الحديث السابع والسبعون والمائتان
[الولد سرّ أبيه]
۰.ما روي في بعض الأخبار المرسلة : « إنّ الولد سِرّ أبيه »۱ .
السِرّ - بالكسر - هو إخفاء المعنى في النفس ، ومنه السرور ؛ لأنّه لذّة تحصل في النفس ، ومنه السرير ؛ لأنّه مجلس السرور ، وسرّ كلّ شيء جوفه ، ويطلق على الشيء الذي يكتم أمره . وبالفتح بمعنى يَسُرُّ ، أي سبب السرور ومنشأه .
والسرّ في الخبر يمكن قراءته بالوجهين ، فالمعنى على الأوّل : أنّ الولد صاحب إخفاء اُمور أبيه أو صاحب مكتوماته ، أو أنّ الولد جوف أبيه فيكتم ويُخفي فيه مقاصده وأسراره التي لا يظهرها لأحدٍ غيره .
والغرض حينئذٍ : أنّ بعض أفراد الولد - وهو العاقل الرشيد - صاحب سرّ أبيه الذي يظهر له من باطن أمره ما يُسرِّه عن غيره ويكشف له ما يخفيه عمّن عداه ، فكأنّه نفسه الناطقة وجوفه ، فيكتم فيه مقاصده وأسراره التي يخفيها عن غيره ، ويكون المراد بالولد : الكامل في الولديّة .
والمعنى على الثاني - وهو الفتح بمعنى منشأ السرور وسببه - : أنّ الولد سببٌ لسرور أبيه ومنشأ لفرحه ونشاطه ، وأنّه يستلذّ به لذّة روحانيّة ، ويبتهج به بهجة عقلائيّة ، ولذا يقال للولد : قرّة العين ونورها وضياؤها ، وثمرة الفؤاد ، وسرور النفس ، وأمثال ذلك ، والقضيّة يمكن حينئذٍ أن تكون كلّيّة بحمل حرف التعريف على الاستغراق ، وأن تكون مهملة جزئيّة .
ويمكن أن يكون معنى الحديث : أنّ الأخلاق السرّانيّة والحالات الخفيّة في الوالد التي لا يمكن للغير اكتسابها لعدم ظهورها تظهر في الولد ، بأن يكون مشابهاً بها ، ويكون الغرض من ذلك مشابهة الولد للوالد في أخلاقه وأفعاله وأحواله وأطواره ، كما يستشهد به كثيراً في نحو هذا المقام ، ولا يعارض ذلك بما روي أنّ الولد الحلال يشبه بالخال۲ ؛ لأنّ أمثال هذه القضايا ليست كلّيّة ، بل هي قضايا مهملة في قوّة الجزئيّة ، ولعلّ الغرض منها الردّ على أهل القيافة بأنّ الولد تارة يشبه اُمّه ، وتارةً يشبه خاله ، وتارة أباه ، كما فصّل ذلك في الخبر المشهور عن أميرالمؤمنين عليه السلام۳ .
1.جامع الشتات ، ص ۱۱۱ ؛ سفينة البحار ، ج ۵ ، ص ۱۹ .
2.انظر : بحار الأنوار ، ج ۱۰۰ ، ص ۲۳۶ عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله حيث جاء فيه : « اختاروا لنطفكم فإنّ الخال أحد الضجيعين » .
3.مناقب آل أبي طالب ، ج ۲ ، ص ۵۳ ؛ بحار الأنوار ، ج ۴۰ ، ص ۱۶۹ .