493
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

إيضاح [حالات المواجهة بين الشمس والقمر]

هذا الخبر مرويّ أيضاً في الكافي والفقيه‏۱ بتفاوت ما .
قال المحقّق المحدّث المجلسي رحمة اللَّه عليه :
اعلم أنّ الفلاسفة ذهبوا إلى أنّ جرم القمر مظلم كثيف صيقليّ يقبل من الشمس الضوء لكثافته ، وينعكس عنه لصقالته ، فيكون أبداً المضي‏ء من جرمه الكُريِّ أكثر من النصف بقليل لكون جرمه أصغر من جرم الشمس ، وقد ثبت في الاُصول أنّه إذا قبل الضوء كرةٌ صغرى من كرة أعظم منها كان المضي‏ء من الصغرى أعظم من نصفها ، وتفصل بين المضي‏ء والمظلم دائرة قريبة من العظيمة ، تسمّى دائرة النور ، وتفصل بين ما يصل إليه نور البصر من جرم القمر وبين ما لا يصل دائرة الرؤية ، وهي أيضاً قريبة من العظيمة ، لما ثبت في مناظرات إقليدس : أنّ ما يرى من الكرة يكون أصغر من نصفها .
وهاتان الدائرتان يمكن أن تتطابقا ، وقد تتفارقان إمّا متوازيتين أو متقاطعتين أو لا ذا ولا ذاك ، وقد تؤخذان عظيمتين ؛ إذ لا تفاوت بالحسّ بين كلّ منهما وبين العظيمة ، ويجعل ما يقارب التطابق تطابقاً ، فإذا اجتمعت الشمس والقمر صار وجهه المضي‏ء إليها والمظلم إلينا ، وتتطابق الدائرتان ، وهو المحاق .
فإذا بعد عنها يسيراً تقاطعت الدائرتان على حوّادٍ ومنفرجات ، فإذا بعد منها قريباً من اثنتي عشرة درجة يرى من وجهه المضي‏ء ما وقع منه بين الدائرتين من جهة الحادّتين اللتين إلى صوب الشمس ، وهو الهلال ، ولا تزال هذه القطعة تتزايد بتزايد البُعد عن الشمس ، والجوادّ تتعاظم والمنفرجات تتصاغر حتّى يصير التقاطع بين الدائرتين على قوائم ويحصل التربيع ، فيرى من الوجه المضي‏ء نصفه .
ولا يزال يتزايد المرئي من المضي‏ء ويتعاظم انفراج الزاويتين الأوّلتين إلى وقت الاستقبال ، فتطابق الدائرتان مرّة ثانية ويصير الوجه المضي‏ء إلينا وإلى الشمس معاً ، وهو البدر ، ثمّ يقع التقارب فيعود تقاطع الدائرتين على المختلفات أوّلاً ، ثمّ على قوائم ثانياً وحصل التربيع الثاني ، ثمّ يؤول الحال إلى التطابق ، فيعود المحاق ، وهكذا إلى ما شاء اللَّه .
والكسوف عندهم حالة تعرض للشمس من عدم الاستنارة والإنارة بالنسبة إلى الأبصار حينما يكون من شأنها ذلك بسبب توسّط القمر بينها وبين الأبصار ، وذلك إذا وقع القمر على الخطّ الخارج من البصر إلى الشمس ، ويسمّى ذلك بالاجتماع المرئي ، ويكون لا محالة على أحد العقدتين الرأس أو الذنَب أو بقربهما ، بحيث لا يكون للقمر عرض مرئيّ بقدر مجموع نصف قُطره وقطر الشمس ، فلا محالة يحول بين الشمس وبين البصر ، ويحجب بنصفه المظلم نورها عن الناظرين بالكلّ ، وهو الكسوف الكلّيّ ، أو البعض فالجزئيّ ، ولكونه حالة تعرض للشمس لا في ذاتها ، بل بالنسبة إلى الأبصار جاز أن يتّفق الكسوف بالنسبة إلى قوم دون قوم ، كما إذا سترت السراج بيدك بحيث يراه القوم وأنت لا تراه ، وأن يكون كلّيّاً لقوم ، جزئيّاً لآخرين ، أو جزئيّاً للكلّ لكن على التفاوت ، وأمّا إذا كان عرض القمر المرئي بقدر نصف مجموع القطرين فيما بين جرم القمر مخروط شعاع الشمس فلا يكون كسوف .
