.الفوائد الطوسيّة ، ص ۴۵۹ - ۴۶۲ ملخّصاً .