الحديث العشرون والثلاثمائة
[إنّ اللَّه خلوٌ من خلقه وخلقه خلوٌ منه]
۰.ما رويناه عن ثقة الإسلام في الكافي بإسناده مرفوعاً عن أبي جعفر عليه السلام قال : « إنّ اللَّه خلوٌ من خلقه ، وخلقه خلوٌ منه ، وكلّما وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا اللَّه »۱ .
والخلو : بكسر الخاء وسكون اللام : الخالي .
قال المحقّق الكاشاني في الوافي :
والسرّ في خلوّ كلّ منهما عن الآخر : أنّ اللَّه سبحانه وجود بحت خالص لا ماهيّة له سوى الإنّيّة ، والخلق ماهيّات صرفة لا إنّيّة لها من حيث هي وإنّما وجدت به سبحانه وبإنّيّته ، فافترقا .۲
وقال العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه ما محصّله : « خلوٌ من خلقه » أي من صفات خلقه ، أو من مخلوقاته ، فيبطل مذهب الأشاعرة بالقول بزيادة الصفات واتّصافه بمخلوقه ؛ مستحيل لما تقرّر من أنّ الشيء لا يكون فاعلاً قابلاً لشيء واحد ، وأيضاً الفاقد للشيء لا يكون معطياً له ، وكذا يدلّ على نفي ما ذهب إليه الكرّاميّة من اتّصافه سبحانه بالصفات الموجودة الحادثة ، وعلى نفيما ذهب إليه بعض الصوفيّة من عروض الماهيّات الممكنة للوجود القائم بالذات .
وقوله : « وخلقه خلوٌ منه » أي من صفاته ، أو المراد أنّه لا يحلّ في شيء بوجهٍ من الوجوه ، فينفي قول النصارى : أنّه سبحانه جوهر واحد ثلاثة أقانيم ، هي : الوجود والعلم والحياة ، المعبّر عنها عندهم بالأب والابن وروح القدس ، وينفي مذهب بعض الغلاة والصوفيّة۳ .
وقال المحقّق المازندراني :
يقال : فلان خلوٌ من كذا ، أي خال بريء منه ، يعني : أنّ بينه وبين خلقه مباينة في الذات والصفات ، لا يتّصف كلّ واحد منهما بصفات الآخر ، وإليه أشار أميرالمؤمنين عليه السلام بقوله : « بان من الأشياء بالقهر لها والقدرة عليها ، وبانت الأشياء منه بالخضوع له والرجوع إليه » ، فذكر عليه السلام في بينونته من مخلوقاته ما ينبغي له من الصفات وفي بينونتها منه ما ينبغي لها ، فالذي ينبغي له كونه قاهراً لها ، غالباً عليها ، مستولياً على إيجادها وإعدامها ، والذي ينبغي لها كونها خاضعة في ذلّ الإمكان والحاجة لعزّته وقهره ، وراجعة في وجودها وكمالاتها إلى وجوده ، وبذلك حصل التباين بينه وبينها .
« وكلّما وقع عليه اسم شيء فهو مخلوق ما خلا اللَّه » ؛ لأنّ اللَّه كان ولم يكن معه شيء فكلّ شيء ، غيره محدث مخلوق .
وهذا كالتعليل للسابق ؛ لأنّه يفيد أنّه لا يجوز اتّصافه تعالى بصفات خلقه ؛ لأنّ صفات خلقه مخلوقة ، ولا يجوز اتّصافه بما هو مخلوق ؛ لاستحالة لحوق النقص به وافتقاره إلى الممكن ، أو لأنّه لا يجوز اتّصاف الخلق بصفاته ، وإلّا لكان له صفة زائدة مشتركة ، فتكون تلك الصفة غيره فتكون مخلوقة ، وقد عرفت أنّه لا يتّصف بما هو مخلوق .
وهذا كما ترى دلّ على أنّ صفاته تعالى عين ذاته ، يعني : ليس لصفته معنى موجود مغاير لذاته ، فليس له - مثلاً - قدرة موجودة ولا علم موجود ، إلى غير ذلك ، بل ذاته المقدّسة من حيث التعلّق بالمقدورات قدرة ، وبالمعلومات علم ، من غير تكثّر للذات أصلاً ، وهذا كما أنّ الواحد نصف الاثنين وثلثٌ للثلاثة وربعٌ للأربعة إلى غير ذلك ، مع أنّ ذلك لا يوجب تعدّده وتكثّره أصلاً ، والتكثّر إنّما وقع في الإضافة والمضاف إليه الخارجين عنه۴ .
1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۸۲ ، باب إطلاق القول بأنّه شيء ، ح۳ ؛ التوحيد ، ص ۱۴۳ ، ح۷ ؛ وعن التوحيد في بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۱۶۱ ، ح۶ .
2.الوافي ، ج ۱ ، ص ۳۳۴ ، ذيل ح ۲۶۰ .
3.بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۲۶۲ مع بعض الزيادات من المؤلّف .
4.شرح المازندراني ، ج ۳ ، ص ۶۳ - ۶۴ .