بيان
قد ظنّ بعض الفضلاء من الأخباريّين أنّ الفروج التي أحلّتها آية وحرّمتها آية اُخرى هي الجمع بين الفاطميّتين لما رواه في التهذيب عن عليّ بن الحسن ، عن السندي بن الربيع ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن رجل من أصحابنا ، قال : سمعته يقول : « لا يحلّ لأحد أن يجمع بين اثنتين من ولد فاطمة ، إنّ ذلك يبلغها فيشقّ عليها » ، قلت : يبلغها ؟ قال : « إي واللَّه » .
قال : وهذا الحديث بضميمة قوله تعالى : « إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ »۱ .
قال : ولاشكّ أنّ الجمع بين الفاطميّتين مؤذٍ لها ، وإيذاؤها إيذاءٌ للنبيّ ، وإيذاؤه حرام ، فيكون الجمع بينهما حراماً ، والآية الشريفة دالّة على ذلك ، فتكون هي المحرّمة ، والمحلّلة قوله تعالى : « إِلَّا عَلَى أَزْوَ جِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ »۲ ، فتكون قد أحلّتها آية وحرّمتها آية۳ . انتهى .
وفيه : أنّ كون الآية المذكورة دالّة على التحريم محلّ نظر ، على أنّ تحريم الجمع بينهما ممّا قام على خلافه الإجماع بل ضرورة الدين مضافاً إلى عموم الآيات والأخبار ، والحديث المذكور ضعيف شاذّ لا يلتفت إليه في مقابلة الاُصول الشرعيّة والعمومات المرعيّة . على أنّه غير صريح في الحرمة فليحمل على الكراهة كما في قوله عليه السلام : « لا يحلّ لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر أن تدع عانتها فوق عشرين يوماً »۴ ، بل الخبران المذكوران قد ورد عن أئمّة الهدى عليهم السلام ما يرفع إشكالهما ويبيّن إجمالهما :
منها : ما رواه في التهذيب عن الحلبي عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « قال محمّد بن عليّ عليه السلام في اُختين مملوكتين يكونان عند الرجل جميعاً» ، قال : قال عليّ عليه السلام : «أحلّتهما آية وحرّمتهما آية ، وأنا أنهى عنهما نفسي وولدي »۵ . انتهى .
قال المحدّث الكاشاني : الآية المحلّلة هي قوله سبحانه : « وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَفِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَ جِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَنُهُمْ »۶ ، والآية المحرّمة هي قوله عزّوجلّ : « وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ »۷ ، ومورد الحلّ والحرمة فيهما هو الوطي۸ ، ونحوه مرويّ عن تفسير العيّاشي۹ ، وعدم إفتائه عليه السلام بالتحريم للتقيّة ، أو لأنّه خشي أن لا يطاع .
ومنها : ما رواه عن عبداللَّه بن سنان ، قال : سألت أبا عبداللَّه عليه السلام عن رجل كان تحته أمة فطلّقها على السنّة ، فبانت منه ، ثمّ اشتراها بعد ذلك قبل أن تنكح زوجاً غيره ، قال : أليس قد قضى عليّ عليه السلام في هذا : أحلّتها آية وحرّمتها آية ؟ وأنا أنهي عنها نفسي وولدي۱۰ .
ولعلّ الآية المحلّلة هي آية الملك المتقدّمة والآية المحرّمة قوله تعالى : « حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ »۱۱ ؛ لأنّ ظاهر الحديث أنّه طلّقها ثنتين للسنّة ، فحرمت عليه بدون المحلّل ، فلو اشتراها هل يزول ذلك الحكم ويجوز له وطؤها أو يتوقّف على المحلّل ؟ أكثر الأخبار دلّت على الثاني .
ومنها : ما رواه عن رفاعة عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : سألته عن الأمة الحبلى يشتريها الرجل ، فقال : « سُئل عن ذلك أبي ، فقال : أحلّتها آية وحرّمتها اُخرى ، وأنا ناهٍ عنها نفسي وولدي . فقال الرجل : أنا أرجو أن أنتهي إذا نهيت نفسك وولدك »۱۲ .
والظاهر أنّ الآية المحلّلة آية الملك المتقدّمة ، والمحرّمة قوله تعالى : « وَ أُوْلَتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ »۱۳ .
ويبقى الكلام في وجه توقّفهم عليهم السلام وتعليلهم ذلك بالآيتين مع علمهم بالناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه ، والظاهر أنّ توقّفهم للتقيّة كما صرّح به قوله عليه السلام : « وأنا ناه عنها نفسي وولدي » .
1.الأحزاب ( ۳۳ ) : ۵۷ .
2.المؤمنون ( ۲۳ ) : ۶ .
3.راجع : الدرر النجفيّة ، ج ۱ ، ص ۲۳۵ - ۲۴۷ .
4.الكافي ، ج ۶ ، ص ۵۰۶ ، باب النورة ، ح ۱۱ ؛ الفقيه ، ج ۱ ، ص ۱۱۹ ، ح ۲۶۰ ؛ وعن الكافي في وسائل الشيعة ، ج ۲ ، ص ۱۳۹ ، ح ۱۷۳۹ .
5.تهذيب الأحكام ، ج ۷ ، ص ۲۹۰ ، ح ۵۱ ؛ وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۲۰ ، ص ۴۸۳ ، ح ۲۶۱۴۹ .
6.المؤمنون ( ۲۳ ) : ۵ - ۶ .
7.النساء ( ۴ ) : ۲۳ .
8.الوافي ، ج ۲۱ ، ص ۱۷۱ .
9.تفسير العيّاشي ، ج ۱ ، ص ۲۳۲ ، ح ۷۹ .
10.تهذيب الأحكام ، ج ۸ ، ص ۸۳ - ۸۴ ، ح ۲۰۳ ؛ الاستبصار ، ج ۳ ، ص ۳۰۹ ، ح۱ ؛ وعنهما في وسائل الشيعة ، ج ۲۲ ، ص ۱۶۳ ، ح ۲۸۲۸۴ .
11.البقرة ( ۲ ) : ۲۳۰ .
12.الكافي ، ج ۵ ، ص ۴۷۴ - ۴۷۵ ، باب الأمة يشتريها الرجل وهي حبلى ، ح۱ ؛ تهذيب الأحكام ، ج۸ ، ص۱۷۶ ، ح۴۰ ؛ الاستبصار ، ج۳ ، ص۳۶۲ ، ح۱ ؛ وعن الكافي في وسائل الشيعة ، ج۱۸ ، ص۲۶۲ - ۲۶۳ ، ح۲۳۶۳۴ .
13.الطلاق (۶۵) : ۴ .