477
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

الحديث التاسع عشر والثلاثمائة

[معنى أنّ اللَّه واحد]

۰.ما رويناه بالأسانيد السابقة عن رئيس المحدّثين محمّد بن بابويه في التوحيد والخصال بإسناده عن شريح بن هاني : أنّ أعرابيّاً قام يوم الجمل إلى أميرالمؤمنين عليه السلام فقال : يا أميرالمؤمنين ، أتقول : إنّ اللَّه واحد ؟ قال : فحمل الناس عليه فقالوا : يا أعرابيّ ، أما ترى ما فيه أميرالمؤمنين من تقسيم القلب ؟ فقال أميرالمؤمنين : « دعوه ، فإنّ الذي يُريده الأعرابيّ هو الذي نُريده من القوم » . ثمّ قال : « يا أعرابيّ ، إنّ القول في أنّ اللَّه واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على اللَّه عزّ وجلّ ، ووجهان يثبتان فيه ، فأمّا اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل : واحد ، يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ؛ لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنّه كفر من قال : ثالث ثلاثة ، وقول القائل : هو واحد من الناس ، يُريد به النوع من الجنس ، فهذا ما لا يجوز عليه ؛ لأنّه تشبيهٌ ، وجلّ ربّنا عن ذلك . وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء شبه ؛ كذلك ربّنا ، وقول القائل : إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى ، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ؛ كذلك ربّنا عزّ وجلّ »۱ .

إيضاح‏

قال العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه :
التقسيم : التفريق ، والمعنى الأوّل المنفي هو الوحدة العدديّه ، بمعنى أن يكون له ثان من نوعه ، والثاني أن يكون المراد به صنفاً من نوع ، فإنّ النوع يطلق في اللغة على الصنف ، وكذا الجنس على النوع ، فإذا قيل لرومي - مثلاً - : هذا واحد من الناس بهذا المعنى يكون المعنى : أنّ [صنف‏] هذا صنف من أصناف الناس ، أو هذا [من صنف‏] من أصنافهم .
ويحتمل أن يكون المراد بالأوّل : الذي له ثان في الإلهيّة ، وبالثاني : الواحد من النوع داخل تحت جنس ، فالمراد أنّه يريد به - أي بالناس - أنّه نوع لهذا الشخص ، ويكون ذكر الجنس لبيان أنّ النوع يستلزم الجنس غالباً ، فيلزم التركيب من الأجزاء العقليّة .
والمعنيان المثبتان : الأوّل منهما إشارة إلى نفي الشريك ، والثاني منهما إلى نفي‏التركيب ، وقوله : « في وجودٍ » أي في الخارج‏۲ . انتهى .
وقال بعض المحقّقين‏۳ : لقد اقتبس الحكماء المتقدّمون والمتأخّرون الإلهيّون من أنوارهم المثاليّة والعينيّة ، وقالوا كما قال أئمّتنا وساداتنا ، منهم فيثاغورس على ما نقله الشهرستاني في الملل والنحل ، قال فيثاغورس - وكان في زمن سليمان النبيّ عليه السلام وقد أخذ الحكمة من معدن النبوّة - : وقوله في الإلهيّات : إنّ الباري تعالى واحد لا كالآحاد ، ولا يدخل في العدد ، ولا يدرك من جهة العقل ولا من جهة النفس ، فلا الفكر العقلي يدركه ولا المنطق النفسي يصفه ، هو فوق الصفات الروحانيّة غير مدرك من نحو ذاته ، وإنّما يدرك بآثاره وصنائعه وأفعاله ، فكلّ عالم من العوالم يدركه بقدر الآثار التي تظهر فيه ، فينعته ويصفه بذلك القدر الذي خصّه من صفة ، فالموجودات في العالم الروحاني قد خصّت بآثار خاصّة روحانيّة ، فنعته من حيث تلك الآثار ، ولا شكّ أنّ هداية الحيوان مقدّرة على الآثار التي جبل الحيوان عليها ، وهداية الإنسان مقدّرة على الآثار التي جُبل الإنسان عليها ، فكُلٌّ يصفه من نحو ذاته ويقدّسه عن خصائص صفاته .
ثمّ قال : الوحدة تنقسم إلى وحدة غير مستفادة من الغير وهي وحدة الباري تعالى ، ووحدة الإحاطة بكلّ شي‏ء ، ووحدة الحكم على كلّ شي‏ء ، ووحدة يصدر عنها الآحاد في‏الموجودات والكثرة فيها ، وإلى وحدة مستفادة ، وتلك وحدة المخلوقات .
وربّما نقول : الوحدة على الإطلاق تنقسم إلى : وحدةٍ قبل الدهر ، ووحدة مع الدهر ، ووحدة بعد الدهر ، وقبل الزمان ، ووحدة مع الزمان ، والوحدة التي هي قبل الدهر هي وحدة الباري جلّ شأنه ، والوحدة التي مع الدهر وحدة العقل الأوّل ، والوحدة التي بعد الدهر هي وحدة النفس ، والوحدة التي مع الزمان هي وحدة العناصر والمركّبات .
وربّما تنقسم الوحدة قسمة اُخرى فنقول : الوحدة تنقسم إلى وحدة بالذات ، ووحدة بالعرض ؛ فالوحدة بالذات ليست إلّا لمبدع الكلّ الذي يصدر منه الوحدانيّات في العدد ، والمعدود ، والوحدة بالعَرَض تنقسم إلى ما هو مبدأ العدد وليس داخلاً في العدد وإلى ما هو مبدأ العدد وهو داخل فيه ، والأوّل كالواحديّة للعقل الفعّال ؛ لأنّه لا يدخل في العدد والمعدود ، والثاني ينقسم إلى ما يدخل فيه كالجزء له ، فإنّ الاثنين إنّما هو مركّب من واحدين ، وكذلك كلّ عدد مركّب من آحاد لا محالة ، وحيثما ارتقى العدد إلى أكثر نزلت نسبة الوحدة إليه إلى أقلّ ، وإلى ما يدخل فيه كاللازم له لا كالجزء فيه ، وذلك لأنّ كلّ عدد ومعدود لن يخلو قطّ من وحدة تلازمه ، فإنّ الاثنين والثلاثة في كونهما اثنين وثلاثة وحدة مكرّرة ، وكذلك المعدودات من المركّبات والبسائط واحدة ، إمّا في الجنس أو في النوع أو في الشخص ، كالجوهر في أنّه جوهر على الإطلاق ، والإنسان في أنّه إنسان ، والشخص المعيّن مثل زيد في أنّه ذلك الشخص بعينه واحد ، فلم تنفكّ الوحدة من الموجودات قطّ ، وهذه وحدة مستفادة من وحدة الباري تعالى ، لزمت الموجودات كلّها ، وإن كانت في ذواتها متكثّرة ، وإنّما شرف كلّ موجود لغلبة الوحدة فيه ، فكلّما كان أبعد من الكثرة فهو أشرف وأكمل‏۴ .
ومن المتأخّرين منهم الشيخ الرئيس ، قال في فصوله : فصلٌ : الأوّل تعالى لا يتكثّر لأجل تكثّر صفاته ؛ لأنّ كلّ واحد من صفاته إذا تحقّق تكون الصفة الاُخرى عينها بالقياس إليه ، فتكون قدرته حياته ، وحياته قدرته ، ويكونان واحدة ، فهو حيّ من حيث هو قادر ، وقادر من حيث هو حيّ ، وكذلك سائر صفاته .
وقال فيه : كون ذات الباري عاقلاً ومعقولاً لا يوجب أن تكون اثنينيّة في الذات ولا في الاعتبار ، فالذات واحدة والاعتبار واحد ، لكن في الاعتبار تقديم وتأخير في ترتّب المعاني‏۵ .

