455
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
454

الحديث الثالث والثلاثمائة

[خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام‏]

۰.ما رويناه بالأسانيد عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره في قوله تعالى : « إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَ تِ وَالأَْرْضَ فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ »۱ قال : « في ستّة أوقات »۲ .

تحقيق وإيضاح‏

تأويل الأيّام بالأوقات إمّا لعدم خلق الليل والنهار بعدُ فأوّل اليوم بمقداره ، أو المراد باليوم : النوبة والمرّة ليكون خلق كلّ منهما في أسرع الأزمنة ، وعبّر عنه باليوم مجازاً .
وقال بعض المحقّقين في علّة تخصيص الستّة أيّام بخلق العالم ما حاصله : أنّ أفعاله سبحانه مبنيّة على الحِكم والمصالح ، وأنّ حكمته اقتضت أن تكون أفعاله بالنسبة إلى مخلوقاته على قسمين : قسم يصدر عنه في كلّ آنٍ إرادة دفعيّة بدون توقّفه على مادّة أو مدّة ، وقسم لا يصدر عنه إلّا بعد مدّة أجرى عادته بحصول استعداد مادّته له في تلك المدّة على التدريج ، وأنّ خلق الماء الذي جعله مادّة لسائر الأجسام والجسمانيّات وما يشبهه من القسم الأوّل ، وخلق السماوات والأرضين وما في حكمهما من القسم الثاني ، وهذا حكم أطبق عليه جميع الملّيّين وكثير من قدماء الفلاسفة ، فما ذكره المفسّرون من أنّ معنى خلق السماوات والأرض إبداعهما لا من شي‏ء ليس بشي‏ء ، ويدلّ عليه خطبة أميرالمؤمنين وغيرها .
ثمّ إنّ القسم الثاني يستدعي بالنسبة إلى كلّ مخلوق قدراً معيّناً من الزمان ، كما يرشد إليه تتبّع الأزمنة المعيّنة التي جرت عادته تعالى أن يخلق فيها أصناف النباتات من موادّها العنصريّة ، وأنواع الحيوانات من موادّ نطفها في أرحام اُمّهاتها ، فعلى ذلك خلق السماوات والأرض من مادّتها التي هي الماء بعد خصوص القدر المذكور من الزمان إنّما هو من هذا القبيل .
وأمّا خصوص الحكمة الداعية إلى إجراء عادته بخلق تلك الاُمور من موادّها على التدريج ، ثمّ تقدير قدر خاصّ وزمان محدود لكلّ منها فلا مطمع في معرفته ، فإنّه من أسرار القضاء والقدر الذي لا يمكن أن يحيط بها عقل البشر ، ولذلك كتم عنّا ، بل عن بعض المقرّبين والمرسلين ، بل سدّ علينا [وعليهم‏] باب الفحص والتفتيش بالنهي الصريح الدالّ عليه كثير من القرآن والخبر .
ثمّ إنّ اليوم عبارة عن زمان تمام دورة الشمس بحركتها السريعة العاديّة الموسومة باليوميّة ، فكيف يتصوّر أن يكون خلق السماوات الحاملة للشمس والقمر وغيرها من الكواكب في المدّة المذكورة من الزمان ؟ وهلّا تكون تلك الدوائر في زمان دورتها مستلزمة للدور المستحيل بالضرورة ، فقد ذكر ابن العربي فيما سمّاه بالفتوحات : أنّ اليوم هو زمان دورة الفلك الأطلس ، فلا يكون منوطاً بالشمس ، ولا بالسماوات السبع ، إنّما المنوط بها الليل والنهار ، وهما غير اليوم .
وفيه : أنّه اصطلاح مبنيّ على اُصول الفلسفة تأبى عنه اللغة والعرف المبنيّ عليهما لسان الشريعة ، ولظهور ذلك أطبق المفسّرون على تأويله ، إمّا بحمل تلك الأيّام على زمان مساوٍ لقدر زمانها ، وإمّا بحملها على أوقات أو مرّات متعدّدة بعدّتها حتّى يكون معنى خلق الأرض في يومين - مثلاً - خلقها في مرّتين : مرّة خلق أصلها ، ومرّة تميّز بعض أجزائها عن بعض ، وكذلك في السماوات وغيرها .
