الحديث الثاني والعشرون والثلاثمائة
[كنت كنزاً مخفياً فأحببت . . . ]
۰.ما روي في الحديث القدسي من قوله : « كنتُ كنزاً مخفيّاً فأحببت أن اُعرفَ ، فخلقتُ الخلقَ لكي اُعرف »۱ .
واُورد عليه إشكال ، وهو : أنّ الخفاء لا يكون إلّا مع وجود أحد يخفى عليه الشيء حين يتّصف ذلك الشيء بالخفاء ، كما يقال : هذا الشيء مخفيّ عن فلان ، وخفي عليه الشيء الفلاني ، ولم يكن في عالم الأزل مخلوق حتّى يتّصف سبحانه بالخفاء فكيف قال مخفياً ؟ واُجيب بوجهين :
الأوّل : أنّ أرباب اللغة قد صرّحوا بأنّ « خفي » بمعنى : ظهر كما في الصحاح والنهاية وغيرهما ، فالمعنى حينئذٍ : إنّي كنت كنزاً ظاهراً فخلقت الخلق ليعرفوني على هذا الظهور الذي أنا عليه ، ولو لم أكن بهذه الغاية من الظهور لما توصّلوا إلى معرفتي بعد خلقي إيّاهم .
الثاني : أن يكون الخفاء بمعناه الآخر ، وهو الأنسب بالكنز ، ولكنّ المبادي إنّما تطلق عليه سبحانه باعتبار غاياتها ولوازمها ، ومعناه حينئذٍ : إنّي كنت كنزاً مستوراً محتجباً تحت سرادق العزّ والجلال فأحببت أن أبرز من تحت هذا الحجاب ، فخلقت الخلق وأظهرت نفسي لهم من تحت تلك السرادقات ليعرفوني ، فإنّه سبحانه لمّا خلق مخلوقاته تنزّل من ذلك الحجاب إلى غاية الظهور ، وأزال الموانع التي لو بقيت بعد الخلق على ما كانت عليه قبل لم تصل إلى أقرب درجة من مراتب معرفته العقول الطامحة۲ .