331
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
330

الحديث الرابع والخمسون والمائتان‏

[في مستحقّي الخمس‏]

۰.ما رويناه عن ثقة الإسلام في الكافي عن حمّاد بن عيسى عن الكاظم عليه السلام في حديث طويل قال فيه : « وهؤلاء الذين جعل اللَّه لهم الخمس هم قرابة النبيّ صلى اللَّه عليه وآله الذين ذكرهم اللَّه فقال : « وَ أَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ »۱ ، وهم بنو عبدالمطّلب - إلى أن قال فيه - : ومن كانت اُمّه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فإنّ الصدقات تحلّ له ، وليس له من الخمس شي‏ء ، إنّ اللَّه تعالى يقول : « ادْعُوهُمْ لِأَبَآئِهِمْ »۲ »۳ .

تحقيق [الكلام في من انتسب إلى هاشم بالاُمّ دون الأب‏]

المشهور بين الأصحاب أنّ المنتسب إلى هاشم جدّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله بالاُم خاصّة دون الأب ليس بولد حقيقة ، فلا يستحقّ من الخمس شيئاً ، بل تحلّ له الزكاة المفروضة ، وهذه الروايةمستندهم ، وذهب جماعة من الأصحاب إلى أنّ حكمه حكم المنتسب بالأب ، وصرّح بعضهم بإباحة أخذ الخمس له وتحريم الزكاة عليه ، وهو المحكي عن جملة من أساطين الأصحاب كابن أبي عقيل والشيخ المفيد والسيّد المرتضى وشيخ الطائفة في الخلاف ، وابن إدريس ، وابن زهرة في الغنية ، وابن حمزة ، ومعين الدين المصري ، وأبي الصلاح ، وابن الجنيد ، والقاضي ، والفضل بن شاذان ، والقطب الراوندي ، والمحقّق المدقّق العماد المولى محمّد باقر الداماد ، والفاضل المحقّق المازندراني ، وإليه يميل المقدّس الأردبيلي وغيرهم‏۴ .
وبالغ جماعة من المحقّقين في الاستدلال على ذلك بوجوه :
منها : قوله تعالى : « وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ »۵ فإنّه يحرم بهذه الآية على ابن البنت زوجة جدّه من الاُمّ ؛ لكونه أباً له بمقتضى الآية ، فهي تدلّ على أنّ أب الاُم أبٌ حقيقة وولد البنت ولداً حقيقة .
ومنها : قوله تعالى في تعداد المحرّمات « وَحَلائِلُ أَبْنَآئكُمُ »۶ فإنّه لا خلاف في حرمة نكاح الرجل زوجة ابن بنته ؛ لصدق الإبنيّة عليه في الآية المذكورة .
ومنها : قوله تعالى في تعداد المحرّمات « وَبَنَاتُكُمْ » فإنّه لا شكّ أنّه بهذه الآية حرمت بنت البنت على جدّها .
ومنها : قوله تعالى في تعداد من يحلّ له النظر إلى الزينة « أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ »۷فإنّه يحلّ لابن البنت النظر إلى زينة جدّته لاُمّه ، بل زوجة جدّه بقوله تعالى : « أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ » .
ومنها : قوله تعالى في الميراث - في باب حَجْب الزوجين عن السهم الأعلى وحجب الأبوين عمّا زاد على السدس - : « فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ ءَابَآؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا * . . . فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ . . . فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ »۸ ، فإنّ الولد في جميع هذه المواضع شامل بإطلاقه لولد البنت ، والأحكام المذكورة مرتّبة عليه بلا خلاف كما ترتّبت على ولد الصلب بلا واسطة .
لا يقال : إنّ دخوله في الأولاد بدليل من خارج ، من إجماع أو غيره ، لا من إطلاق الآية .
لأنّا نقول : إنّ جملة من الروايات المعتبرة قد دلّت على استفادة ذلك من إطلاق الآيات المذكورة كما يأتي إن شاء اللَّه .
ومنها : قوله تعالى : « يَبَنِى ءَادَمَ » وقوله تعالى : « يَبَنِى إِسْرَ ءِيلَ » ، فإنّه لا نزاع في أنّ هذا الخطاب يعمّ أولاد البنات .
ومنها : قوله تعالى عن إبراهيم : « وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَنَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى‏ وَ هَرُونَ وَكَذَ لِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى‏ وَعِيسَى‏ »۹ ، فإنّه تعالى ألحق عيسى بذرّيّته مع أنّ انتسابه إليه من طرف الاُم .
ومنها : ما رواه في الكافي عن أبي الجارود ، قال : قال لي أبو جعفر عليه السلام : « ما يقولون لكم في الحسن والحسين ؟ » قلت : ينكرون علينا أنّهما ابنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ، قال : « فأيّ شي‏ء احتججتم عليهم ؟» قلت : احتججنا عليهم بقول اللَّه عزّ وجلّ في عيسى بن مريم : « وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَنَ » الآية ، بجعل عيسى من ذرّيّة نوح ، قال : « فأيّ شي‏ء قالوا لكم ؟ » قلت : قالوا : قد يكون ولدا لابنة من الولد ولا يكون من الصلب . قال : « فأيّ شي‏ء احتججتم عليهم ؟ » قلت : احتججنا عليهم بقول اللَّه تعالى لرسوله : « فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ »۱۰ ، قال : « فأيّ شي‏ء قالوا ؟ » قلت : قالوا : قد يكون في كلام العرب أبناء رجل وآخر يقول : أبناءنا .
