الحديث الثلاثمائة
[لو أنّكم أدليتم بحبل إلى الأرض . . .]
۰.ما روي مرسلاً عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله إنّه قال : « لو أنّكم أدليتم۱بحبلٍ إلى الأرض السفلى لهبط على اللَّه »۲ .
توضيح
هذا الحديث من مبتدعات الفرقة المبتدعة الضالّة المضلّة المتصوّفة من العامّة العمياء ، وليس له في أخبار أصحابنا وكتبهم المعتبرة عين ولا أثر ، ومن ذكره من بعض متأخّري متأخّري أصحابنا فإنّما اقتفى أثرهم وجرى على طريقتهم ، وهذا الحديث هو الذي به يصولون وعليه يعوّلون ، وإليه يستندون في إثبات ما زعموه من وحدة الوجود أو الموجود .
[الآراء في مفهوم الوجود]
وتحقيق هذا المقام وتوضيح هذا المرام ما أفاده بعض الأعلام۳ ، وهو : أنّ في الوجود ثلاثة مذاهب :
الأوّل : ما ذهب إليه الحكماء المتألّهة من الإشراقيّين ، وهو أنّ للفظ الوجود استعمالين :
أحدهما : انتزاعيّ عقليّ يعبّر عنه بالكون والثبوت ، والوجود الظلّي والوجود المثالي ، وهو المعنى المصدري .
وثانيهما : حقيقيّ خارجيّ يعبّر عنه عندهم بالوجود الحقيقي وحقيقة الوجود والوجود الأصلي ، وعند المتكلّمين بالهويّة ، وعند فيثاغورس بالوحدة ، وعند سائر الحكماء بالنور الحقيقي ، فالوجود الحقيقي والهويّة والوحدة والنور عندهم ألفاظ مترادفة ، تطلق على معنى واحد ، ويفهم من ذلك أنّ للوجود ثلاثة معان كما صرّحوا به أيضاً :
الأوّل : الثابت المحقّق الكائن ، أي المشتقّ من المعنى الانتزاعي المصدري .
والثاني : الوجود الذي هو بذاته موجود ، وهو الذي عين حقيقة الوجود .
والثالث : المشتقّ الجعلي من الوجود الحقيقي ، ومعناه المنسوب إلى الوجود الحقيقي ، نسبة اتّحاديّة كانت أو ارتباطيّة ، والأوّل والثالث شاملان للواجب والممكن معاً ، والثاني مختصّ بالواجب فقط .
الثاني : ما ذهب إليه المتكلّمون ، وهو أن لا معنى للوجود إلّا المفهوم الانتزاعي الذي ينتزعه العقل من الموجودات ، وهو المعنى الأوّل من المعنيين الأوّلين ، والفرق بين الواجب والممكن في هذا الوجود أنّ الواجب تعالى ينتزع منه هذا الوجود بذاته من غير ملاحظة الغير ، والممكن ينتزع منه باعتبار صدوره عن الواجب .
الثالث : ما ذهب إليه الصوفيّة ، وهو أنّ الوجود أصل في جميع الأشياء ، والماهيّات شؤون وعوارض واعتبارات له ، وهذا هو المشهور بوحدة الموجود، كما أنّ الأوّل بوحدة الوجود ، واعترفوا بأنّه لا يمكن إقامة دليل على ذلك ولا يتمكّن من الإتيان ببرهان على ما هنالك ، وأنّ فهم هذا المرام فوق إدراك العقول والأفهام ، بل استندوا في ذلك إلى المكاشفات والمشاهدات الحاصلة من الرياضات والمجاهدات ، زعماً منهم أنّ ادّعاء ذلك كاف في هذا المطلب العظيم والأمر الجسيم .