الحديث السابع والخمسون والمائتان
[العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة]
۰.ما رويناه من كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة ، قال : قال الصادق عليه السلام : « العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة ، فما فقد من العبوديّة وجد في الربوبيّة ، وما خفي عن الربوبيّة اُصيب في العبوديّة ، قال اللَّه تعالى : « سَنُرِيهِمْ ءَايَتِنَا فِى الْأَفَاقِ وَ فِى أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ »۱ »۲ .
تحقيق وإيضاح
الكتاب المذكور غير معلوم مؤلّفه ولا حاله ، وربّما نسبه بعضٌ إلى الشهيد الثاني ، وهو خطأ - كما ستعرفه - لأنّ الشيخ الطوسيّ روى بعض أخباره ، والسيّد ابن طاوس ذكره في وصاياه لولده ، وقال العلّامة المجلسيّ رحمة اللَّه عليه في المجلّد الأوّل من البحار :
كتاب مصباح الشريعة فيه بعض ما يريب اللبيب الماهر واُسلوبه لا يشبه سائر كلمات الأئمّة وآثارهم ، وروى الشيخ في مجالسه بعض أخباره هكذا : أخبرنا جماعة عن أبي الفضيل الشيباني بإسناده عن شقيق البلخي عمّن أخبره من أهل العلم ، وهذا يدلّ على أنّه كان عند الشيخ رحمة اللَّه عليه وفي عصره وكان يأخذ منه ، ولكنّه لا يثق به كلّ الوثوق ، ولم يثبت عنده كونه مرويّاً عن الصادق عليه السلام وأنّ سنده ينتهي إلى الصوفيّة ، ولذا اشتمل على كثير من اصطلاحاتهم وعلى الرواية عن مشايخهم ومن يعتمدون عليه في رواياتهم واللَّه يعلم۳ . انتهى .
وقال السيّد ابن طاووس رحمة اللَّه عليه في كتاب كشف المحجّة لثمرة المهجة فيما أوصى به ولده :
انظر إلى كتاب المفضّل بن عمر الذي أملاه الصادق عليه السلام فيما خلق اللَّه جلّ جلاله من الآثار ، وانظر إلى كتاب الإهليلجة وما فيه من الاعتبار ، وكتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة المنسوب إلى مولانا الصادق عليه السلام۴ .
وقال رضي اللَّه عنه في كتاب أمان الأخطار فيما يستحبّ للمسافر أن يصحب معه ، قال :
ويصحب معه كتاب مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة ، وهو كتاب لطيف شريف في التعريف بالتسليك إلى اللَّه جلّ جلاله ، والإقبال عليه ، وانظر بالأسرار التي اشتملت عليه۵ . انتهى .
وكيف كان ، فالكلام في الخبر على تقدير صحّته وثبوته ، واللَّه أعلم :
قوله عليه السلام : ( العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة ) العبوديّة إمّا أن تكون مصدراً من صفة الذات بمعنى كون الشخص عبداً أو صيرورته عبداً ، أو مصدراً لصفة الفعل ، مثل : عابد ، ويكون المراد منها أيضاً كون الشخص عابداً أو صيرورته عابداً متعبّداً ، فهي بمعنى الإطاعة والانقياد والخضوع ، أي كونه مطيعاً ، أو صيرورته مطيعاً .
ومعنى الربوبيّة كونه ربّاً بمعنى مالكاً أو مستحقّاً ، أو صيرورته كذلك ، وصيرورته كذلك ، إمّا بحصوله من باب الاتّفاق والأسباب الخارجيّة ، كانتقال المال إليه بالميراث ، فيصير المنتقل إليه ربّ المال ، وإمّا بفعله فعلاً يوجب التربية ، وهذا هو المناسب في مقابلة العبوديّة بمعنى الإطاعة ، فالعبوديّة بمعنى صيرورة الشخص مطيعاً بإتيان ما هو بمعنى الإطاعة ، والربوبيّة بمعنى صيرورة الشخص مطاعاً بتأسيس ما يوجب الإطاعة ، فقوله عليه السلام : «العبوديّة جوهرة كنهها الربوبيّة» معناه : أنّ ماهية العبوديّة وحقيقتها إطاعة العبد وخضوعه وانقياده لمولاه .
( جوهرة ) أي خصلة عزيزة نفيسة تشبيهاً لها بالجوهرة الغالية الثمينة .
1.فصّلت ( ۴۱ ) : ۵۳ .
2.مصباح الشريعة ، ص ۷ ؛ وعنه في تفسير نور الثقلين ، ج ۴ ، ص ۵۵۶ ، ح۷۷ .
3.بحار الأنوار ، ج ۱ ، ص ۳۲ .
4.المثبّت في كشف المحجّة هو الوصيّة بالنظر إلى كتاب المفضّل والإهليلجة ، وليس فيه مصباح الشريعة ، لكن نقله المجلسي عنه في هذا الكتاب . راجع كشف المحجّة ، ص ۹ ؛ و بحار الأنوار ، ج ۱ ، ص ۱۴ .
5.أمان الأخطار ، ص ۹۱ - ۹۲ .