وأمّا خسوف القمر فيكون عندهم عند استقبال الشمس إذا كان على إحدى العقدتين أو بقربهما بحيث يكون عرضه أقلّ من مجموع نصف قطره ، وقطر مخروط ظلّ الأرض انحجب بالأرض عن نور الشمس ، فيرى إن كان فوق الأرض على ظلامه الأصليّ كلّاً أو بعضاً ، وذلك هو الخسوف الكلّيّ أو الجزئيّ . وأمّا إذاكان عرضه عن منطقة البروج بقدر نصف القطرين فلا ينخسف .
إذا عرفت هذا فالكلام في هذا الخبر على وجوه :
الأوّل : أن يقال : إنّ هذه مقدّمات حدسيّة ظنّيّة ، فإنّه يمكن أن تكون هذه الاختلافات لجهة اُخرى كما قال ابن هيثم في اختلاف تشكّلات القمر : إنّه يجوز أن يكون ذلك ؛ لأنّ القمر كرة مضيئة نصفها دون نصف ، وأنّها تدور على مركز نفسها بحركة مساوية لحركة فلكها ، فإذا كان نصفه المضي‏ء إلينا فبدراً أو المظلم فمحاقاً ، وفيما بينهما يختلف على قدر ما تراه من المضي‏ء .
وأيضاً يمكن أن يكون الفاعل المختار يحدث فيه نوراً بحسب إرادته في بعض الأحيان ولا يحدث في بعضها ، فالحكم ببطلان الخبر أو تأويله غير مستقيم .
الثاني : أنّه يمكن أن يكون عند حدوث تلك الأسباب يقع المرور على البحر أيضاً ، ويكون له أيضاً مدخل في ذلك . وامتناع الخرق والالتيام على الأفلاك وعدم جواز الحركة المستقيمة لها ، وامتناع اختلاف حركاتها وأمثال ذلك ، لم يثبتوها إلّا بشبهات واهية وخرافات فاسدة ، لا يخفى وهنها على من تأمّل بالإنصاف فيها ، مع أنّ القول بها يوجب نفي كثير من ضروريّات الدين من المعراج ونزول الملائكة وعروجهم ، وخرق السماوات وطيّها ، وانتشار الكواكب وانكسافها في القيامة ، إلى غير ذلك ممّا صرّح به القرآن المجيد والأخبار المتواترة .
الثالث : ما ذكره الصدوق في الفقيه قال : إنّ الذي يخبر به المنجّمون فيتّفق على ما يذكرونه ليس من هذا الكسوف في شي‏ء ، وإنّما يجب الفزع فيه إلى المساجد والصلاة ؛ لأنّه آية تشبه آية الساعة .
ويؤيّده ما روي من وقوع الكسوف والخسوف في يوم عاشوراء وليلته ، وما رواه الشيخ المفيد في الإرشاد بإسناده إلى الفضل بن شاذان ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن ثعلبة الأزدي ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام : « آيتان تكونان قبل القائم : كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان ، وخسوف القمر في آخره » . قال : قلت : يابن رسول اللَّه ، تكسف الشمس في نصف الشهر والقمر في آخره ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : « أنا أعلم بما قلتُ ، إنّهما آيتان لم تكونا منذ هبط آدم عليه السلام » ، ورواه في الكافي ونحوه .
الرابع : ما أوّله بعض المتفلسفين وهو : أنّ المراد بالبحر في الكسوف : ظلّ القمر ، وفي الخسوف : ظلّ الأرض على الاستعارة .
