473
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

الحديث الخامس عشر والثلاثمائة

[لكلّ إنسان تربة خلق منها . . .]

۰. ما رويناه عنهم عليهم السلام : أنّ لكلّ إنسان تربة خلق منها ، يرفعها الملك من موضع ما يدفن فيه ، ويلقيها في الرحم‏۱ .

فما هذه التربة ؟ وكيف يدفن رجل من أقصى بلاد الغرب في أقصى بلاد الشرق ؟ وكيف دفن آدم ونوح في موضع ونقلا منه إلى غيره ؟ وكيف أكلت الأرض لحومها ولم تبق إلّا العظم ؟ لأنّ رواية وردت في نقل عظام آدم‏۲ ، وما المراد بالدفن في الموضع الذي أخذت تلك الطينة منه ؟ وبعض الناس يحرق ، وبعضهم يأكله السبع ، ونحوه .
وقد اُجيب عن الأوّل بأنّ التربة هي البرودة واليبوسة ، وهي تنتقل من موضعها بالملك الموكّل بذلك حتّى تكون هباءاً ويصعد بالبخار الصاعد من حرارة الشمس إلى الطبقة الزمهريريّة ، فتنحلّ اليبوسة المشاكلة في الرطوبة المشاكلة ، وتقع من السحاب مطراً ، فيختلط به نبات الأرض بأن يغتذي بذلك النبات ومعنى تلك التربة وهي اليبوسة والبرودة سارية في ذلك الماء ، ثمّ في ذلك النبات حتّى أكلته اُمّه في طعامها ، فالتربة محفوظة حتّى صعدت إلى ترابها فاختلطت بمنيّها ، والعلّة فيه : أنّ منيّ الرجل حارّ يابس كالنار ، ومنيّ المرأة بارد رطب كالماء ، والماء والنار لا يجتمعان ، فوضع الحكيم بينهما تربة باردة توافق منيّ الرجل ؛ لئلّا يتغيّر منيّه ، وتكسر قوّة حرارة منيّ الرجل ؛ لئلّا يحرق منيّ المرأة ، فكانت التربة جامعة بين الضدّين من الماء والنار ؛ لأنّها تراب .
والوجه في دفن آدم في موضع ونقله الى آخر : أنّ كلّ مخلوق يدفن في الموضع الذي قبضت منه تربته التي تماث‏۳ في نطفته ، وربّما كانت رياح شديدة تنقل تراباً من موضع إلى آخر ، والملك يقبض التراب للإنسان من الموضع الآخر ؛ لأنّه لا يأخذ كلّ تراب ، وإنّما يأخذ تربته التي من فاضل طينته في عالم الذرّ والخلق ، فإذا كانت في مكان عند خلق الأرض ، فإن بقيت حتّى قبضها الملك من تلك البقعة ابتداءاً دفن ذلك الميّت فيها ، ولو كانت بلاده بعيدة عن تلك البقعة لا تزال نفسه تحنّ إليها حتّى يسير إليها ويدفن في ذلك الموضع ، وإن نقلت الريح تلك التربة إلى موضع آخر وقبضها الملك من المكان الثاني وماثها في نطفته إذا مات دفن في الموضع الثاني بقدر ما مكثت فيه نطفته ، ثمّ ينقل إلى الموضع الأوّل الذي هو أصل تربته ، وهذا هو السرّ في التطبيق بين ما تقدّم وبين دفن الإنسان في موضع ونقله منه .
وأمّا أكل الأرض لحوم الأنبياء فليس بمعلوم ؛ إذ لعلّ المراد بالعظام الجسد ، اُطلقت عليه للشرفيّة ، حتّى أنّ جميعها يقوم مقام الجسد في الأحكام كما ورد في وجوب الصلاة على جميع عظام الميّت .
وأمّا الجواب عن الأخير فالتربة الأصليّة محفوظة لا يعتريها تغيير ولا يعرض لها الاضمحلال ، واللَّه العالم بالحال .

1.لم نعثر عليه .

2.كامل الزيارات ، ص ۹۰ .

3.ماث يميث ميثاً : إذا ذاب الملح والطين في الماء . كتاب العين ، ج ۸ ، ص ۲۵۰ ( ميث ) .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
472

الحديث الرابع عشر والثلاثمائة

[الأئمة يعلمون ما كان وما يكون‏]

۰. ما رويناه بطرق عديدة عنهم عليهم السلام أنّهم يعلمون ما كان وما يكون وما هو كائن ، ويعلمون ما في‏السماوات وما في الأرضين‏۱ .

وكيف التوفيق بين ذلك وبين قوله تعالى : « قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِى السَّمَوَ تِ وَ الْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ »۲ ، وقوله تعالى : « لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ »۳ ، والتوفيق بينها بوجوه :
الأوّل : أنّ اللَّه تعالى هو العالم بالغيب ، ولكنّه يطلع من يشاء على من يشاء ما غيبه ، كما قال تعالى : « وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِى مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَآءُ »۴ .
الثاني : أنّ علوم الأنبياء والأئمّة عليهم السلام يجوز فيها البداء والتغيير بناءاً على جواز وقوع البداء في إخباراتهم ، وعلمه تعالى ليس فيه تغيّر أصلاً .
الثالث : أنّ لهم عليهم السلام حالتين : حالة بشريّة يجرون فيها مجرى البشر في جميع أحوالهم ، كما قال تعالى : « قُل لَّآ أَقُولُ لَكُمْ عِندِى خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلَآ أَعْلَمُ الْغَيْبَ »۵ ، وقوله تعالى : « وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ »۶ ، ولهم حالة روحانيّة برزخيّة أوّليّة تجري عليهم فيها صفات الربوبيّة وإليه اُشير في الدعاء : « لا فرق بينك وبينهم إلّا أنّهم عبادك المخلصون »۷ .

1.انظر : الكافي ، ج ۱ ، ص ۲۶۰ ، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون . . . ، ح‏۱ ؛ الاحتجاج ، ج ۱ ، ۳۸۴ ؛ وعن الكافي في بحار الأنوار ، ج ۱۳ ، ص ۳۰۰ - ۳۰۱ ، ح ۲۰ .

2.النمل ( ۲۷ ) : ۶۵ .

3.التوبة ( ۹ ) : ۱۰۱ .

4.. آل عمران ( ۳ ) : ۱۷۹ .

5.الأنعام ( ۶ ) : ۵۰ .

6.الأعراف ( ۷ ) : ۱۸۸ .

7.مصباح المتهجّد ، ص ۸۰۳ . وفيه : « لا فرق بينك وبينها إلّا أنّهم عبادك وخلقك » .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10721
صفحه از 719
پرینت  ارسال به