« تقول بعد فراغك من صلاة الاستخارة : «اللّهمّ إنّك خلقتَ أقواماً يلجؤون إلى مطالع النجوم لأوقات حركاتهم وسكونهم وتصرّفهم وعقد وحلّ ، [وخلقتني] أبرأ إليك من اللجاء إليها ، ومن طلب الاختيارات بها ، وأتيقّن أنّك لم تُطلِع أحداً على غيبك في مواقعها ، ولم تسهّل له السبيل إلى تحصيل أفاعيلها ، وأنّك قادر على نقلها في مداراتها في سيرها عن السعود العامّة والخاصّة إلى النحوس ، ومن النحوس الشاملة والمفردة إلى السعود ؛ لأنّك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك اُمّ الكتاب ، ولأنّها خلْق من خلقك وصنع من صنعك ، وما أسعدتَ من اعتمد على مخلوق مثله وأشهد الاختيار لنفسه وهم اُولئك ، ولا أشقيتَ من اعتمد على الخالق الذي أنت هو ، لا إله إلّا أنت»۱ ، الحديث .
وفيه تصريح بكون نحوسة الكواكب وسعودها إنّما يكون لمن لم يصحّ توكّله على ربّه ولم يفوّض جميع اُموره إليه ، ومن كان كذلك واستعان بربّه خار اللَّه له في اُموره ولم يتضرّر بشيء من ذلك كما مرّ في الطيرة ، وفي بعض فقراتها ما يدلّ على أنّ العلم بأحوالها من الغيوب التي لم يطّلع عليها الخلق .
ومنها ما رواه الشيخ في الخلاف والشهيد في الذكرى والمحقّق في المعتبر والعلّامة في التذكرة عن زيد بن خالد ، قال : صلّى بنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله صلاة الصبح بالحديبيّة في أثر سماء كانت من الليل ، فلمّا انصرف الناس قال : « هل تدرون ما قال ربّكم ؟ » قالوا : اللَّه ورسوله أعلم ، قال : « إنّ ربّكم يقول : إنّ من عبادي مؤمن بي وكافر بالكواكب ، ومِن عبادي كافر بي ومؤمن بالكواكب ، فمن قال اُمطرنا بفضل اللَّه ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب ، ومَن قال اُمطرنا بنوء كذا وكذا ، فذلك كافر بي ومؤمن بالكواكب »۲ .
قال الشهيد رحمة اللَّه عليه : هذا محمول على اعتقاد مدخليّتها في التأثير۳ .
والنوء : سقوط كوكب في المغرب وطلوع رقيبه في المشرق۴ .
ومنها : ما رواه القمّيّ في تفسيره : أنّ عليّاً قرأ بهم الواقعة « وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ »۵ ، فلمّا انصرف قال : إنّي قد عرفت أنّه سيقول قائل : لِمَ قرأها ؟ لأنّي سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله يقرأها كذلك وكانوا إذا اُمطروا قالوا : اُمطرنا بنوء كذا وكذا ، فأنزل اللَّه تعالى : « وَ تَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ » »۶ .
وفيه دلالة على عدم جواز نسبة الحوادث إلى النجوم .
ومنها : ما رواه العيّاشيّ في تفسيره عن يعقوب بن شعيب ، قال : سألت أباعبداللَّه عن قوله تعالى : « وَ مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَ هُم مُّشْرِكُونَ »۷ ، قال : « كانوا يمطرون بنوء كذا وكذا ، وكانوا يأتون الكهّان فيصدّقونهم بما يقولون » .