ولا يخفى في أنّ شيئاً من التأويلين - ولاسيّما الثاني - لا يلائم تعيين خصوص يوم من أيّام الاُسبوع لخلق كلّ منهما كما في الروايات ، وذلك ظاهر جدّاً .
وأيضاً يستبعد العقل جدّاً أن لا يكون خلق الإنسان - مثلاً - في نطفته عادة في أقلّ من ستّة أشهر ، ويكون خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستّة أيّام ، مع أنّ الحال كما قال اللَّه تعالى : « لَخَلْقُ السَّمَوَ تِ وَ الْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ »۳ .
وأيضاً إخباره تعالى بخصوص قدر زمان لابدّ له من نكتة ، أقلّ ما في الباب أن يكون من جهة قلّته أو كثرته دخيلاً في المطلوب ، ولا يناسب شي‏ء منهما هناك ؛ إذ لو كان لأجل معرفة العباد أنّه تعالى قادر على خلق مثل السماوات والأرض في هذه المدّة القليلة ، فمعلوم أنّ ذلك ليس له وقعٌ في هذا المطلوب بعد الإخبار بأمثال أنّ أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، ولو كان للامتنان عليهم بأنّ خلقه في تلك المدّة المديدة كان لأجل تدبير ما يحتاجون إليه في اُمور معاشهم ومعادهم ، فظاهر أنّ قدر ستّة أيّام لا يصلح لهذا المقصود .
فالوجه أن يفسّر اليوم ههنا - والعلم عند اللَّه وأهله - بما فسّره تعالى تارة بقوله : « وَ إِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ »۴ ، واُخرى بقوله : « فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ »۵ ، فإنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً ، وقد يعبّر عن الأوّل باليوم الربّاني ، وعن الثاني بيوم اللَّه ، فعلى كلّ تقدير يكون ملائماً لما نسب من خلق كلّ منهما إلى يوم من الاُسبوع في الروايات ، ويتمّ ما يقصر عنه عند حمله على اليوم الدنيوي عن معنى الامتنان المقصود له تعالى في كثير من أمثال تلك الآيات .
ولعلّ حمله على الأوّل فيما نحن فيه أنسب وأقرب ، فتصوّره على ذلك : أنّ كلّ امتداد - سواء كان قارّ الذات كالجسم أو غير قارّ الذات كالزمان - ينبغي أن يقدّر له أجزاء ، ولكلّ جزء منه أجزاء ، وهكذا إلى ما يحتاج التعبير عن قدر معيّن منها للتفهيم بدون كلفة ، وذلك كتقدير الفلك بالبروج والمنازل والدرجات ، وتقدير الزمان بالسنين والشهور والأيّام والساعات ، فعلى هذا لا بُعد في أنّ الحكمة الإلهيّة كانت اقتضت أن يقدّر للزمان المتقدّم على زمان الدنيا ، بل للزمان المتأخّر عن زمانها أيضاً بأمثال ما قدّره لزمانها من السنين إلى الساعات ، لكن مع رعاية نوع مناسبة لهذه الأجزاء إلى المقدّر بها .
فكما أنّ المناسب لزمان الدنيا أن يكون كلّ يوم منه بقدر زمان دورة الشمس يجوز أن يكون المناسب للزمان المتقدّم أن يكون كلّ يوم منه بمقدار ألف سنة من زمان الدنيا ، وللزمان المتأخّر أن يكون كلّ يوم منه مساوياً لخمسين ألف سنة منه فيكون ما اُخبرنا به في الآيتين الأوّلتين حال الزمان المتقدّم ، وفي الثالثة حال الزمان المتأخّر .