1.التوحيد ، ص ۸۳ - ۸۴ ، ح‏۳ ؛ الخصال ، ج ۱ ، ص ۲ ، ح ۱ ؛ وعنهما في بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص‏۲۰۶ - ۲۰۷ ، ح ۱ .

2.بحار الأنوار ، ج ۳ ، ص ۲۰۷ والزيادات أثبتناها من المصدر .

3.انظر : مفاتيح الغيب ، ص ۴۰۴ ؛ الحكمة المتعالية ، ج ۵ ، ص ۲۱۱ ؛ وج ۷ ، ص ۳۲۵ .

4.الملل والنحل ، ج ۲ ، ص ۷۴ - ۷۵ .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
476

الحديث السابع عشر والثلاثمائة

[حسين منّي وأنا من حسين‏]

۰.ما روي عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله قال : « حسينٌ منّي وأنا من حسين »۱ .

والإشكال في الفقرة الثانية ، وقد قيل في توجيهها : أنّهما لمّا كانا من نور واحد ثمّ قُسّما ، صدق أنّ كلّ واحد منهما من الآخر .

الحديث الثامن عشر والثلاثمائة

[أوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد و . . .]

۰.ما روي عنهم عليهم السلام من قولهم : « أوّلنا محمّد ، وأوسطنا محمّد ، وآخرنا محمّد ، وكلّنا محمّد »۲ .

وتوجيه الفقرة الأخيرة ما روي : أنّهم عليهم السلام إذا أتاهم ولد سمّوه محمّداً وبعد سبعة أيّام يغيّرون اسمه إن شاؤوا۳ ، وقيل في توجيهه : أنّهم باعتبار نوع النور والولاية المطلقة ، والردّ إليهم ، والإفاضة عنهم ، واحتياج الخلق في البدء والعود إليهم ، ووجوب الطاعة وغير ذلك هم كمحمّد ، بل محمّد ، لا نفرِّق بين أحد منهم ونحن له مسلمون .

1.كامل الزيارات ، ص ۵۲ ، ح ۱۱ ؛ الإرشاد ، ج ۹۰ ، ص ۱۲۷ ؛ المناقب لابن شهرآشوب ، ج ۴ ، ص‏۷۱ ؛ كشف الغمّة : ج ۲ ، ص ۶ ؛ بحار الأنوار ، ج ۳۷ ، ص ۷۴ .

2.انظر : غيبة النعماني ، ص ۸۶ ، ح‏۱۶ ؛ بحار الأنوار ، ج ۲۵ ، ص ۳۶۳ ، ح‏۲۳ .

3.الكافي ، ج‏۶ ، ص‏۱۸ ، باب الأسماء والكنى ، ح‏۴ ؛ وعنه في وسائل الشيعة ، ج‏۲۱ ، ص‏۳۹۲ ، ح‏۲۷۳۸۴ .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10747
صفحه از 719
پرینت  ارسال به