الحديث التاسع والخمسون والمائتان
[لو كان القرآن في إهاب ما مسّته النار]
۰.ما روي عن عقبة بن عامر عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله إنّه قال : « لو كان القرآن في إهاب۱ ما مسّته النار »۲ .
وهو يحتمل وجوهاً :
الأوّل : أن يكون الإهاب كناية عن القلب الحافظ للقرآن ، والمراد أنّ حافظ القرآن وواعيه لا تحرقه نار جهنّم ، ونحوه ما روي عنه صلى اللَّه عليه وآله من قوله : « إنّ اللَّه لا يعذّب قلباً وعى القرآن »۳ ، والمراد بحفظه عدم التجاوز عن حدوده وأحكامه وحرامه .
الثاني : أن يكون المراد أنّه إذا جعل في إهاب واُلقي في النار أحرقت الإهاب والجلد والقرطاس والمداد ولا تحرق القرآن ، بل يرفع إلى السماء .
الثالث : أنّ المراد أنّه إذا اُحرق القرآن في الصحف فلا يزول القرآن عن الصدور ، فإنّ الحافظ يحفظه ، ويكون هذا من خواصّ القرآن .
الرابع : أن يكون الغرض منه التمثيل ، أي أنّ القرآن لعظيم قدره وفخامة شأنه بحيث لو كانت النار تميّز بين الشريف والوضيع وكانت لا تحرق الشريف لما أحرقته ، ففي الحديث القدسي : « إنّي منزل إليك كتاباً لا يغسله الماء ، تقرؤه نائماً ويقظاناً » ، ومراده بذلك أيضاً التمثيل ، وكما قال تعالى : « لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ »۴ أي لو كان الجبل ممّا يتصدّع ويخشع لشيء من جهة عظم قدره لخشع وتصدّع للقرآن ، فكلّ ذلك تمثيل .
الخامس : أن يكون المعنى : أنّ القرآن هو الألفاظ مع المعاني أو الألفاظ حسب ، ولا خفاء في امتناع أن تكون الألفاظ والمعاني في إهاب ، وحينئذٍ فيكون المعنى : أنّ القرآن لو أمكن أن يكون في إهاب ، فيجعل فيه ويلقى في النار لما أحرقته .
السادس : أن يكون المعنى : أنّ من القرآن ما يكون من خواصّه أنّه إذا كتب في إهاب وطرح في النار لما أحرقت النار الإهاب ، وقد قيل في خواصّ بعض الآي ذلك ، وإطلاق القرآن على البعض جائز كما قيل في قوله تعالى : « إِنَّآ أَنزَلْنَهُ قُرْءَ نًا عَرَبِيًّا »۵أنّ الضمير راجع إلى السورة۶ .
1.الإهاب هو الجلد ، وقيل : إنّما يقال للجلد إهاب قبل الدبغ ، فأمّا بعده فلا . انظر : كتاب العين ، ج ۴ ، ص ۹۹ ( أهب ) .
2.جامع الأخبار ، ص۴۸ ؛ عوالي اللآلي ، ج ۴ ، ص ۱۱۲ ، ح ۱۷۲ ؛ بحار الأنوار ، ج۸۹ ، ص۱۸۴ ، ح۱۹ ؛ مستدرك الوسائل ، ج۴ ، ص۲۳۳ ، ح۴۵۷۳ .
3.وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۱۶۷ ، ح ۷۶۴۰ ؛ بحار الأنوار ، ج ۸۹ ، ص ۱۹ ؛ مستدرك الوسائل ، ج ۴ ، ص ۲۴۵ ، ح ۴۶۰۸ .
4.الحشر ( ۵۹ ) : ۲۱ .
5.يوسف (۱۲) : ۲ .
6.الأمالي للسيّد المرتضى ، ج ۲ ، ص ۸۳ - ۸۴ ، المجلس ۳۲ .