الحديث التاسع والتسعون والمائتان
[كان اللَّه ولا شيء غيره]
۰.ما رويناه بالأسانيد السالفة عن ثقة الإسلام في الكافي عن محمّد بن يحيى ، عن محمّد بن الحسين ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن محمّد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : « كان اللَّه ولا شيء غيره ، ولم يزل عالماً بما يكون ، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه »۱ .
تحقيق مرام : [حدوث العالم]
لا خلاف بين كافّة المسلمين - بل ساير الملّيّين - أنّ ما سوى اللَّه تعالى حادث ، وأنّ لوجوده ابتداء .
قال الفاضل الشهرستاني رحمة اللَّه عليه في نهاية الإقدام :
مذهب أهل الحقّ من الملل كلّها أنّ العالم محدَث مخلوقٌ ، له أوّلٌ ، أحدثه الباري تعالى وأبدعه بعدَ أن لم يكن ، كان اللَّه ولم يكن معه شيء ، ووافقهم على ذلك جماعة من أساطين الحكمة وقدماء الفلاسفة .
إلى آخر كلامه .
وقال السيّد الداماد في القبسات : القول بقدم العالم نوعُ شركٍ . وقال في موضع آخر : إنّه إلحاد .
وبالجملة ، فالمسألة كادت أن تكون من ضروريّات الدين ، وإنّما الكلام في معنى الحدوث ، فالمشهور أنّ له معنيين : الذاتي ، والزماني .
وأثبت السيّد الداماد رحمة اللَّه عليه في القبسات قسماً ثالثاً ، وهو الحدوث الدهري ، وقال :
إنّه هو محلّ النزاع بين الفلاسفة والحكماء ، وإنّ من قال منهم بحدوث العالم فإنّما أراد به الحدوث الدهري ، وأثبت للوجودات وعائين آخرين سوى الزمان ، وهما : الدهر والسرمد ، وقال : نسبة المتغيّر إلى المتغيّر ظرفها الزمان ، ونسبة الثابت إلى المتغيّر ظرفها الدهر ، ونسبة الثابت إلى الثابت ظرفها السرمد .
ونقل على ذلك شواهد كثيرة من قول الشيخ الرئيس في التعليقات والشفاء والمحقّق الطوسي رحمة اللَّه عليه وغيرهما ، وقال۲ :
لا يتوهّم في الدهر والسرمد امتداد ، وإلّا لكان مقداراً للحركة ، ثمّ الزمان كمعلول الدهر والدهر كمعلول السرمد .
وكيف كان ، فالذي يجب اعتقاده ودلّت عليه الآيات القرآنيّة والنصوص المعصوميّة : أنّ جميع ما سوى الحقّ تعالى أزمنة وجوده في جانب الأزل متناهية ، ولوجوده ابتداء ، والأزليّة وعدم انتهاء الوجود مخصوص باللَّه تعالى ، سواءاً كان قبل الحوادث زمان موهوم - كما عليه المتكلّمون - ، أو دهر كما عليه السيّد ومن وافقه .
وكيف كان ، فإن كان الزمان عبارة عن مقدار حركة الفلك فلا معنى لكون الأشياء المخلوقة قبل الفلك والمبدعة قبل وجوده حادثة زمانيّة لحدوث الزمان بعدها ، فالحقّ مع السيّد ، وإن منعنا كون الزمان مقدار حركة الفلك لعلمنا بديهة بأنّه إذا لم يتحرّك الفلك أصلاً يتوهّم هذا الامتداد المسمّى بالزمان ، أمكن القول بالحدوث الزماني في الجميع ، وعلى كلّ من القولين فالعالم بأسره مسبوق بالعدم الصِرف والليس المطلق .