49
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

تحقيق أنيق [الكلام في فضل الأنبياء على الملائكة]

لا خلاف بين أصحابنا الإماميّة رضوان اللَّه عليهم في أنّ الأنبياء أفضل من الملائكة ، ووافقنا على ذلك أكثر الأشاعرة ، وخالف في ذلك طائفة من المعتزلة وغيرهم من الجمهور ، فقالوا : إنّ الملائكة أفضل ، وستأتيك أدلّة الطرفين .
وأمّا التفاضل بين الأنبياء فاُولوا العزم أفضل من غيرهم ، ونبيّنا أفضل اُولي العزم ، وبعده أميرالمؤمنين وأولاده المعصومون كما نطق به هذا الحديث الشريف وغيره من الأخبار المرويّة من طرقنا .
وأمّا التفاضل بين الأئمّة فأميرالمؤمنين أفضلهم وبعده الحسنان كما دلّت عليه جملة من الأخبار ، وأمّا التسعة الطاهرة فالأخبار في تفضيلهم ظاهرها مختلف ، ففي بعضها تسعة أئمّة هم في الفضل سواء ، وفي بعضها تسعة أفضلهم قائمهم ، وإيكال علم ذلك إليهم عليهم السلام أحوط وأولى .
ثمّ لنذكر لك أدلّة القائلين بأنّ الأنبياء أفضل من الملائكة ، وهم أصحابنا وأكثر الأشاعرة ، وأدلّة القائلين بالعكس ، على طريق أنيق وطرز رشيق قلّما يوجد في مؤلَّف من كتب الأصحاب ، فنقول :
احتجّ الأوّلون بوجوه :
الأوّل : أنّ اللَّه تعالى أمر الملائكة بالسجدة لآدم عليه السلام وثبت أنّه لم يكن كالقبلة ، بل كانت السجدة في الحقيقة له ، وهي نهاية التواضع ، وتكليف الأشرف بنهاية التواضع للأدنى قبيح في العقول ، فدلّ ذلك على أنّ آدم أفضل منهم .
الثاني : أنّ آدم كان أعلم ، والأعلم أفضل كما دلّت عليه الآية .
الثالث : أنّ اللَّه تعالى جعل آدم خليفة في الأرض ، والمراد منه الولاية ؛ لقوله تعالى : « يَدَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَكَ خَلِيفَةً فِى الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِ‏ّ »۱ ، ومعلوم أنّ أعلى الناس منصباً عند الملك من كان قائماً مقامه في الولاية والتصرّف وخليفة له ، فدلّ على أنّ آدم أشرف الخلائق ، ويتأكّد هذا بقوله تعالى : « وَ هُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ »۲ ، وبقوله : « هُوَ الَّذِى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا »۳ ، فبلغ آدم في منصب الخلافة أعلى الدرجات ، فالدنيا خلقت متعة لبقاءه ، والآخرة مملكة لجزائه ، وصارت الشياطين ملعونين بسبب التكبّر عليه ، والجنّ رعيّته ، والملائكة في طاعته وسجوده والتواضع له ثمّ صار بعضهم حافظين له ولذرّيّته ، وبعضهم منزلين لأرزاقهم ، وبعضهم مستغفرين لزلّاتهم .
الرابع : قوله تعالى : « إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى‏ ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَ هِيمَ وَءَالَ عِمْرَ نَ عَلَى الْعَلَمِينَ »۴ والعالم عبارة عن كلّ ما سواه تعالى ، فمعنى الآية : أنّ اللَّه اصطفاهم على المخلوقات ، فكانوا أفضل من الملائكة .
لا يقال : إنّه منقوض بقوله تعالى : « يَبَنِى إِسْرَ ءِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِىَ الَّتِى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَنِّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَلَمِينَ »۵ ؛ إذ [لا] يلزم أن يكونوا أفضل من محمّد وآله [فكذا هنا] .
لأنّا نقول : الخطاب بهذه الآية كان قبل وجوده صلى اللَّه عليه وآله وجبرئيل كان موجوداً ، فيلزم أن يكونوا قد اصطفاهم على الملائكة دون محمّد وآله عليهم السلام .
على أنّ تلك الآية لا مخصّص لها ، وهذه قد خصّصت بدليل منفصل .
الخامس : قوله تعالى : « وَ مَآ أَرْسَلْنَكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَلَمِينَ »۶ ، والملائكة من جملة العالمين ، فكان صلى اللَّه عليه وآله رحمة لهم فوجب أن يكون أفضل منهم .
وقد يقال : أنّ كونه صلى اللَّه عليه وآله رحمة لهم لا يلزم كونه أفضل منهم كما في قوله : « فَانظُرْ إِلَى‏ ءَاثَرِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْىِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ »۷ ، مع أنّه لا يمتنع أن يكون صلى اللَّه عليه وآله رحمة لهم من وجه وهم رحمة له من آخر .
السادس : أنّ عبادة البشر أشقّ فوجب أن يكون أفضل ، أمّا الأوّل فلوجوه :
منها : كثرة الموانع لهم عن الطاعات وكثرة الدواعي لهم إلى المعاصي ، فالفعل مع المعارض القوي أشدّ منه بدون المعارض ، والمبتلى بكثرة الدواعي والشهوات تكون الطاعة عليه أشقّ .
ومنها : أنّ شبهاتهم أكثر والحجب بينهم وبين المعبود أكثر ، فاحتاجوا إلى الاستدلال وبذل الجهد .
ومنها : أنّ الشياطين مسلّطون عليهم بالوسوسة والإغواء ، بل جارون في عروقهم ودمائهم بخلاف الملائكة ، وإذا ثبت ذلك كانوا أكثر ثواباً من الملائكة ؛ لقوله صلى اللَّه عليه وآله : « أفضل الأعمال أحمزها » .
السابع : أنّ اللَّه تعالى خلق الملائكة عقولاً فقط ، وخلق البهائم شهوات بلا عقول ، وخلق الإنسان جامعاً للأمرين ، فصار بسبب العقل فوق البهيمة بدرجة لا حدّ لها ، فوجب أن يصير بسبب الشهوة دون الملائكة ، ثمّ وجدنا الآدميّ إذا غلب هواه عقله صار كالبهيمة أو دون البهائم ، كما قال تعالى : « إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً »۸ ، فوجب أن يقال : إذا غلب عقله هواه كان فوق الملائكة .
أقول : وهذا المضمون إن كان رواية فبها ، وإلّا ففيه نظر لا يخفى .
الثامن : أنّ الملائكة حفظة وآدم محفوظ ، والمحفوظ أعزّ وأشرف من الحافظ .
وفيه نظر ، فإنّ الأمير الكبير قد يكون موكّلاً على المتّهمين من الجند .
التاسع : ما روي أنّ جبرئيل أخذ بركاب نبيّنا صلى اللَّه عليه وآله حتّى أركبه البراق ليلة المعراج ولمّا وصل إلى بعض المقامات تخلّف عنه جبرئيل وقال : لو دنوت أنملة لاحترقت .
العاشر : ما روي أنّه صلى اللَّه عليه وآله قال : « إنّ لي وزيرين في السماء » ، وأشار إلى جبرئيل وميكائيل‏۹ .
واعلم أنّه وإن أمكن المناقشة في أكثر هذه الأدلّة إلّا أنّ العمدة في أدلّتنا إنّما هو إجماع الإماميّة وأخبارهم المستفيضة الصريحة ، ومنها الخبر المتقدّم .