ووجدت في بعض الكتب مناظرة لطيفة وقعت بين رجل من المدّعين للإسلام يذكر هذا التأويل للخبر ، وبين رجل من براهمة الهند ، قال له حين سمع ذلك التأويل منه : لا يخلو من أن يكون مراد صاحب شريعتك ما ذكرت أم لا ؛ فإن لم يكن مراده ذلك فالويل لك حيث اجترأت على اللَّه وعليه صلى اللَّه عليه وآله وحملت كلامه على ما لم يرده وافتريت عليه ، وإن كان مراده ذلك فله غرض في التعبير بهذه العبارة ومصلحة في عدم التصريح بالمراد ؛ لقصور أفهام عامّةِ الخلق عن فهم الحقائق ، فالويل لك أيضاً حيث نقضت غرضه وأبطلت مصلحته وهتكت ستره .
وأقول : هذا الكلام متين وإن كان قائله - على ما نقل - من الكافرين ؛ لأنّ عقول العباد قاصرة عن فهم الأسباب والمسبّبات وكيفيّة نزول الأنكال والعقوبات ، فإذا سمعوا المنجّم يخبر بوقوع الكسوف أو الخسوف في الساعة الفلانية بمقتضى حركة الفلك لا يخافون ولا يفزعون عند ذلك إلى ربّهم ولا يرتدعون به عن معصية ، ولا يعدّونه من آثار غضب اللَّه تعالى ؛ لأنّهم لا يعلمون أنّه يمكن أن يكون الصانع القديم والقادر الحكيم لمّا خلق العالم وقدّر الحركات وسبّب الأسباب والمسبّبات علم بعلمه الكامل أحوالهم وأفعالهم في كلّ عصر وزمان ، وما يستحقّونه من التحذير والإنذار ، قدّر حركات الأفلاك على وجه يطابق الخسوف والكسوف وغيرهما من‏الآيات بقدر ما يستحقّونه‏بحسب أحوالهم من الإنذارات والعقوبات.
وقوله عليه السلام : « والأرض مسيرة خمسمائة عام » لعلّ المراد أنّه إذا أراد الإنسان أن يدور جميع الأرض ويطّلع على جميع بقاعها الظاهرة والغامرة ، لا يكون إلّا في خمسمائة سنة ، وكذا المعمور وغير المعمور ؛ إذ لو كان المراد : السير على عظيمة محيطة بالأرض يكون ذلك في قليل من السنين إن كانت مساحتهم المذكورة في كتبهم حقّاً ؛ لأنّهم قالوا تحيط دائرة عظيمة تُفرَض على الأرض ثمانية آلاف فرسخ ، فيمكن قطعه في ثلاث سنين تقريباً .
وكون الشمس ستّين فرسخاً لعلّه بالفراسخ السماويّة ، أو المراد : أنّ نسبتها إلى فلكها كنسبة تلك الفراسخ إلى الأرض ، وكذا القمر ، أو المراد به : العدد الكثير ، وعبّر هكذا تقريباً إلى فهم السائل ، وكذا المراد بكون الكواكب كأعظم جبل وإنّ نسبة كلٍّ منها إلى السماء كنسبة أعظم جبل إلى الأرض ، كلّ ذلك بناءاً على صحّة ما ذكره أصحاب الهيئة ، وهو غير معلوم ، فإنّهم عوّلوا في ذلك على مساحات وأرصاد تصدّى جماعة من الكفرة لتحقيقها وضبطها .
وقوله عليه السلام : « حتّى إذا كانت سبعة أطباق » يحتمل أن يكون المعنى : أنّ الطبقة السابعة فيها من نار ، فتكون حرارتها لجهتين : لكون طبقات النار أكثر بواحدة ، وكون الطبقة العليا من النار ، ويحتمل أن يكون لباس النار طبقة ثامنة ، فتكون الحرارة للجهة الثانية فقط ، وكذا في القمر يحتمل الوجهين .
ثمّ إنّه يحتمل أن يكون خلقهما من النار والماء الحقيقيّين من صفوهما وألطفهما ، وأن يكون المراد : جوهرين لطيفين مشابهين لهما في الكيفيّة ، ولم يثبت امتناع كون العنصريّات في الفلكيّات ببرهان ، وقد دلّ الشرع على وقوعه في مواضع شتّى‏۲ .

