325
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

الحديث الخمسون والمائتان‏

[علّة فرض الصوم ثلاثين يوماً]

۰.ما رويناه عن الصدوق في الفقيه عن الحسن بن عليّ عليه السلام إنّه قال : « جاء نفر من اليهود إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل ، فكان فيما سأله أن قال : لأيّ شي‏ء فرض اللَّه تعالى الصوم على اُمّتك بالنهار ثلاثين يوماً ، وفرض اللَّه على الاُمم أكثر من ذلك ؟ فقال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله : إنّ آدم لمّا أكل من الشجرة بقي في بطنه ثلاثين يوماً ، ففرض اللَّه على ذرّيّته ثلاثين يوماً الجوع والعطش ، والذي يأكلونه بالليل تفضّل من اللَّه تعالى عليهم وكذلك كان على آدم ، ففرض اللَّه ذلك على اُمّتي ، ثمّ تلا هذه الآية : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَ تٍ »۱ قال اليهودي : صدقت يا محمّد »۲ .

بيان‏

وجه الإشكال : أنّ السائل سأل عن شيئين ، فأجاب عن أوّلهما وسكت عن الثاني ، وهو خلاف مقتضى الحال .
ويمكن الجواب بأنّه صلى اللَّه عليه وآله أجاب عن الثاني في ضمن الجواب عن الأوّل ، وهو أنّ ما زادوا على الثلاثين يوماً هو الذي ابتدعوه من عند أنفسهم كما ابتدعوا الرهبانيّة التي اُشير إليها بقوله تعالى : « وَ رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَهَا عَلَيْهِمْ »۳ ، لا أنّه تعالى أوجب عليهم ؛ لما ذكره بعض المفسّرين في تفسير قوله تعالى : « كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ » أنّ معناه : صومكم كصومهم في عدد الأيّام . وقوله صلى اللَّه عليه وآله : ( ففرض اللَّه على ذرّيّته ثلاثين يوماً ) وتلاوة الآية يدلّان على ذلك ، ولذا فهمه السائل وقال : صدقت يا محمّد .
وقال التقي المجلسي :
الظاهر أنّه سأله عن علّة أصل الصوم وعلّة الثلاثين مع أنّه كان في الاُمم السالفة أكثر ، فأجابه صلى اللَّه عليه وآله بأنّ علّة أصله ترك أولى وقع من آدم ، ولمّا بقي في بطنه ثلاثين يوماً كان أصل الصوم ثلاثين ، وكذلك كان على ذرّيّته في زمانه عليه السلام أو الأعمّ ، وكانت الزيادة إمّا من قبلهم أو بسبب خطيئاتهم ، ففرض اللَّه على اُمّتي أصله لا الزيادة ، فاستشهد بقوله تعالى : «كتب» أي فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم باعتبار الأصل والمقدار « لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » من مفطرات الصوم أو الأعمّ منها ومن جميع المناهي ، أو ليحصل لكم فضيلة التقوى بقيّة السنة أو بقيّة العمر ، وتصديق اليهودي كان باعتبار علمه بأنّه هكذا بالأصل ، والزيادة عليها إمّا منهم أو بهم ، وكذا تصديقه الثاني‏۴ ، انتهى .

1.البقرة ( ۲ ) : ۱۸۳ - ۱۸۴ .

2.من لا يحضره الفقيه ، ج ۲ ، ص ۷۳ - ۷۴ ، ح ۱۷۶۹ ؛ وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۱۰ ، ص ۲۴۰ - ۲۴۱ ، ح ۱۳۳۱۷ .

3.الحديد ( ۵۷ ) : ۲۷ .

4.روضة المتّقين ، ج ۳ ، ص ۲۲۳ - ۲۲۴ .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
324

الحديث التاسع والأربعون والمائتان‏

[أيّ الصدقة أفضل ؟]

۰.ما رويناه عن الكليني والصدوق عن الصادق عليه السلام إنّه سُئل : أيّ الصدقة أفضل ؟ فقال : « جُهدُ المقلّ ، أما سمعت قول اللَّه عزّ وجلّ : « وَ يُؤْثِرُونَ عَلَى‏ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ »۱ هل ترى [ههنا] ۲فضلاً ؟ »۳ .

بيان‏

الجُهد - بالضمّ - : الوسع والطاقة ، وبالفتح : المشقّة ، وقيل : المبالغة ، وقيل : هما لغتان في الوسع والطاقة ، فأمّا في المشقّة والغاية فالفتح لا غير ، والمعنى : أنّ أفضل الصدقة هي التي يتصدّق بها قليل المال مع شدّة احتياجه إليه ، ومع هذا يؤثر غيره على نفسه ، ولهذا استشهد الإمام بالآية .
ويبقى الكلام في التدافع ظاهراً بين هذا الحديث وبين ما روي من قوله عليه السلام : « خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى »۴ ، ويمكن الجمع بحمل جهد المقلّ والإيثار على من يحتمل الصبر ، وتطمئنّ نفسه بذلك ، كأهل البيت ومن يختصّ بهم ، وحمل الثاني على من لا يحتمله كشأن الأكثر . وقيل : الإيثار على النفس مستحبّ دونه على العيال .
وقوله : ( هل ترى هاهنا فضلاً ؟ ) أي هل ترى في الآية احتمال أن يكون المراد الفضل والزائد من المال مع التصريح بالخصاصة ، ودلالة الإيثار على ذلك ، أو المعنى : إنّه لا فضل أعظم من مدح اللَّه تعالى إيّاهم على هذه الصفة .

1.الحشر ( ۵۹ ) : ۹ .

2.في الأصل : « هنا » ، وما اُثبت من المصدر .

3.الكافي ، ج ۴ ، ص ۱۸ - ۱۹ ، باب الإيثار ، ح ۳ ؛ من لا يحضره الفقيه ، ج ۲ ، ص ۷۰ ، ح ۱۷۵۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۴۳۱ - ۴۳۲ ، ح ۱۲۴۱۳ .

4.الكافي ، ج ۴ ، ص ۲۶ ، باب فضل المعروف ، ح ۱ ؛ وص ۴۶ ، باب النوادر ، ح ۲ ؛ من لا يحضره الفقيه ، ج ۲ ، ص ۵۶ ، ح ۱۶۸۸ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۹ ، ص ۴۲۶ ، ح ۱۲۳۹۸ .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10737
صفحه از 719
پرینت  ارسال به