الحديث الثامن والأربعون والمائتان
[داووا مرضاكم بالصدقة ...]
۰.ما رويناه عن الصدوق في الفقيه عن الصادق عليه السلام قال : « داووا مرضاكم بالصدقة ، وادفعوا البلاء بالدعاء ، واستنزلوا الرزق بالصدقة ، فإنّها تفكّ من بين لَحيي سبعمائة شيطان ، وليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، وهي تقع في يد الربّ تبارك وتعالى قبل أن تقع في يد العبد »۱ .
بيان
( استنزلوا ) أي اطلبوا نزول الرزق بالصدقة ، فإنّها جالبة للرزق ، وهذا صحيح مجرّب قد جرّبناه مراراً .
( فإنّها تفكّ ) أي تخلّص من بين لَحيي سبعمائة شيطان ، اللحيي - بفتح اللام وإهمال الحاء الساكنة - : العظم الذي عليه الأسنان من الإنسان وغيره ، وهو منبت اللحية ، وكأنّ الصدقة دخلت في أفواه الشياطين باعتبار منعهم بالعلل الباطلة والأسباب العاطلة ، كأنّ يقول بعضهم : لا تتصدّق فتفتقر ، ويقول بعضهم : إنّك أحوج إليها من المعطى ، ويقول بعضهم : انظر العاقبة ، وآخر : انظر السائل لعلّه ليس بمستحقّ ، وآخر : تصدّق في وقت آخر ، أو على آخر أحوج منه ، أو لئلّا تدخل في الرياء ، أو تصدّق في السرّ يريد تعويقه عنها ، وهكذا ، فإذا تصدّق مع هذه الوساوس الشيطانيّة والتسويلات النفسانيّة فكأنّه أخرجها من أفواههم .
ويحتمل أن يكون العدد لبيان الكثرة لا لخصوص العدد ، كما قيل في : « إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ »۲ ، وليس شيء أثقل على الشيطان من الصدقة على المؤمن ، لكثرة ثوابه ، وكلّما كان الثواب أكثر كان منع الشيطان أكثر .
( وهي تقع في يد الربّ ) إلى آخره إشارة إلى قوله تعالى : « هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَ يأْخُذُ الصَّدَقَتِ »۳ ، وكناية عن أنّ الصدقة هي التي تكون لوجه اللَّه تعالى ، فكأنّ اللَّه تعالى أخذها وأعطى المتصدّق الثواب ، ثمّ أعطاها سبحانه إلى السائل ؛ لئلّا يمنّ أحد على الفقراء بما يعطيهم ، بل ينبغي أن يشكر اللَّه تعالى على أن وفّقه له وأعطاه الثواب الأبدي مع أنّ المال ماله تعالى .
فانظر إلى عناية اللَّه تعالى بعبده في جميع الاُمور ، فتارة يقول : « مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً »۴ ، كيف استقرض عبده وله خزائن السماوات والأرض ، والعبد وما في يده لمولاه ؟ ! وتارة يقول : « إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَ أَمْوَ لَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ »۵ ، ومرّة يقول : « إِن تَنصُرُواْ اللَّهَ يَنصُرْكُمْ »۶ ، ومرّة يقول : « وَ يأْخُذُ الصَّدَقَتِ » كيف اشترى ماله بماله ، واستنصر مملوكه ، وله جنود السماوات والأرض ؟ ! تباركت ربّنا أنت المحسن ونحن المسيئون ، فتجاوز عن قبيح ما عندنا بجميل ما عندك .