فلا بعد فيما يلوح من بعض الإشارات المأثورة من أنّه تعالى كان قدّر للزمان المتقدّم أسابيع ، وسمّى الأوّل من أيّامها بالأحد ، والثاني بالاثنين ، وهكذا إلى السبت ، وكذلك قدّر له شهوراً تامّة كلّ منها ثلاثون يوماً ، سمّى أوّلها بالمحرّم ، أو رمضان على اختلاف الروايات في أوّل شهور السنة ، وثانيها بصفر أو شوّال ، وهكذا إلى ذي الحجّة أو شعبان ، وعلى كلّ تقدير كان المجموع سنة كاملة موافقة لأيّام تلك الأسابيع والشهور في المبدأ والعدّة والتسمية .
وقد يساعد عليه ما في سورةالتوبة من قوله تعالى : « إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ »۶فيستقيم بذلك ما روي أنّه تعالى خلق الأرض والسماء في يوم الأحد ، وخلق الملائكة في يوم الجمعة ، فلا يتوجّه إشكال وجوب تأخّر أصل اليوم - فضلاً عن خصوص الأحد - عن خلق السماوات والأرض ، ولا إشكال لزوم خلق الملائكة فيما تأخّر عن المتأخّر عنه من السماوات والأرض على ما مرّ في حديث الرضا عليه السلام ، ويستقيم به أيضاً أمثال ما روي أنّ دحو الأرض كان في ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ، بدون استبعاد ذلك من العقل ، من جهة أن تقدّم امتياز تلك الشهور بعضها على بعض ، وانضباطها بتلك الأسامي على دحو الأرض وما يتبعه من خلق الإنس - بل الجنّ أيضاً - على خلاف العادة .
ثمّ إنّه يلوح ممّا ذكره صاحب الملل والنحل بقوله :
« قد أجمعت اليهود على أنّ اللَّه تعالى لمّا فرغ من خلق السماوات والأرض استوى على عرشه مستلقياً على قفاه ، واضعاً إحدى رجليه على الاُخرى ، فقالت فرقة منهم إنّ الستّة أيّام هي الستّة آلاف سنة ، فإنّ يوماً عند ربّك كألف سنة ممّا تعدّون بالسير القمري ، وذلك ما مضى من لدن آدم إلى يومنا هذا ، وبه يتمّ الخلق ، ثمّ إذا بلغ الخلق إلى النهاية ابتدأ الأمر ، ومن ابتداء الأمر يكون الاستواء على العرش والفراغ من الخلق ، وليس ذلك أمراً كان ومضى ، بل هو في المستقبل إذا عددنا الأيّام بالاُلوف » ، انتهى .
أنّ بعضاً من الكتب السماويّة - كالتوراة - كان متضمّناً للإشارة إلى أنّ المراد بالأيّام المخلوقة فيها السماوات والأرض هي الأيّام الربّانيّة ، ولكنّ اليهود لم يتفطّنوا لكونها سابقة على زمان الدنيا ، وتعمّدوا في تحريفها عن موضعها بتطبيقها على بعض أزمنة الدنيا ؛ تصحيحاً لما سوّلته لهم أنفسهم من أنّ شريعة موسى عليه السلام هي أوّل أوامره وشروعه في التكليف ، حتّى لا يلزمهم الإقرار بنسخ شريعة سابقة مستلزم لإمكان وقوع مثله على شريعتهم أيضاً ، فافهم .
ويظهر ممّا ذكره محمّد بن جرير الطبري في أوائل تاريخه أنّ حمل تلك الأيّام على الأيّام الربّانيّة أمر مقرّر بين أهل الإسلام أيضاً من قديم الأيّام .
فإذا تأمّلت في مدارج ما صوّرناه وبيّنّاه يظهر لك أنّ السماوات والأرض وما بينهما - المعبّر عنها بالدنيا - بمنزلة شخص مخلوق من نطفة ، هي الماء على طبق حصول استعداداته بالتدريج ، كما جرت به عادته تعالى في مدّة مديدة هي على حسابنا ستّة آلاف سنة قمريّة موافقة لستّة أيّام من الأيّام الربّانيّة ، فبعد تمام هذه المدّة التي هي بمنزلة زمان الحمل لها تولّدت كاملة بطالع السرطان والكواكب في شرفها ، وحينئذٍ أخذت الشمس والقمر في حركتهما المقدّرة لهما المنوطة بهما الليل والنهار ، وذلك كان في يوم الجمعة كما مرّ وجهه ، وكان أيضاً سادس شهر محرّم الحرام أو رمضان المبارك عندما مضت ثلاث ساعات واثنتا عشر دقيقة من نهاره .
