الحديث الخامس والعشرون والثلاثمائة
[الحرّ والبرد ممّ يكونان ؟]
۰.ما رويناه عن ثقة الإسلام في الكافي بإسناده عن سليمان بن خالد ، قال : سألت أبا عبداللَّه عن الحرّ والبرد ممّ يكونان ؟ فقال لي : « يا أبا أيّوب ، إنّ المرّيخ كوكب حار ، وزحل كوكب بارد ، فإذا بدأ المرّيخ في الارتفاع انحطّ زحل وذلك في الربيع ، فلايزالان كذلك كلّما ارتفع المرّيخ درجة انحطّ زحل درجة ، ثلاثة أشهر حتّى ينتهي المرّيخ في الارتفاع وينتهي زحل في الهبوط فيجلو المرّيخ ، فلذلك يشتدّ الحرّ ، فإذا كان في أوّل الصيف وأوّل الخريف بدأ زحل في الارتفاع وبدأ المرّيخ في الهبوط ، فلا يزالان كذلك كلّما ارتفع زحل درجة انحطّ المرّيخ درجة حتّى ينتهي المرّيخ في الهبوط وينتهي زحل في الارتفاع ، فيجلو زحل وذلك في أوّل الشتاء وآخر الصيف ، فلذلك يشتدّ البرد ، وكلّما ارتفع هذا هبط هذا ، وكلّما هبط هذا ارتفع هذا ، فإذا كان في الصيف يوم بارد فالفعل في ذلك للقمر ، وإذا كان في الشتاء يوم حارّ فالفعل في ذلك للشمس ، هذا تقدير العزيز العليم وأنا عبد ربّ العالمين »۱ .
قال العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه :
أشكل على الناظرين في هذا الخبر حلّه من جهة أنّ حركتي زحل والمرّيخ الخاصّتين غير متوافقتين ولا مطابقتين لحركة الشمس والفصول الحاصلة منها بوجه ، ويخطر بالبال حلّ يمكن حمل الخبر عليه ليندفع الإشكال ، وهو : أن يكون حرارة أحد الكوكبين وبرودة الآخر بالخاصيّة لا بالكيفيّة ، من قبل التأثيرات الناقصة التي تنسب إلى أوضاع الكواكب ، فيكون لكلّ منهما تدوير ، ويكون ارتفاع المرّيخ في تدويره إمّا مؤثّراً ناقصاً ، أو علامة لزيادة الحرارة ، ويكون ارتفاعه عند انحطاط زحل بحركة تدويره ، وانحطاطه مؤثّراً ناقصاً أو علامة لضعف البرودة ، ولذا يصير الهواء بالصيف حارّاً وفي الشتاء بعكس ذلك ، ولم يدلّ دليل على امتناعه ، كما يقولون في القمر : إنّ قوّته وارتفاعه مؤثّران وعلامة لزيادة البرد والرطوبات ، وقد أثبتوا أفلاكاً كثيرة جزئيّة لكلّ من السيّارات لضبط الحركات ، ومع ذلك يرد عليهم ما لا يمكنهم حلّه ، فلا ضير في أن تثبت فلكاً آخراً لتصحيح الخبر المنسوب إلى الإمام عليه السلام .
قوله : « فيجلو المرّيخ » كذا في أكثر نسخ الكافي ، وهو إمّا من الجلاء بمعنى الخروج والمفارقة عن المكان ، أي يأخذ في الارتفاع ، أو من الجلاء بمعنى الوضوح والانكشاف ، وفي بعض نسخه « فيعلو » في الموضعين ، وفي كتاب النجوم : فيلحق فيهما ، ولهما وجه قريب .
ولعلّ قوله عليه السلام : « وأنا عبد ربّ العالمين » لحضور بعض الغلاة في ذلك المجلس ، قال ذلك ردّاً عليهم .
وقيل : أوّل الكلام مبنيّ على زعم المنجّمين من تأثير الكواكب وردّ ذلك أخيراً بقوله : هذا تقدير العزيز العليم ، وحاصله : أنّ المنجّمين يعدّون المرّيخ حارّاً يابساً ، وزحل بارداً رطباً ، وغرضهم أنّ تأثيرها في السفليّات كذلك ، وتخصيص المرّيخ وزحل بالذكر لكونهما من العلويّة ، وهي أشرف عندهم ، والمراد بارتفاع المرّيخ وانحطاط زحل حُسن حال الأوّل وسوء حال الثاني بزعمهم ؛ إذ الشمس من أوّل الحمل كلّما ازدادت ارتفاعاً في الآفاق المائلة الشماليّة اشتدّت حرارة الهواء ، فارتفع مانع تأثير المرّيخ وقوي تأثيره ، وضعف تأثير زحل ، وكذا العكس۲ .