قال : فقال أبو جعفر عليه السلام : « يا أبا الجارود ، لاُعطينكها من كتاب اللَّه عزّ وجلّ أنّهما من صلب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لا يردّها إلّا كافر » .
قلت : فأين ذاك جعلت فداك ؟ قال : من حيث قال اللَّه عزّ وجلّ : « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَتُكُمْ . . . وَحَلَائِلُ أَبْنَآئِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَبِكُمْ »۱۱ ، قل لهم يا أبا الجارود : هل كان يحلّ لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله نكاح حليلتيهما ؟ فإن قالوا : نعم ، كذبوا وفجروا ، وإن قالوا لا فهما ابناه لصلبه »۱۲ ، الحديث .
ومنها : ما رواه في الصحيح عن محمّد بن مسلم عن أحدهما أنّه قال : « لو لم يحرّم على الناس أزواج النبيّ صلى اللَّه عليه وآله لقول اللَّه عزّ وجلّ : « وَ مَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُواْ رَسُولَ اللَّهِ وَ لَآ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَ جَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا »۱۳ حرّم على الحسن والحسين ؛ لقول اللَّه تعالى : « وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ النِّسَآءِ »۱۴ ، ولا يصلح للرجل أن ينكح امرأة جدّه »۱۵ .
ومنها : ما رواه الطبرسي في الاحتجاج في حديث طويل عن الكاظم عليه السلام يتضمّن ذكر ما جرى بينه وبين الخليفة الرشيد العبّاسي لمّا اُدخل عليه ، وفيه : إنّه قال له الرشيد : لِمَ جوّزتم للعامّة والخاصّة أن ينسبوكم إلى رسول اللَّه ، ويقولوا يابن رسول اللَّه ، وأنتم من علي ، وإنّما يُنسب المرء إلى أبيه ، وفاطمة إنّما هي وعاء ، والنبيّ جدّكم من قِبل اُمّكم ؟
فقال : « يا أميرالمؤمنين ، لو أنّ النبيّ نُشر فخطب إليك كريمتك ، أَهَل كنت تجيبه ؟ » فقال : سبحان اللَّه ، ولِمَ لا اُجيبه ؟ ! بل أفتخر على العرب وقريش بذلك ، فقال : « لكنّه لا يخطب إليّ ولا اُزوّجه » ، فقال : ولِمَ ؟ فقلت : « لأنّه ولدني ولم يلدك » . فقال : أحسنت يا موسى‏۱۶ ، الحديث .
ومرجع الاستدلال فيه إلى الآية التي تقدّمت في تحريم البنات .
ومنها : ما رواه المشايخ الثلاثة بطرق عديدة ومتون متفاوتة عن عائذ الأحمسي ، قال : دخلت على أبي عبداللَّه عليه السلام وأنا اُريد أن أسأله عن صلاة الليل ، فقلت : السلام عليك يابن رسول اللَّه ، فقال : « وعليك السلام ، إي واللَّه ، أنا لولده وما نحن بذوي قرابة »۱۷ ، الخبر .
ومنها : ما رواه في الكافي عن بعض أصحابنا قال : حضر أبو الحسن الأوّل وهارون الخليفة وعيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة ، وقد جازوا إلى قبر رسول اللَّه ، فقال هارون لأبي الحسن الأوّل تقدّم فأبى ، فتقدّم عيسى فسلّم ووقف مع هارون ، فقال جعفر لأبي الحسن تقدّم فأبى ، فتقدّم جعفر وسلّم ووقف مع هارون ، فتقدّم أبو الحسن وقال : « السلام عليك يا أبه ، أسأل اللَّه الذي اصطفاك واجتباك وهداك أن يصلّي عليك » ، فقال هارون لعيسى : سمعت ما قال ؟ قال : نعم ، قال هارون : أشهد أنّه أبوه حقّاً۱۸ .
ومنها : ما تواتر عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله من قوله للحسنين : « ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا »۱۹ ، وقوله للحسين : « ابني هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمّة تسعة ، تاسعهم قائمهم »۲۰ .
وهذه الأخبار صريحة في كون بنوَّتهم بطريق الحقيقة دون المجاز ، والأدلّة المذكورة تجري في غيرهم ، ولا قائل بالفرق .
حجّة المشهور مرسلة حمّاد المتقدّمة ، وأنّ الولد حقيقة في ولد الابن دون ولد البنت كما قيل :
بنونا بَنو أبنائنا وبناتنابنوهنّ أبناءُ الرجال الأباعدِ۲۱
ويدلّ على مجازيّته صحّة السلب ، فإنّه يقال في ابن البنت : ليس هذا بابني .
واُجيب أمّا عن الرواية الاُولى ، فإنّها ضعيفة بالإرسال ، ومعارضة للأخبار الصحيحة ومخالفة للكتاب وموافقة للعامّة فلا يعوّل عليها في مقابلة ذلك .
وأمّا قولهم : إنّه مجاز ، فمردود بالأخبار المتقدّمة ، بل الآيات أيضاً ؛ إذ قد اُطلق فيها بدون نصب قرينة ، وهو دليل الحقيقة ، والاستناد في ذلك إلى هذا الشعر في مقابلة تلك الآيات القرآنيّة والأخبار المعصوميّة بديهيّ البطلان .
وما استندوا إليه من صحّة السلب غير مسلّم على إطلاقه ، فإنّا لا نسلّم سلب الولديّة حقيقة ؛ إذ حاصل المعنى بقرينة الإضراب : ليس أنّ مراد القائل المذكور إنّه ليس بولدي بلا واسطة ، بل ولدي بالواسطة ، فالمنفي حينئذٍ إنّما هو كونه ولداً من غير واسطة ، والولد الحقيقي عندنا أعمّ منهما .
ولو قال ذلك القائل : ليس بولدي من غير الإثبات بالإضراب منعنا صحّة السلب ، فتأمّل .
نعم ، يمكن أن يقال : إنّه لا منافاة بين هذه الأدلّة الدالّة على البنوّة حقيقة وبين مرسلة حمّاد ؛ إذ يمكن الجمع بالقول بالبنوّة الحقيقيّة بالنسبة إلى ولد البنت مع عدم استحقاق الخمس للرواية المنجبرة بعمل الأصحاب ، وإن أمكن حملها على التقيّة ؛ لموافقتها للعامّة۲۲ .

