317
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
316

الحديث السادس والأربعون والمائتان‏

[قراءة القرآن على حرف واحد وسبعة أحرف‏]

۰.ما رويناه بالأسانيد عن الصدوق في الخصال بإسناده عن عيسى بن عبداللَّه الهاشمي عن أبيه عن آبائه ، قال : قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله : « أتاني آتٍ من اللَّه عزّ وجلّ فقال : إنّ اللَّه يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد ، فقلت : يا ربّ ، وسّع على اُمّتي ، فقال : إنّ اللَّه يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف »۱ .

بيان‏

قال المحقّق المحدّث الكاشاني :
قد اشتهرت الرواية من طريق العامّة عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أنّه قال : « نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها كافٍ شافٍ » ، وقد ادّعى بعضهم تواتر أصل هذا الحديث ، إلّا أنّهم اختلفوا في معناه على ما يقرب من أربعين قولاً .
وروت العامّة أيضاً عنه صلى اللَّه عليه وآله إنّه قال : « نزل القرآن على سبعة أحرف : أمر ، وزجر ، وترغيب ، وترهيب ، وجدل ، وقَصص ، ومَثل » .
وفي رواية اُخرى : « زجر ، وأمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال » .
والمستفاد من هاتين الروايتين : أنّ الأحرف إشارة إلى أقسامه وأنواعه ، ويؤيّده ما رواه أصحابنا عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه قال : «إنّ اللَّه تعالى أنزل القرآن على سبعة أقسام ، كلّ قسم منها كافٍ شافٍ ، وهي : أمر ، وزجر ، وترغيب ، وترهيب ، وجدل ، ومثل ، وقَصص » .
وروت العامّة أيضاً عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله : « أنّ القرآن اُنزل على سبعة أحرف لكلّ آية منها ظهر وبطن ، ولكلّ حرف حدّ ومطلع » .
وفي روايةٍ اُخرى : « إنّ للقرآن ظهراً وبطناً ، ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن » .
وربّما يستفاد من هاتين الروايتين أنّ الأحرف إشارة إلى بطونه وتأويلاته ولا نصّ فيها على ذلك ؛ لجواز أن يكون المراد بهما أنّ لكلّ من الأقسام ظهراً وبطناً ، ولبطنه بطناً إلى سبعة أبطن .
ومن طريق الخاصّة ما رواه في الخصال بإسناده عن حمّاد ، قال : قلت لأبي عبداللَّه : إنّ الأحاديث تختلف عنكم ، قال : فقال : « إنّ القرآن اُنزل على سبعة أحرف وأدنى ما للإمام أن يفتي على سبعة وجوه » . ثمّ قال عليه السلام : « « هَذَا عَطَآؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ »۲ .
وهذا نصّ في البطون والتأويلات ، ورووا في بعض ألفاظ الحديث : أنّ هذا القرآن اُنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا بما تيسّر منه ، وفي بعضها : قال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله لجبرئيل : « إنّي بُعثت إلى اُمّة اُمّيّين ، فيهم الشيخ الفاني والعجوز الكبيرة والغلام ، قال : فمرهم فليقرؤوا القرآن على سبعة أحرف » .
ومن طريق الخاصّة ما رواه في الخصال وساق الرواية السابقة في الصدر ، قال : ويستفاد من هذه الروايات : أنّ المراد بسبعة أحرف اختلاف اللغات ، كما قاله ابن الأثير في نهايته ، فإنّه قال في الحديث : نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها كافٍ وشافٍ ، أراد بالحرف : اللغة ، يعني على سبعة لغات من لغات العرب ، أي أنّها مفرّقة في القرآن ، فبعضه بلغة قريش ، وبعضه بلغة هذيل ، وبعضه بلغة هوازن ، وبعضه بلغة اليمن .
قال : وممّا يبيّن ذلك قول ابن مسعود : إنّي قد سمعت القرّاء فوجدتهم متقاربين ، فاقرؤوا كما علمتم ، إنّما هو كقول أحدكم : هلمّ وتعال وأقبل .
