451
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
450

الحديث الثاني والثلاثمائة

[خلق الليل والنهار وأيّهما أوّل‏]

۰.ما رويناه بالأسانيد السابقة عن أمين الإسلام الطبرسي في مجمع البيان نقلاً عن تفسير العيّاشي بإسناده عن الأشعث بن حاتم ، قال : كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا عليه السلام والفضل بن سهل والمأمون في أيوان الحِبْرِي بمرو ، فوضعت المائدة ، فقال الرضا عليه السلام : « إنّ رجلاً من بني إسرائيل سألني بالمدينة ، فقال : النهار خلق قبل أم الليل ؟ فما عندكم ؟» قال : فأداروا الكلام ، فلم يكن عندهم في ذلك شي‏ء ، فقال الفضل للرضا عليه السلام : أخبرنا بها أصلحك اللَّه ، قال : « نعم ، من القرآن أم من الحساب ؟ » قال له الفضل : من جهة الحساب ، فقال : « قد علمت يا فضل ، أنّ طالع الدنيا السرطان والكواكب في مواضع شرفها ، فزحل في الميزان ، والمشتري في السرطان ، والشمس في الحمل ، والقمر في الثور ، فذلك يدلّ على كينونة الشمس في الحمل في العاشر من الطالع في وسط السماء ، فالنهار خلق قبل الليل ، وأمّا من القرآن فهو قوله تعالى : « لَا الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَآ أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لَا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ »۱ ، أي قد سبقه النهار »۲ .