1.ص ( ۳۸ ) : ۲۶ .

2.النحل ( ۱۶ ) : ۱۴ .

3.البقرة ( ۲ ) : ۲۹ .

4.آل عمران ( ۳ ) : ۳۳ .

5.البقرة ( ۲ ) : ۴۷ .

6.الأنبياء ( ۲۱ ) : ۱۰۷ .

7.الروم ( ۳۰ ) : ۵۰ .

8.الفرقان ( ۲۵ ) : ۴۴ .

9.ذكرت هذه الوجوه ونوقشت مفصلاً في مفاتيح الغيب ، ج ۲ ، ص ۲۳۲ - ۲۳۵ وبعض الزيادات أثبتناها من المصدر .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
48

الحديث التاسع والعشرون والمائة

[فضل الأنبياء على الملائكة]

۰.ما رويناه عن الصدوق في العيون بإسناده عن الهرويّ ، عن الرضا عليه السلام عن آبائه عن عليّ عليه السلام أنّه قال : قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله : « ما خلق اللَّه خلقاً أفضل منّي ولا أكرم عليه منّي . قال عليّ عليه السلام : فقلت : يا رسول اللَّه ، أفأنت أفضل أو جبرئيل ؟
فقال : يا عليّ ، إنّ اللَّه تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النبيّين والمرسلين ، والفضل بعدي لك يا عليّ والأئمّة من بعدك ، وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا .
يا عليّ ، الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا .
يا عليّ ، لولا نحن ما خلق اللَّه آدم ولا حوّاء ، ولا الجنّة ولا النار ، ولا السماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا وتسبيحه وتهليله وتقدسيه ؛ لأنّ أوّل ما خلق اللَّه عزّ وجلّ خلق أرواحنا فأنطقها بتوحيده وتمجيده ، ثمّ خلق الملائكة ، فلمّا شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظمت أمرنا ، فسبّحنا لتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون ، وأنّه منزّه عن صفاتنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا ، ونزّهته عن صفاتنا ، فلمّا شاهدوا عظم شأننا هلّلنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلّا اللَّه وأنّا عبيد وأنّا لسنا بآلهة يجب أن نُعبد معه أو دونه ، فقالوا : لا إله إلّا اللَّه » .
إلى أن قال : « ثمّ إنّ اللَّه تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا في صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً ، وكان سجودهم للّه عزّ وجلّ عبوديّة ، ولآدم إكراماً وطاعة لكوننا في صلبه ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلّهم أجمعون ، وإنّه لمّا عرج بي إلى السماء أذّن جبرئيل مثنى مثنى ، وأقام مثنى مثنى ، ثمّ قال لي : تقدّم يا محمّد ، فقلت له : يا جبرئيل ، أتقدّم عليك ؟ فقال : نعم ، لأنّ اللَّه تعالى فضّل أنبياءه على ملائكته أجمعين وفضّلك خاصّة » ، الحديث‏۱ .

1.عيون الأخبار ، ج ۱ ، ص ۲۶۲ - ۲۶۳ ، ح‏۲۲ ؛ وعنه وعن العلل في بحار الأنوار ، ج ۱۸ ، ص ۳۴۵ - ۳۴۶ ، ح‏۵۶ .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10700
صفحه از 719
پرینت  ارسال به