45
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

الحديث الثامن والعشرون والمائة

[في أنّ أفعال اللَّه تعالى معلّلة بالأغراض‏]

۰.ما رويناه عن‏الصدوق في العلل بإسناده‏الصحيح عن جميل ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام أنّه سأله عن شي‏ء من الحلال والحرام ، فقال : « إنّه لم يجعل شي‏ء إلّا لشي‏ء »۱ .

بيان‏

الظاهر أنّ السؤال وقع عن أنّ التحريم والتحليل هل يكونان بسبب وغرض كما عليه الإماميّة والمعتزلة من أنّ أفعال اللَّه معلّلة بالأغراض أم لا سبب لها ولا غاية إلّا محض التعبّد ؟
فأجابه بأنّه لا يكون شي‏ء من الحلال والحرام إلّا بسبب وغاية ، ويرشد إليه ما رواه في العلل أيضاً بإسناده عن محمّد بن سنان ، عن الرضا عليه السلام في حديث أنّه كتب إليه : « جاءني كتابك تذكر فيه أنّ بعض أهل القبلة يزعم أنّ اللَّه تبارك وتعالى لم يحلّ شيئاً ولم يحرّمه لعلّة أكثر من التعبّد لعباده بذلك ، وقد ضلّ من قال ذلك ضلالاً بعيداً وخسر خسراناً مبيناً ، ولو كان ذلك كذلك لكان جائزاً أن يستعبدهم بتحليل ما حرّم وتحريم ما أحلّ ، حتّى يستعبد بترك الصلاة والصيام وأعمال البرّ كلّها والإنكار له ولرسله وكتبه ، والجحود بالزنا والسرقة وتحريم ركوب ذوات المحارم وما أشبه ذلك من الاُمور التي فيها فساد التدبير وفناء الخلق ؛ إذ العلّة في التحريم والتحليل التعبّد لا غيره ، فكان كما أبطل اللَّه عزّ وجلّ قول من قال ذلك .
إنّا وجدنا كلّ ما أحلّ اللَّه تعالى ففيه صلاح العباد وبقاؤهم ، ولهم إليه الحاجة التي لا يستغنون عنها ، ووجدنا المحرّم من الأشياء لا حاجة للعباد إليه ، ووجدناه مفسداً داعياً إلى الفناء والهلاك ، ثمّ رأيناه تبارك وتعالى قد أحلّ بعض ما حرّم في وقت الحاجة ؛ لما فيه من الصلاح في ذلك الوقت »۲
، والأخبار في ذلك كثيرة متظافرة .
وقد اُورد هنا إشكال ، وهو : إنّ اللَّه لا يفعل فعلاً لأجل غرض ؛ لأنّه لو كان كذلك لكان تعالى مستكملاً بذلك الغرض ، والمستكمل بغيره ناقص ، وذلك على اللَّه محال ؛ لأنّه منبع كلّ خير وكمال ، وهذا أصل مستحكم الأساس عند الحكماء الأوائل .
لا يقال : إنّ فعله تعالى معلّل بغرض لا يعود إليه بل إلى غيره .
لأنّا نقول : عود ذلك الغرض إلى ذلك الغير أهو أولى به تعالى من عدمه أو ليس بأولى ؟ فإن كان أولى به تعالى فيعود المحذور المذكور وإن لم يكن تحصيله غرضاً مؤثّراً أصلاً ، والمفروض له غرض معلّل به فعله تعالى . وأيضاً من فعل فعلاً لغرض كان قاصراً عاجزاً عن تحصيل ذلك الغرض إلّا بواسطة ذلك الفعل ، والقصور والعجز محالان على اللَّه تعالى .
وأجاب الفيلسوف الصدر الشيرازيّ في تفسيره عن ذلك :
بأنّ فعل اللَّه تعالى ليس فعلاً واحداً بل أفعالاً كثيرة حسب كثرة الموجودات الممكنة ، والذي قامت البراهين على أنّه لا يكون معلّلاً بغيره ولا ذا غاية سواه هو فعله الخاصّ الذي صدر عنه أوّلاً وبالذات ، أو فعله المطلق ، فإنّ ما هو أحد هذين فالفاعل والغاية فيه هو ذاته الأحديّة الصمديّة ، وأمّا فعله الذي صدر بعد ذلك فهو معلّل بغرض ، وهكذا لكلّ فعل ذي غرض غرض حتّى تنتهي الدواعي والأغراض والغايات إلى غاية لا غاية لها ، وداعي لا داعي له ، وهو ذاته الذي هو غاية الغايات ، ومنتهى الدواعي والرغبات .
فالتراب - مثلاً - فعلٌ من أفاعيله الصادرة عنه باستخدام فاعل طبيعيّ يسمّى الطبيعة الأرضيّة ، وهي ملك من ملائكة التسخير ، يستخدمه فاعل فوقه يسمّى ملك الأرض ، وهو ملك من ملائكة التدبير ، وفوق ملك آخر من ملائكة الإفاضة والتنوير اسمه قابض الأرواح ، وهو تحت اسمه تعالى « القابض» ، ولكلّ منها في فعله غاية فوقه حتّى ينتهي إلى اللَّه تعالى .
وهذه الغايات والأغراض هي التي تكون فوق الأكوان ، وأمّا التي تكون تحت الأكوان فغاية التراب والغرض من خلقه أوّلاً هو المركّبات الأرضيّة كالمعدنيّة ، ثمّ البذور وقواها النباتيّة ، ثمّ النطف والأغذية ، ثمّ الأخلاط ثمّ الدمويّة ، ثمّ الأمشاج والأعضاء اللحميّة ، ثمّ الأرواح البخاريّة ثمّ النفوس الحيوانيّة ، ثمّ الغرض منها الأرواح الإنسيّة الصاعدة إلى الدرجات السماويّة ، والغرض منها معرفة اللَّه والانقطاع عن العوالم بالكلّيّة ، والاتّصال إلى الحضرة الأحديّة .
فبهذا المعنى صحّ أن يقال : إنّ لأفعاله تعالى أغراضاً عائدة إليه بشرط أن يدرك تحقيقه على وجه لا يؤدّي إلى انثلام قاعدة التوحيد والتنزيه ، بل تنحفظ قاعدة : « أنّ العالي لا ينفعل عن منفعله ، ولا يستكمل الفاعل من فعله » ، ومن لم يهتد إلى هذا التصوير ولم يتنوّر باطنه بهذا التنوير تكلّم في هذا « اللام »۳ .۴
انتهى .

1.علل الشرائع ، ج ۱ ، ص ۸ ، ح ۱ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج ۶ ، ص ۱۱۰ ، ح ۳ .

2.علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۵۹۲ ، ح ۴۳ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج ۶ ، ص ۹۳ ، ح ۱ .

3.في الأصل : « الكلام » ، وما اُثبت من المصدر .

4.تفسير القرآن الكريم لصدر الدين الشيرازي ، ج ۲ ، ص ۲۷۵ - ۲۷۶ وللكلام تتمّة غير مذكورة هنا .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
44
  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10643
صفحه از 719
پرینت  ارسال به