الحديث السابع والعشرون والمائة
[معنى الهداية والإضلال]
۰.ما رويناه بالأسانيد السابقة عن ثقة الإسلام في الكافي ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبدالحميد بن أبي العلا ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إنّ اللَّه عزّ وجلّ إذا أراد بعبدٍ خيراً نكت في قلبه نكتة من نور ، فأضاء لها سمعه وقلبه حتّى يكون أحرص على ما في أيديكم منكم ، وإذا أراد بعبدٍ سوءاً نكت في قلبه نكتة سوداء فأظلم لها سمعه وقلبه » ، ثمّ تلا هذه الآية : « فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِى السَّمَآءِ »۱ .۲
بيان
انطباق هذا الخبر على قواعد الإماميّة يقتضي تأويله ، فيقال : المعنى أنّ اللَّه عزّوجلّ إذا أراد اللَّه بعبدٍ خيراً لصفاء قلبه وميله إليه أو علم منه ذلك نكت في قلبه نكتة من نور العلم والإيمان ، واللطف والتوفيق ، والفيض والهداية ، فأضاء لها - أي لأجل تلك النكتة النورانيّة - سمعه وقلبه وسائر أعضائه ، فيهتدي كلّ عضو إلى ما هو مطلوب منه ، ويتوجّه إليه ، ويعرض عن غيره حتّى يكون حرصه على الإيمان والولاية أشدّ من حرصكم عليهما .
وإذا أراد اللَّه بعبدٍ سوءاً لميله إلى الباطل وإبطاله لاستعداده الفطريّ أو علم منه السوء باختياره نكت في قلبه نكتة سوداء ، هي نكتة الجهل والكفر والخذلان الذي هو سلب اللطف والتوفيق ، فأظلم لها سمعه وقلبه فلا يسمع الحقّ ولا يعقل الخير ، وهو الختم المانع من إدراك الخير ، ثمّ تلا هذه الآية استشهاداً لما ذكر : « فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَمِ » أي فمن يرد اللَّه أن يهديه إلى طريق الجنّة في الآخرة والى الخيرات في الدنيا - لميله إليها - يشرح صدره للإسلام ويوسّعه لقبول أحكامه ومعارفه حتّى يتأكّد عزمه عليها ويقوى الداعي على التمسّك بها ، وذلك لطف من اللَّه تعالى عليه .
ومَن يرد أن يضلّه عن طريق الجنّة إلى طريق النار وعن سبيل الخيرات إلى الشرور ، لإبطال استعداده الفطريّ بسلب لطفه عنه يجعل صدره حرجاً ، لانقباضه بقبض الكفر والعصيان ، وتقييده بقيد الظلمة والطغيان ، فهو في قبول الإيمان ولوازمه كأنّما يصّعّد في السماء ، فيمتنع من دخول الإيمان في قلبه كما يمتنع الصعود في السماء .