1.الكافي ، ج‏۸ ، ص‏۸۳ ، ح‏۴۱ عن الحكم بن المستورد عن عليّ بن الحسين عليه السلام ؛ من لا يحضره الفقيه ، ج‏۱ ، ص‏۵۳۹ ، ح‏۱۵۰۸ .

2.بحار الأنوار ، ج ۵۵ ، ص ۱۵۰ - ۱۵۶ مع تفاوت فيها .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
492

الحديث السابع والعشرون والثلاثمائة

[البحر الذي خلقه اللَّه بين السماء والأرض‏]

۰.ما رويناه بالأسانيد السالفة عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره بإسناده عن الحكم ابن المستنير عن عليّ بن الحسين عليه السلام قال : « إنّ من الآيات التي قدّرها اللَّه للناس ممّا يحتاجون إليه البحر الذي خلق اللَّه بين السماء والأرض ، وأنّ اللَّه قدّر فيه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب ، ثمّ قدّر ذلك كلّه على الفلك ، ثمّ وكّل بالفلك ملكاً معه سبعون ألف ملك يديرون الفلك ، فإذا دارت الشمس والقمر والنجوم والكواكب معه نزلت في منازلها التي قدّرها اللَّه فيها ليومها وليلتها ، فإذا كثرت ذنوب العباد وأراد اللَّه أن يستعتبهم بآية من آياته أمر الملك الموكّل بالفلك أن يزيل الفلك الذي عليه مجاري الشمس والقمر والنجوم والكواكب ، فيأمر الملك اُولئك السبعين ألف ملك أن يزيلوا الفلك عن مجاريه .
قال : فيزيلونه فتصير الشمس في البحر الذي يجري فيه الفلك ، فيطمس ضوؤها۱ ويغيّر لونها ، فإذا أراد اللَّه أن يعظّم الآية طمست الشمس في البحر على ما يحبّ اللَّه أن يخوّف خلقه بالآية ، فذلك عند شدّة انكساف الشمس ، وكذلك يفعل بالقمر ، فإذا أراد اللَّه أن يخرجهما ويردّهما إلى مجراهما أمر الملك الموكّل بالفلك أن يردّ الشمس إلى مجراها ، فيردّ الملك الفلك إلى مجراه ، فتخرج من الماء وهي كدرة ، والقمر مثل ذلك » .
ثمّ قال عليّ بن الحسين عليه السلام : « إنّه لا يفزع لهما ولا يرهب إلّا من كان من شيعتنا ، فإذا كان ذلك فافزعوا إلى اللَّه وراجعوا » .
قال : « وقال أميرالمؤمنين عليه السلام : الأرض مسيرة خمسمائة عام ، الخراب منها مسيرة أربعمائة عام ، والعمار منها مسيرة مائة عام ، والشمس ستّون فرسخاً في ستّين فرسخاً ، والقمر أربعون فرسخاً في أربعين فرسخاً ، بطونهما يضيئان لأهل السماء ، وظهورهما يضيئان لأهل الأرض ، والكواكب كأعظم جبل على الأرض ، وخلق الشمس قبل القمر » .
وقال سلام بن مستنير : قلت لأبي جعفر صلوات اللَّه عليه : لِم صارت الشمس أحرّ من القمر ؟ قال : « لأنّ اللَّه تعالى خلق الشمس من نور النار وصفو الماء ، طبقاً من هذا وطبقاً من هذا حتّى إذا صارت سبعة أطباق ألبسها اللَّه لباساً من نار ، فمن هناك صارت الشمس أحرّ من القمر » .
قلت : فالقمر ؟ قال : « إنّ اللَّه خلق القمر من ضوء النار وصفو الماء ، طبقاً من هذا وطبقاً من هذا حتّى إذا صارت سبعة أطباق ألبسها اللَّه لباساً من ماء ، فمن هنالك صار القمر أبرد من الشمس»۲ .

1.في المصدر : « فيطمس حرّها » .

2.تفسير القمّي ، ج‏۲ ، ص‏۱۴ - ۱۷ في تفسير الآية « وَ جَعَلْنَا الَّيْلَ وَ النَّهَارَ ءَايَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ ءَايَةَ الَّيْلِ وَ جَعَلْنَآ ءَايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً » الإسراء ( ۱۷ ) : ۱۲ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج‏۵۵ ، ص‏۱۴۶ - ۱۴۸ ، ح‏۴ .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10678
صفحه از 719
پرینت  ارسال به