تحقيق وتوضيح‏

قد اُورد على هذا الخبر إشكالات :
الأوّل : أنّ الظلمة التي يحصل منها الليل : عدم النور الذي يحصل منه النهار ، وعدم الحادث موقوف على وجوده .
واُجيب بأنّ الظلمة ليست عدماً مطلقاً بل عدم ملكة ؛ إذ هي عدم النور عمّا من شأنه أن يكون نيّراً ، ومثله جاز أن يكون مقدّماً ومؤخّراً ، وحاصل السؤال هنا : أنّ أوّل خلق العالم هل كان نهاراً أم ليلاً ؟
الثاني : أنّ عند خلق الشمس لابدّ أن يكون في بعض الأرض ليلاً وفي بعضها نهاراً ، فلا تقدّم لأحدهما على الآخر .
واُجيب : بأنّ السؤال عن معظم المعمورة ، هل كان الزمان فيها ليلاً أم نهاراً ؟ فلا ينافي وجود الليل فيما يشاطرها۳ .
الثالث : ما المراد بطالع الدنيا ؟ فإنّ كلّ نقطة من نقاط الأرض لها طالع ، وكلّ نقطة من نقاط منطقة البروج طالع اُفق من الآفاق .
واُجيب بأنّه يمكن أن يكون المراد بطالع الدنيا طالع قبّة الأرض ، أي موضع من الربع المسكون في وسط خطّ الاستواء ، يكون طوله من جانب المغرب على المشهور ، أو المشرق على رأي أهل الهند تسعين درجة ، وقد يطلق على موضع من الأرض يكون طوله نصف طول المعمورة منها ، أعني تسعين درجة ، وعرضه نصف عرض المعمورة منها ، أي ثلاثة وثلاثين درجة تخميناً ، ومن خواصّ القبّة أنّه إذا وصلت الشمس فيها إلى نصف النهار كانت طالعة على جميع بقاع الربع المسكون نهاراً ، فظهرت النكتة في التخصيص ، ويمكن أن يكون الطالع هنا بالقياس إلى الكعبة ؛ لأنّها وسط الأرض خلقاً وشرعاً وشرفاً .
الرابع : كون الكواكب في مواضع شرفها لا يستقيم على قواعد المنجّمين واصطلاحاتهم ؛ إذ عطارد شرفه عندهم في السنبلة ، وشرف الشمس في الحمل ، ولا يبعد عطارد عن الشمس بهذا المقدار ، ولقد ضبطه‏۴الطبري في تأريخه وغيره في ذلك ، وحكموا بكون عطارد أيضاً حينئذٍ في الدرجة الخامسة عشرة من السنبلة نقلاً عن جماهير الحكماء .
والجواب : بأنّه عليه السلام يمكن أن يكون بنى ذلك على ما هو المقرّر عنده ، لا ما زعمه المنجّمون في شرف عطارد ، أو يقال : إنّ عطارد مستثنى من ذلك وأحال عليه السلام ذلك على ما هو المعلوم عندهم ، أو يقال : إنّ المراد بالكواكب : الأربعة المنفصلة۵ ؛ اعتماداً على ذكرها بعده .
الخامس : أنّ المقرّر في كتب الأحكام في بحث القرانات أنّ السبعة كانت مجتمعة في أوّل الحَمَل ، ولو فرض أنّهم أخطأوا في ذلك كان على الفضل وسائر الحضّار المتدرّبين في صنعة النجوم أن يسألوا عن ذلك ويراجعوا فيه ، ولم ينقل عنهم ذلك .
واُجيب : أنّهم ليسوا متّفقين في ذلك كما يظهر من الطبري وغيره ، فلعلّ الفضل وغيره ممّن حضر المجلس كان يسلك هذا المسلك ، وربّما يقال : لعلّ الراوي سها أو خبط في فهم كلامه عليه السلام وكان ما قاله عليه السلام هو : أنّ الكواكب كانت مع الشمس في « شرفها » ، والضمير في شرفها كان للشمس لا للكواكب ، فاشتبه عليه وزعم أنّ الضمير للكواكب ففصل كما ترى .
أو يقال : إنّه لا حاجة إلى ارتكاب القول بتحريف الحديث ونسبة السهو إلى الراوي ، وما ذكروه ليس مستنداً إلى جهة ، وأكثر أقاويلهم في أمثال ذلك مستندة إلى أوهام فاسدة وخيالات واهية كاسدة ، كما لا يخفى على من تتبّع زبرهم .
قال أبو ريحان في تاريخه - على ما حكي عنه في سياق ذكر ذلك - ما لفظه : وبكلّ واحد من الأدوار تجتمع الكواكب في أوّل الحمل بدءاً وعوداً ، ولكنّه في أوقات مختلفة ، فلو حكم على أنّ الكواكب مخلوقة في أوّل الحمل في ذلك الوقت ، أو على أنّ اجتماعها فيه هو أوّل العالم أو آخره لتعرّت دعواه تلك عن البيّنة وإن كان داخلاً في الإمكان ، ولكن مثل هذه القضايا لا تقبل إلّا بحجّة واضحة أو بخبر عن الأوائل ، والباري موثوق بقوله ، متقرّرٌ في النفس صحّة اتّصال الوحي والتأييد به ، فإنّ من الممكن أن تكون هذه الأجرام متفرّقة غير مجتمعة وقت إبداع المبدع لها وإحداثه إيّاها ، ولها هذه الحركات التي أوجب الحساب اجتماعها في نقطة واحدة في تلك المدّة . انتهى .
السادس : أنّ الاستدلال بالآية لا يتمّ ؛ إذ يمكن أن يحمل قوله تعالى : « وَ لَا الَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ » على أنّ الليل لا يأتي قبل وقته المقرّر وزمانه المقدّر ، كما أنّ الشمس لا تطلع قبل أوانها ، فكلّ من الليل والنهار لا يأتي أحدهما قبل تمام الآخر كما فسّرت به الآية .
واُجيب : بأنّه عليه السلام بنى الاستدلال على ما علم من مراده تعالى في الآية ، وكان عندهم مأموناً مصدَّقاً في ذلك‏۶ .

1.يس ( ۳۶ ) : ۴۰ .

2.مجمع البيان ، ج ۶ ، ص ۶۶۴ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۲۲۶ ، ح ۱۸۷ .

3.في المصدر : « يقاطرها » .

4.في المصدر : « ولقد خبط الطبري » .

5.في المصدر : « المفصّلة » .

6.بحار الأنوار ، ج ۵۴ ، ص ۲۲۹ - ۲۳۰ ، وأضاف إشكالاً سابعاً وأجاب عنه .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10687
صفحه از 719
پرینت  ارسال به