ولا ينافي ذلك ما ورد في حديث الرضا عليه السلام أنّه كانت الشمس عند كينونتها في وسط السماء ؛ لأنّه عليه السلام في صدد تصوير وضع نهار أيّام الدنيا حينئذٍ لا الأيّام الربّانيّة ، وما نحن فيه مبنيّ عليها ، فلا يلزم الموافقة ، هذا هو مبدأ عمر الدنيا .
وأمّا مبدأ خلق الدنيا من نطفتها فمقدّم عليه بقدر ما عرفت من زمان حملها ، فكان مبدأ أوّل يوم الأحد من تلك الأيّام غرّة أحد الشهرين ، ولا شكّ - بما نصب لنا من الدلالات اليقينيّة - أنّ لها أمداً ممدوداً وأجلاً محدوداً ، ويقرب احتمال أنّه تعالى كان قدّر لجملة زمانها من مبدأ خلقها إلى حلول أجلها سنة كاملة من السنين الربّانيّة ، فجعل ستّة أيّام منها بإزاء خلقها ، والباقية - وهي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً - بإزاء عمرها ، وأنّها - كما مرّ - مساوية لثلاثمائة وأربعة وخمسين ألف سنة من السنين القمريّة الدنيويّة ، يلوح ذلك من روايات وعدّة إشارات عن الصادقين عليهم السلام :
منها : ما روي عن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله في فضل الجهاد وتوابعه : أنّ رباط يوم في سبيل اللَّه خير من عبادة الرجل في أهله سنةً ، ثلاثمائة وستّين يوماً ، كلّ يوم ألف سنة .
فإنّ الذكي يتفطّن من الخصوصيّة المذكورة فيها لكلّ من السنة واليوم بأنّ المراد بهما غير السنة واليوم الدنيويّين ؛ إذ لا سنة في الدنيا بهذا العدد من الأيّام فإنّه لا يوافق شيئاً من الشمسيّة والقمريّة المعتبرتين فيها ، ولا يوماً من أيّام الدنيا موافقاً لذلك الامتداد من الزمان ، فيظنّ أنّ هذا التعبير كناية عن نهاية ما يتصوّر للرجل من العبادة وهو تمام زمان الدنيا . انتهى كلامه ملخّصاً۷ .
ويؤيّده ما رواه الصدوق في الفقيه وغيره عن علّة الصلوات الخمس عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله : « وأمّا صلاة المغرب فهي الساعة التي تاب اللَّه عزّ وجلّ فيها على آدم ، وكان بين ما أكل الشجرة وبين ما تاب اللَّه عليه ثلاثمائة سنة من أيّام الدنيا ، وفي أيّام الآخرة يوم كألف سنة ما بين العصر إلى العشاء »۸ .
وما رواه السيوطي في الدرّ المنثور عن عكرمة ، قال : سأل رجل ابن عبّاس : ما معنى هذه الآيات : « فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ » ، وقوله تعالى : « يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَآءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ »۹ ، « وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَ لَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَ إِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ »۱۰ قال : يوم القيامة حساب خمسين ألف سنة ، وخلق السماوات والأرض في ستّة أيّام كلّ يوم ألف سنة ، ويدبّر الأمر من السماء إلى الأرض ثمّ يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة ، قال : ذلك مقدار السير .
وعن عكرمة : « فِى يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ » قال : هي الدنيا أوّلها إلى آخرها يوم مقدار خمسون ألف سنة۱۱ .