ومنها : ما رواه الكليني عن الصادق عليه السلام قال : « كان بيني وبين رجل قسمة أرض ، وكان يتوخّى ساعة السعود فيخرج ، وأخرج أنا في ساعة النحوس فاقتسمنا ، فخرج لي خير القسمين ، فضرب الرجل يده اليمنى على اليسرى ثمّ قال : ما رأيت كاليوم قطّ ، قلت : ويل الآخر۸ ، ما ذاك ؟ قال : إنّي صاحب نجوم أخرجتك في ساعة النحوس ، وخرجت أنا في ساعة السعود ، ثمّ قسمنا فخرج لك خير القسمين ، فقلت : ألا اُحدّثك بحديث حدّثني به أبي ، قال : قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله : مَن سرّه أن يدفع اللَّه عنه نحس ليلته فليتصدّق ، فقلت : وإنّي۹افتتحت خروجي بصدقة ، فهذا خير لك من النجوم»۱۰ .
وفيه دلالة على أنّه لو كان لها نحوسة فهي تدفع بالصدقة ، وأنّه لا ينبغي مراعاتها بل ينبغي التوسّل في دفع أمثال ذلك بالدعاء والتصدّق والتوكّل على اللَّه .
هذا ، وممّا يؤيّد هذه الأخبار ما دلّ على المنع من القول بغير علم ، وما ورد من الحثّ على الدعاء والصدقة وعدم التطيّر والتفويض إلى اللَّه ، وأنّه لم ينقل عن الأئمّة مراعاة الساعات والنظرات في أعمالهم ، وما ورد في خصوص السفر والتزويج من رعاية خصوص العقرب والمحاق لا يدلّ على مراعاة جميع الساعات والنظرات في جميع الأعمال .
وروي أنّه قيل لأميرالمؤمنين عند خروجه إلى النهروان : القمر في العقرب ، فقال : « قمرنا أم قمرهم ؟ »۱۱ .
وفي الحديث النبوي من طرق الجمهور : « إذا ذكر القدر فأمسكوا ، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا »۱۲ .
وفيه أيضاً : « أخاف على اُمّتي بعدي ثلاثاً : حَيف الأئمّة ، وإيماناً بالنجوم ، وتكذيباً بالقدر »۱۳ .
هذا ما وقفت عليه من أخبار النهي والتحريم .
1.فتح الأبواب ، ص ۱۹۸ - ۱۹۹ ؛ وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۱۷ ، ص ۱۴۴ ، ح ۲۲۲۰۶ .
2.ذكرى الشيعة ، ج ۴ ، ص ۲۶۳ ؛ تذكرة الفقهاء ، ج ۴ ، ص ۲۲۳ ؛ وعن الجميع في وسائل الشيعة ، ج ۱۱ ، ص ۳۷۴ ، ح ۱۵۰۵۰ . ولم نعثر عليه في الخلاف ولا في المعتبر .
3.ذكرى الشيعة ، ج ۴ ، ص ۲۶۳ .
4.لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۱۷۵ ( نوء ) .
5.الواقعة ( ۵۶ ) : ۸۲ .
6.تفسير القمّي ، ج ۲ ، ص ۳۴۹ .
7.يوسف ( ۱۲ ) : ۱۰۶ .
8.قال الفيض الكاشاني : «لعلّ المراد بقوله عليه السلام : ويل الآخر : ويل لك اليوم الآخر ، يعني يوم القيامة ، أراد أنّ سوء هذا اليوم سهل بالإضافة إلى ذلك» . الوافي ، ج ۱۰ ، ص ۳۹۴ ، ذيل ح ۹۷۵۴ . وفي مرآة العقول ، ج ۱۶ ، ص ۱۳۰ : قاعدة العرب إذا أرادوا تعظيم المخاطب لا يخاطبونه ب « ويلك » ، بل يقولون : «ويل الآخر » .
9.في الأصل « إنّي » بدون الواو ، وما اُثبت من بعض نسخ المصدر .
10.الكافي ، ج ۴ ، ص ۶ - ۷ ، باب إنّ الصدقة تدفع البلاء ، ح ۹ .
11.شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ۱۹ ، ص ۳۷۶ .
12.مجمع الزوائد ، ج ۷ ، ص ۲۰۲ ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج ۲ ، ص ۹۶ .
13.انظر : مجمع الزوائد ، ج ۷ ، ص ۳۲۸ ؛ الفائق في غريب الحديث ، ج ۲ ، ص ۷ .