بيان
( اليدُ العُليا ) هي المعطية ، وقيل : هي المتعفّفة ، والسفلى هي السائلة ، وقيل : هي المانعة .
( الآن حمي الوطيس ) : هو كناية عن اشتداد الحرب وقيامها على ساق ، قال في النهاية :
الوطيس شبه التنّور ، وقيل : هو الضراب في الحرب ، وقيل : هو الوطي الذي يطس الناس ، أي يدقّهم . وقال الأصمعي : هو حجارة مدوّرة إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأها . ولم يسمع هذا الكلام من أحد قبل النبيّ ، وهو من فصيح الكلام ، عبّر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق۱ .
وقال في الحديث :
« لا يُلسع المؤمن من جحر مرّتين » ، وفي رواية : « لا يُلدغ » . اللدغ واللسع سواء۲ . والجحرْ - بتقديم الجيم المضمومة على المهملتين - : ثقب الحيّة ، وهو استعارة ههنا ، أي لا يؤذى المؤمن من جهة واحدة مرّتين ، فإنّه بالاُولى يعتبر .
وقال الخطّابي : يُروى بضمّ العين وكسرها ، فالضمّ على وجه الخبر ، ومعناه : أنّ المؤمن هو الكيّس الحازم الذي لا يؤتى من جهة الغفلة فينخدع مرّة بعد مرّة ، وهو لا يفطن لذلك ولا يشعر به ، والمراد به : الخداع في أمر الدين لا أمر الدنيا .
وأمّا الكسر فعلى وجه النهي ، أي لا يخدعنّ المؤمن ولا يؤتينّ من جهة الغفلة ، فيقع في مكروه ولا يشعر به ، وليكن فطناً وحذراً ، وهذا التأويل يصلح أن يكون لأمر الدين والدنيا معاً۳ .
وقال في الحديث :
« الحرب خدعة » ، يروى بفتح الخاء وضمّها مع سكون الدال ، وبضمّها مع فتح الدال ، والأوّل معناه : أنّ الحرب ينقضي أمرها بخُدعة واحدة ، من الخُداع ، أي أنّ المقاتل إذا خدع مرّة واحدة لم يكن لها إقالة ، وهو أفصح الروايات وأصحّها .
ومعنى الثاني هو : الاسم من الخداع .
ومعنى الثالث : أنّ الحرب تخدع الرجال وتمنّيهم ولا تفي لهم ، كما يقال : فلان رجل لعبة وضحكة للذي يكثر الضحك واللعب۴ .
وقال في الحديث :
« اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع » جمع بلقع وبلقعة ، وهي الأرض القفراء التي لا شيء فيها ، يريد : أنّ الحالف بها يفتقر ويذهب ما في بيته من الرزق ، وقيل : هو أن يفرّق اللَّه شمله ويغيّر عليه ما أولاه من نعمه۵ .
وقال في الحديث :
« إنّ من الشعر لَحُكماً» ، أي إنّ من الشعر كلاماً نافعاً يمنع من الجهل والسفه ، وينهى عنهما ، قيل : أراد به المواعظ والأمثال التي ينتفع بها الناس ، والحكم : العلم والفقه والقضاء بالعدل ، وهو مصدر حكم يحكم ، ويروى : « إنّ من الشعر لحكمة » وهو بمعنى الحِكَم۶ .
وقال في الحديث :
« إنّ من البيان لسحراً » ، أي منه ما يصرف قلوب السامعين وإن كان غير حقّ ، وقيل : معناه إنّ من البيان ما يكتسب به الإثم ، ما يكتسبه الساحر بسحره ، فيكون في معرض الذمّ ، ويجوز أن يكون في معرض المدح ؛ لأنّه يستمال به القلوب ويترضّى به الساخط ويستذلّ به الصعب . والسحر في كلامهم صرف الشيء عن وجهه۷ .
وقال في الحديث :
« الأرواح جنود مجنّدة » ، أي مجموعة ، كما يقال : اُلوفٌ مؤلّفة ، وقناطير مقنطرة ، ومعناه الإخبار عن مبدء كون الأرواح وتقدّمها على الأجساد ، أي أنّها خلقت أوّل خلقتها على قسمين من ائتلاف واختلاف ، كالجنود المجموعة إذا تقابلت وتواجهت . ومعنى تقابل الأرواح ما جعلها اللَّه عليه من السعادة والشقاوة والاختلاف في مبدء الخلق ، يقول : إنّ الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا ، فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه ، ولهذا ترى الخيّر يحبّ الأخيار ، والشرّير يحبّ الأشرار ويميل إليهم۸ .
والمطل تسويف قضاء الحقّ للغريم واللِي ، وقال في الحديث : « لَيُّ الواجد يُحِلُّ عقوبته وعرضه » ، أي لصاحب الدين أن يذمّه ويصفه بسوء القضاء۹ .
1.النهاية لابن الأثير ، ج ۵ ، ص ۲۰۴ ( وطس ) .
2.ويقال : اللسع ما يضرب بمؤخّره ، واللدغ ما يضرب بمقدّمه . انظر : لسان العرب ، ج ۸ ، ص ۳۱۸ ( لسع ) .
3.النهاية لابن الأثير ، ج ۴ ، ص ۲۴۸ ( لسع ) .
4.النهاية لابن الأثير ، ج ۲ ، ص ۱۴ ( خدع ) .
5.المصدر ، ج ۱ ، ص ۱۵۳ ( بلقع ) .
6.المصدر ، ج ۱ ، ص ۴۱۹ ( حكم ) .
7.المصدر ، ج ۲ ، ص ۳۴۶ ( سحر ) .
8.النهاية لابن الأثير ، ج ۱ ، ص ۳۰۵ - ۳۰۶ ( جند ) .
9.المصدر ، ج ۳ ، ص ۲۰۹ ( عرض ) .