والمشهور بين المفسّرين وغيرهم أنّ المراد بالأيّام في قوله تعالى : « الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَ تِ وَالْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ »۱۲ مقدار أيّام الدنيا ، وعلّلوا اختصاص الخلق بهذه المدّة - مع قدرته تعالى على خلقها في طرفة عين - إمّا لعبرة من خلقها من الملائكة ؛ إذ الاعتبار في التدريج أكثر كما ورد في الخبر ، أو ليعلم بذلك أنّها صادرة من قادر مختار عالم بالمصالح ووجوه الحِكم ؛ إذ لو حصلت من مطبوع أو موجب لحصلت في حالة واحدة ، أو ليُعلّم الناس التأنّي في الاُمور وعدم الاستعجال فيها ، كما روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام قال : « ولو شاء أن يخلقها في أقلّ من لمح البصر لخلق ، ولكنّه جعل الإناءة والمداراة مثالاً لاُمنائه ، وإيجاباً للحجّة على خلقه »۱۳ .
واُورد هنا إشكال مشهور ، وهو أنّ : اليوم إنّما يحصل بحركة الشمس وطلوعها وغروبها ، فما معناه هنا ؟ واُجيب بوجوه :
الأوّل : أنّ مناط تمايز الأيّام وتقدّرها إنّما هو حركة الفلك الأعلى دون السماوات السبع ، والمخلوق في الأيّام المتمايزة إنّما هو السماوات السبع والأرض وما بينهما دون ما فوقهما ، ولا يلزم من ذلك الخلاء ؛ لتقدّم الماء الذي خلق منه الجميع على الجميع .
الثاني : أنّ المراد بالأيّام : الأوقات كقوله : « وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ »۱۴ .
الثالث : أنّ المراد : في مقدار ستّة أيّام ، ومرجع الجميع إلى واحد ؛ إذ قبل وجود الشمس لا يتصوّر يوم حقيقةً ، فالمراد إمّا مقدار من الزمان مطلقاً ، أو مقدار حركة الشمس هذا القدر ، وعلى التقديرين هو إمّا مبنيّ على كون الزمان أمراً موهوماً منتزعاً من بقائه سبحانه وتعالى ، أو من أوّل الأجسام المخلوقة كالماء ، أو من الأرواح المخلوقة قبل الأجسام كما روي ، أو من الملائكة كما يظهر من بعض الأخبار .
وأمّا القول بخلق فلك متحرّك قبل ذلك بناءاً على القول بوجود الزمان ، وأنّه مقدار حركة الفلك ، فإنّ التجدّد والتقضّي والتصرّم الذي هو منشأ تحقّق الزمان عندهم في الجميع متصوّر .
وقال بعض الصوفيّة : للزمان المادّي زمان مجرّد كالنفس للجسد ، وللمكان المادّي مكان مجرّد ، وهما عارضان للمجرّدات ، وهو خارج عن طور العقل لا يمكن فهمه كسائر مقالاتهم وخيالاتهم‏۱۵ .

1.الأعراف ( ۷ ) : ۵۴ .

2.تفسير القمّيّ ، ج ۱ ، ص ۲۳۶ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۷۳ ، ح‏۴۷ .

3.غافر ( ۴۰ ) : ۵۷ .

4.الحجّ ( ۲۲ ) : ۴۷ .

5.المعارج ( ۷۰ ) : ۴ .

6.التوبة ( ۹ ) : ۳۶ .

7.بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۲۱۶ - ۲۲۱ نقلاً عن بعض المحقّقين .

8.من لا يحضره الفقيه ، ج‏۱ ، ص ۲۱۱ - ۲۱۳ ، ح‏۶۴۳ ؛ وعنه في وسائل الشيعة ، ج‏۴ ، ص ۱۴ - ۱۵ ، ح‏۴۳۹۱ .

9.السجدة ( ۳۲ ) : ۵ .

10.الحجّ (۲۲) : ۴۷ .

11.بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۲۲۲ - ۲۲۳ .

12.الفرقان ( ۲۵ ) : ۵۹ .

13.بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۶ .

14.الأنفال (۸) : ۱۶ .

15.بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۶ - ۸ .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10729
صفحه از 719
پرینت  ارسال به