[التوفيق بين الأخبار]
إذا عرفت هذا فاعلم إنّه يمكن التوفيق بين الأخبار بحمل أخبار الأوّلة على اعتقاد التأثير ، وهذه على اعتقاد أنّها أسباب مسخّرة ، وأنّ المؤثّر هو اللَّه تعالى ، أو تحمل الأوّلة على ما إذا أخبر بها على سبيل البتّ والقطع ، وهذه على ما لم يكن كذلك ، أو تحمل الأخبار الأخيرة على التعلّم لمعرفة قدر سير الكواكب وبُعده وأحواله ، من التربيع والتسديس ونحوهما ، فإنّه لا بأس به ، وبهذا صرّح العلّامة رحمة اللَّه عليه في المنتهى والقواعد وغيرهما۱ .
قال الشهيد في الدروس :
ويحرم اعتقاد تأثير النجوم مستقلّة أو بالشركة والاخبار عن الكائنات بسببها ، ولو أخبر بجريان عادة اللَّه تعالى بأنّه يفعل كذا عند كذا لم يحرم وإن كره ، على أنّ العادة فيها لا تطّرد إلّا فيما قلّ ، وأمّا علم النجوم فقد حرّمه بعض الأصحاب ، ولعلّه لما فيه من التعرّض للمحظور من اعتقاد التأثير أو لأنّ أحكامه تخمينيّة ، وأمّا علم هيئة الأفلاك فليس حراماً ، بل ربّما كان مستحبّاً ؛ لما فيه من الاطّلاع على حكم اللَّه تعالى۲ .
وقال البهائيّ رحمة اللَّه عليه :
ما يدّعيه المنجّمون من ارتباط بعض الحوادث السفليّة بالأجرام العلويّة ، إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلّة المؤثّرة في تلك الحوادث بالاستقلال أو أنّها شريكة في التأثير ، فهذا لا يحلّ للمسلم اعتقاده ، وعلم النجوم المبتني على هذا كفرٌ والعياذ باللَّه ، وعلى هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير عن علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحّته . وإن قالوا : إنّ اتّصال تلك الأجرام وما يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض حوادث هذا العلم ممّا يوجده اللَّه سبحانه بقدرته وإرادته ، كما أنّ حركات النبض واختلافات أوضاعه علامات يستدلّ بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحّة أو اشتداد المرض ونحو ذلك ، وكما يستدلّ باختلاج بعض الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة ، فهذا لا مانع منه ولا حرج في اعتقاده ، وما روي من صحّة علم النجوم وجواز تعلّمه محمول على هذا المعنى۳ .
وقال المحقّق الكاشاني في المفاتيح :
ومنها - أي من المعاصي - الإخبار عن الغائبات على البتّ لغير نبيّ أو وصيّ ، سواء كان بالتنجيم أو الكهانة - إلى أن قال - : وإن كان الإخبار على سبيل التفاؤل من غير جزم فالظاهر جوازه ؛ لأنّ أصل هذه العلوم حقّ ، ولكن الإحاطة التامّة بها لا تتيسّر لكلّ أحد ، والحكم بها لا يوافق المصلحة ، وعليه يحمل تضعيف ابن طاوس رحمة اللَّه عليه خبر ذمّ التنجيم وتجويزه له وما رواه في ذلك۴ . انتهى .
1.منتهى المطلب ، ج۲ ، ص ۱۰۱۴ ؛ قواعد الأحكام ، ج۲ ، ص۹ ؛ تحرير الأحكام ، ج۱ ، ص۱۶۱ ؛ وج۲ ، ص۲۶۱ .
2.الدروس الشرعية ، ج ۳ ، ص ۱۶۵ .
3.لم نعثر عليه في كتبه ، ولكن نقله عن العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ، ج ۵۵ ، ص ۲۹۱ - ۲۹۲ .
4.مفاتيح الشرائع ، ج ۲ ، ص ۲۳ - ۲۴ .