1.الشعراء ( ۲۶ ) : ۲۱۴ .

2.الأحزاب ( ۳۳ ) : ۵ .

3.الكافي ، ج ۱ ، ص ۵۴۰ ، باب الفي‏ء والأنفال . . . ، ح ۴ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۴ ، ص ۱۲۸ ، ج ۲ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۲۷۷ - ۲۷۸ ، ح ۱۲۰۱۴ .

4.نسب هذا الرأي إليهم المحقّق البحراني في الحدائق الناضرة ، ج ۱۲ ، ص ۳۹۰ .

5.النساء ( ۴ ) : ۲۲ .

6.النساء ( ۴ ) : ۲۳ .

7.النور ( ۲۴ ) : ۳۱ .

8.النساء ( ۴ ) : ۱۱ - ۱۲ .

9.الأنعام ( ۶ ) : ۸۴ - ۸۵ .

10.آل عمران : ۶۱ .

11.الكافي ، ج ۸ ، ص ۳۱۷ - ۳۱۸ ، ح ۵۰۱ ؛ تفسير القمّي ، ج ۱ ، ص ۲۰۹ ؛ بحار الأنوار ، ج ۴۳ ، ص ۲۳۲ ، ح ۸ .

12.الأحزاب (۳۳) : ۵۳ .

13.الكافي ، ج ۵ ، ص ۴۲۰ ، باب فيه ذكر أزواج النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ، ح ۱ ؛ وعنه في تهذيب الأحكام ، ج ۷ ، ص ۲۸۱ ، ح ۲۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۲۰ ، ص ۴۱۲ ، ح ۲۵۹۵۶ ، مع تفاوت فيها .

14.الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۳۹۱ ؛ بحار الأنوار ، ج ۴۸ ، ص ۱۲۷ - ۱۲۸ ، ح ۲ .

15.الكافي ، ج ۳ ، ص ۴۸۷ ، باب النوادر ، ح ۳ ؛ الأمالي للطوسي ، ص ۲۲۸ ، المجلس ۸ ، ح ۵۱ ؛ بحار الأنوار ، ج ۷۹ ، ص ۲۸۸ ، ح ۹ . وانظر : من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۲۰۵ ، ح ۶۱۵ .

16.الكافي ، ج ۴ ، ص ۵۵۳ ، باب دخول المدينة وزيارة النبي . . . ح ۸ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۶ ، ص ۶ - ۷ ، ح ۱۰ . بحار الأنوار ، ج ۴۸ ، ص ۱۳۶ ، ح ۹ .

17.الإرشاد ، ج ۲ ، ص ۳۰ ؛ مناقب آل أبي طالب ، ج ۳ ، ص ۳۶۷ ؛ بحار الأنوار ، ج ۱۶ ، ص ۳۰۶ ؛ وج ۲۱ ، ص ۲۷۹ .

18.كمال الدين ، ج ۱ ، ص ۲۶۲ ؛ إرشاد القلوب ، ج ۲ ، ص ۲۳۳ ؛ بحار الأنوار ، ج ۳۶ ، ص ۳۷۲ .

19.ذكر النحاة هذا البيت في باب وجوب تأخير الخبر وتقديم المبتدأ ، ونسبه جماعة للفرزدق ، وقال قوم : لا يعلم قائله ( ش ) .

20.نقلها المحدّث البحراني في الحدائق الناضرة ، ج ۱۲ ، ص ۳۹۰ - ۴۱۷ مع تفاوت فيها .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10741
صفحه از 719
پرینت  ارسال به