439
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

[قصيدة ابن سينا العينيّة وشرحها]

وللشيخ الرئيس الحسين بن عبداللَّه ابن سينا قصيدة عجيبة في هبوط الروح والنفس ، لا بأس بذكرها مشروحة لما فيها من الفوائد والفرائد ، قال :
هبطت إليك من المحلّ الأرفع‏ورقاءَ ذات تعزّز وتمنّع‏
محجوبة عن كلّ مقلة عارف‏وهي التي سفرت ولم تتبرقع‏
وصلت على كره إليك وربّماكرهت فراقك وهي ذات تفجّع‏
أنفت وما ألفت فلمّا واصلت‏ألفت مجاورة الخراب البلقع‏
حتّى إذا اتّصلت بهاء هبوطهاعن ميم مركزها بذات الأجرع‏
علقت بها ثاء الثقيل فأصبحت‏بين المعالم والطلول الخُضّع‏
تبكي إذا ذكرت عهوداً بالحمى‏بمدامع تهمي ولمّا تقلع‏
وتظلّ ساجعة على الدمن التي‏دُرست بتكرار الرياح الأربع‏
إذ عاقها الشَرَك الكثيف وصَدّهانقص‏۱ عن الأوج الفسيح الأرفع‏۲
حتّى إذا قرب المسيح من الحمى‏ودنى الرحيل إلى الفضاء الأوسع‏
وغدت مفارقة لكلّ مخلّف‏عنها ، حليف الترب غير مشيّع‏
سجعت‏وقد كشف‏الغطاء فأبصرت‏ما ليس يدرك بالعيون الهجّع‏
وغدت تغرّد فوق ذروة شاهق‏والعلم يرفع كلّ من لم يرفع‏
فلأيّ شي‏ء اُهبطت من شامخ‏عالٍ إلى قعر الحضيض الأوضع‏
إن كان أهبطها الإله لحكمةطويت على الفطن اللبيب الأروع‏
فهبوطها إن كان ضربة لازب‏لتكون سامعة لما لم تسمع‏

1.وفي نسخة : « قفص » .

2.في شرح المؤلّف : « المربع » ، وفي بعض النسخ من القصيدة « الأريع » .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
438

تحقيق وإيضاح‏

قد أوضح عليه السلام في هذا الحديث الشريف علّة هبوط الأرواح من العالم العلوي إلى العالم السفلي ، ومن الفضاء العقلي الروحاني إلى ضيق البدن السفلي الظلماني ، وهذه المسألة قد حارت فيها أفكار الحكماء والمتكلّمين ، وقد دهشت فيها عقول الإشراقيّين والمتكلّمين ، ولم يأتوا في ذلك بشي‏ء مبين .
فقال أنباذقلس الحكيم :
إنّ النفس إنّما كانت في المكان العالي الشريف ، فلمّا أخطأت سقطت إلى هذا العالم فراراً من سخط اللَّه ؛ لأنّها لمّا انحدرت إلى هذا العالم صارت غياثاً للأنفس التي قد اختلطت عقولها ، فصارت كالإنسان المجنون ينادي‏الناس بأعلى صوته ، وأَمَرَتْهُم أن يرفضوا هذا العالم وما فيه ، ويصيروا إلى عالمهم الأوّل الشريف ، وأَمَرَتْهُم أن يستغفروا الإله عزّ وجلّ ؛ لينالوا بذلك الراحة والنعمة التي كانوا فيها۱ .
وحكي عن أفلاطون أنّه قال : علّة هبوط النفس إلى هذا العالم سقوط ريشها ، فإذا ارتاشت ارتفعت إلى عالمها الأوّل .
وقال في كتاب طيماوس :
إنّ علّة هبوط النفس إلى هذا العالم اُمور شتّى ، وذلك أنّ منها : ما هبطت لخطيئة أخطأتها ، وإنّما اُهبطت إلى هذا العالم لتُعاقب وتُجازى على خطاياها ، ومنها : أنّها هبطت لعلّة اُخرى ، غير أنّه اختصر في قوله وذمّ هبوط النفس وسكناها في هذه الأجسام‏۲ .
وقال في موضع آخر من « طيماوس » : إنّ النفس جوهر شريف سعيد ، وإنّما صارت في هذا العالم من فعل الباري الخير ، فإنّ الباري لمّا خلق هذا العالم أرسل إليه النفس وصيّرها فيه ليكون العالم حيّاً ذا عقل‏۳ ، إلى آخر كلامه .

1.نقله عنه في الشواهد الربوبيّة ، ص ۲۱۸ ؛ والحكمة المتعالية ، ج ۸ ، ص ۳۰۸ . مع تفاوت فيهما معاً .

2.حكاه عنه في اثولوجيا ، ص ۲۴ ؛ الشواهد الربوبيّة ، ص ۲۲۰ ؛ الحكمة المتعالية ، ج ۸ ، ص‏۳۰۹ .

3.حكاه عنه في الحكمة المتعالية ، ج ۸ ، ص ۳۶۰ - ۳۶۱ .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10567
صفحه از 719
پرینت  ارسال به