الحديث الخمسون والمائتان
[علّة فرض الصوم ثلاثين يوماً]
۰.ما رويناه عن الصدوق في الفقيه عن الحسن بن عليّ عليه السلام إنّه قال : « جاء نفر من اليهود إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله أن قال : لأيّ شيء فرض اللَّه تعالى الصوم على اُمّتك بالنهار ثلاثين يوماً ، وفرض اللَّه على الاُمم أكثر من ذلك ؟ فقال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله : إنّ آدم لمّا أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوماً ، ففرض اللَّه على ذرّيّته ثلاثين يوماً الجوع والعطش ، والذي يأكلونه بالليل تفضّل من اللَّه تعالى عليهم وكذلك كان على آدم ، ففرض اللَّه ذلك على اُمّتي ، ثمّ تلا هذه الآية : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَ تٍ »۱ قال اليهودي : صدقت يا محمّد »۲ .
بيان
وجه الإشكال : أنّ السائل سأل عن شيئين ، فأجاب عن أوّلهما وسكت عن الثاني ، وهو خلاف مقتضى الحال .
ويمكن الجواب بأنّه صلى اللَّه عليه وآله أجاب عن الثاني في ضمن الجواب عن الأوّل ، وهو أنّ ما زادوا على الثلاثين يوماً هو الذي ابتدعوه من عند أنفسهم كما ابتدعوا الرهبانيّة التي اُشير إليها بقوله تعالى : « وَ رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَهَا عَلَيْهِمْ »۳ ، لا أنّه تعالى أوجب عليهم ؛ لما ذكره بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ » أنّ معناه : صومكم كصومهم في عدد الأيّام . وقوله صلى اللَّه عليه وآله : ( ففرض اللَّه على ذرّيّته ثلاثين يوماً ) وتلاوة الآية يدلّان على ذلك ، ولذا فهمه السائل وقال : صدقت يا محمّد .
وقال التقي المجلسي :
الظاهر أنّه سأله عن علّة أصل الصوم وعلّة الثلاثين مع أنّه كان في الاُمم السالفة أكثر ، فأجابه صلى اللَّه عليه وآله بأنّ علّة أصله ترك أولى وقع من آدم ، ولمّا بقي في بطنه ثلاثين يوماً كان أصل الصوم ثلاثين ، وكذلك كان على ذرّيّته في زمانه عليه السلام أو الأعمّ ، وكانت الزيادة إمّا من قبلهم أو بسبب خطيئاتهم ، ففرض اللَّه على اُمّتي أصله لا الزيادة ، فاستشهد بقوله تعالى : «كتب» أي فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم باعتبار الأصل والمقدار « لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » من مفطرات الصوم أو الأعمّ منها ومن جميع المناهي ، أو ليحصل لكم فضيلة التقوى بقيّة السنة أو بقيّة العمر ، وتصديق اليهودي كان باعتبار علمه بأنّه هكذا بالأصل ، والزيادة عليها إمّا منهم أو بهم ، وكذا تصديقه الثاني۴ ، انتهى .