الحديث الحادي والعشرون والثلاثمائة
[إنّ اللَّه شاء وأراد وقدّر وقضى ولم يحبّ]
۰.ما رويناه بالأسانيد المتقدّمة عن ثقة الإسلام في الكافي بإسناده عن أبي بصير ، قال : قلت لأبي عبداللَّه : شاء وأراد وقدّر وقضى ؟ قال : « نعم » ، قلت : وأحبّ ؟ قال : « لا » ، قلت : وكيف شاء وأراد وقدّر وقضى ولم يحبّ ؟ قال : « هكذا خرج إلينا »۱ .
قال العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه ما ملخّصه : أي هكذا وصل إلينا من النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وآبائنا ، ولمّا كان فهمه يحتاج إلى لطف قريحة وكانت الحكمة تقتضي عدم بيانه للسائل اكتفى عليه السلام ببيان المأخذ عن التبيين العقلي ، وكلامه عليه السلام يحتمل وجوهاً۲ .
قال المحقّق المازندراني في قوله :
« قال لا » أي لا يحبّ جميع ذلك ، فالنفي وارد على الإيجاب الكلّي ، وإنّما قلنا ذلك لأنّ الإيجاب الجزئي ثابت ، وذلك لأنّ اللَّه تعالى يحبّ جميع أفعاله ويرضاها ، ويحبّ بعض أفعال عباده ، أعني الطاعات والخيرات ، ولم يحبّ بعضها ، أعني المعاصي والشرور ، وفي نفي الإيجاب الكلّيّ ردّ على الجبريّة ؛ لأنّهم قائلون بأنّه تعالى يريد ويحبّ جميع أفعال عباده حتّى الكفر والزنا والسرقة وغير ذلك من القبائح والشرور بناءاً على أنّ جميع أفعالهم مخلوقة له تعالى بلا واسطة۳ . انتهى .
وقال الفاضل القاشاني : لعلّ الإمام عليه السلام
إنّما أعرض عن جواب السائل وأبهم الأمر فيه لدقّة الجواب وكونه بحيث لا يناله فهم الأكثرين ، ويمكن الإشارة إلى لمعة منه لمن كان من أهله في هذا الزمان الذي يوجد فيه أقوام متعمّقون كما اُشير إليه في حديث عاصم بن حميد بأن يقال : إنّ المشيّة والإرادة والتقدير والقضاء كلّها فعل من اللَّه سبحانه ، وهي حكم اللَّه في الأشياء على حدّ علمه بها ، وأمّا المشيء المراد المقدّر المقضيّ الذي يقع في الوجود ، فإنّه ربّما يكون من فعل العبد الذي يطلبه من اللَّه تعالى باستعداده ، وهو قد يكون محبوباً مرضيّاً كالإيمان والطاعات ، وقد يكون مبغوضاً مسخوطاً كالكفر والمعاصي .
ولا شكّ أنّ الحكم غير المحكوم به والمحكوم عليه ، لكونه نسبة قائمة بهما ، فلا يلزم من كون الحكم الذي من طرف الحقّ خيراً أن يكون المحكوم به الذي من جهة العبد خيراً ومحبوباً ، وهذا هو التحقيق في التفصّي عن شبهة مشهورة۴وهي : أنّه قد ثبت وجوب الرضا بالقضاء ، وعدم جواز الرضا بالكفر والمعاصي ، فإذا كان الكفر والمعاصي من القضاء ، فكيف التوفيق؟۵
1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۵۰ ، باب المشيئة والإرادة ، ح ۲ ؛ تفسير نور الثقلين ، ج ۴ ، ص ۳ ، ح۱۰ .
2.ذكر المؤلّف الحديث ووجوه تفسيره في الجزء الأوّل ( الحديث الثاني عشر ) واُعيد هنا ذكر ثلاثة منها في النسخ الخطّيّة . انظر : مرآة العقول ، ج ۲ ، ص ۱۵۶ .
3.شرح المازندراني ، ج ۴ ، ص ۲۶۴ - ۲۶۵ .
4.وقد أجاب المحقّق الشعراني عن الشبهة في هامش الوافي ، ج ۱ ، ص ۵۲۰ - ۵۲۱ ، بما نصّه : وربّما يجاب عن الشبهة بالفرق بين القضاء بالذات وبالعرض ، فالمأمور به هو الرضا بما يوجبه القضاء بالذات ، وهو الخيرات كلّها ، والمنهي عنه هو الرضا بما يوجبه القضاء على سبيل العَرَض ، وهو الشرور اللازمة للخيرات الكثيرة بالنسبة إلى بعض الجزئيّات . وهذا الجواب أقرب إلى الأفهام وذاك إلى الحقّ . ولا يمكن إجراؤه في ما نحن فيه ، بأن يقال : إنّما نفي المحبّة بالذات لا بالعَرَض ؛ لأنّ المحبّة كأخواتها في ذلك ، فالمعتمد ما قلناه .
5.الوافي ، ج ۱ ، ص ۵۲۰ .