أقول : والتوفيق بين الروايات كلّها أن يقال : إنّ للقرآن سبعة أقسام من الآيات وسبعة بطون لكلّ آية ، ونزل على سبع لغات ، وأمّا حمل الحديث على سبعة أوجه من القراءة ثمّ التكلّف في تقسيم وجوه القراءة على هذا العدد - كما نقله في مجمع البيان عن بعضهم - فلا وجه له ، مع أنّه يكذّبه ما رواه في الكافي بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر ، قال : « إنّ القرآن واحد نزل من عند واحد ، ولكنّ الاختلاف يجي‏ء من قِبَل الرواة » .
وما رواه بإسناده عن الفضل بن يسار ، قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن على سبعة أحرف ، فقال : « كذب أعداء اللَّه ولكنّه نزل على حرفٍ واحد من عند الواحد » .
ومعنى هذا الحديث معنى سابقه ، والمقصود منهما واحد ، وهو أنّ القراءة الصحيحة واحدة ، إلّا أنّه لمّا علم أنّهم فهموا من الحديث الذي رووه صحّة القراءات جميعاً مع اختلافها كذّبهم عليه السلام ، وعلى هذا فلا تنافي بين هذين الحديثين وشي‏ء من أحاديث الأحرف أيضاً .
وبإسناده عن عبداللَّه بن فرقد والمعلّى بن خنيس ، قالا : كنّا عند أبي عبداللَّه عليه السلام ومعنا ربيعة الرأي ، فذكر القرآن‏۳ ، فقال أبو عبداللَّه عليه السلام : « أمّا نحن فنقرأ على قراءة اُبي » ، ونقل آخر الحديث - إلى أن قال - : « كان ابن مسعود لا يقرأ على قرائتنا فهو ضالّ » ، فقال ربيعة : ضالّ ؟! فقال : « نعم ضالّ » . ثمّ قال أبو عبداللَّه عليه السلام : « أمّا نحن فنقرأ على قراءة اُبي » .
ولعلّ آخر الحديث ورد على المسامحة مع ربيعة مراعاة لحرمة الصحابة وتداركاً لما قاله في ابن مسعود ، وذلك لأنّهم لم يكونوا يتبعون أحداً سوى آبائهم لأنّ علمهم من اللَّه ، وفي هدا الحديث إشعار بأنّ قراءة اُبي كانت موافقة لقرائتهم عليهم السلام أو كانت أوفق لها من قراءة غيره من الصحابة .
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الاختلاف المعتبر ما يسري من اللفظ إلى المعنى ، مثل : « مالك » و« ملك » ، دون ما لا يجاوز اللفظ أو يجاوزه ولم يخلّ بالمعنى المقصود ، سواءاً كان بحسب اللغة ، مثل : « كفو » بالهمزة أو الواو ، ومخفّفاً ومثقّلاً ، أو بحسب الصرف ، مثل : « يرتد » و« يرتدد » ، أو بحسب النحو ، مثل : « لا يقبل منها » بالتاء والياء ، وما يسري إلى المعنى ولم يخل بالمقصود مثل : « الريح » و« الرياح » للجنس والجمع ، فإنّ في أمثال هذه موسَّع علينا القراءات المعروفة ، وعليه يحمل ما ورد عنهم من اختلاف القراءة في كلمة واحدة ، وما ورد أيضاً من تصويبهم القرائتين جميعاً ، أو يحمل على أنّهم عليهم السلام لمّا لم يتمكّنوا أن يحملوا الناس على القراءة الصحيحة جوّزوا القراءة بغيرها ، كما اُشير إليه بقولهم عليهم السلام : « اقرؤوا كما تعلّمتم فسيجيئكم من يعلّمكم » ، وذلك كما جوّزوا قراءة أصل القرآن كما هو عند الناس ، دون ما هو محفوظ عندهم ، وعلى التقديرين نحن في سعة منها جميعاً .
وقد اشتهر بين الفقهاء وجوب التزام عدم الخروج عن القراءات السبع أو العشر المعروفة ؛ لتواترها وشذوذ غيرها ، والحقّ أنّ المتواتر من القرآن اليوم ليس إلّا القدر المشترك بين القراءات جميعاً دون خصوص آحادها ؛ إذ المقطوع به ليس إلّا ذاك ، فإنّ التواتر لا يشتبه بغيره‏۴ ، انتهى المقصود من كلامه .

1.الخصال ، ج ۲ ، ص ۳۵۸ ، ح‏۴۴ ؛ وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۶ ، ص ۱۶۴ ، ح‏۷۶۳۵ ؛ وبحار الأنوار ، ج ۸۲ ، ص ۶۵ ، ح‏۵۵ .

2.ص ( ۳۸ ) : ۳۹ .

3.في الكافي : « فذكرنا فضل القرآن » .

4.الصافي ، ج ۱ ، ص ۵۹ - ۶۲ .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10780
صفحه از 719
پرینت  ارسال به