29
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

الحديث السادس و العشرون والمائة

[معنى الخلود في الجنّة والنار]

۰.ما رويناه عن الثقة الجليل عليّ بن إبراهيم في تفسيره ، عن أبيه ، عن عليّ بن مهزيار والحسن بن محبوب ، عن النضر بن سويد ، عن درست ، عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إذا دخل أهل الجنّة الجنّة وأهل النار النار جي‏ء بالموت فيُذبح ثمّ يقال : خلود فلا موت أبداً»۱ .

بيان‏

اختلف الناس في معنى الخلود ، فالإماميّة والمعتزلة على أنّه بمعنى الثبات والدوام الذي لا ينقطع ؛ لظواهر الآيات والأخبار ، وقوله تعالى : « وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ »۲ ، فنفى الخلد عن البشر مع تحقّق العمر الطويل لبعضهم ، فالمنفيّ غير المثبت .
والمحكيّ عن الأشاعرة أنّه بمعنى الثبات المؤبّد دام أم لم يدم ، واحتجّوا بقوله تعالى : « خَلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا »۳ ، ولو كان التأبيد داخلاً في معنى الخلود لكان ذلك تكراراً ، ولذلك قيل للأحجار خوالد ، وللجزء الذي يبقى من الإنسان على حاله مادام حيّاً : خُلد ، ويستعمل أيضاً فيما لا دوام له كقولهم : وقف مخلّد .
وربّما يقال : إنّ الاشتراك والمجاز على خلاف الأصل ، ولازم‏۴ شي‏ء منهما أن يكون‏۵ موضوعاً للأعمّ ويستعمل‏۶في الأخصّ من جهة اندراجه تحت الأعمّ كإطلاق الجسم على الإنسان ، والمراد به ههنا المعنى الأخصّ ؛ لدلالة الآيات والأخبار وشهادة العقل على أنّه بمعنى الدوام الذي لا ينقطع ، وإلّا لكان خوف الانقطاع ينغّص عليهم تلك النعمة ، وكلّما كانت النعمة أعظم كان خوف انقطاعها أشدّ ، فيلزم أن لا ينفكّ أهل الثواب البتّة عن الغمّ والحسرة والجهل بسوء العاقبة أو عدمها ، وهو غير جائز ؛ لأنّ الدار دار اليقين لا دار الشكّ والتخمين فضلاً عن اعتقاد خلاف الحقّ .
واعترض ههنا بأنّ الأبدان مركّبة من أجزاء متضادّة الكيفيّة ، معرّضة للاستحالات والانقلابات المؤدّية إلى الانفكاك والانحلال ، فكيف يعقل خلودها في النيران أو الجنان ؟
واُجيب بأنّه تعالى يعيدها بحيث لا يعتريها الاستحالة ولا يعتورها الفساد بأن يجعل أجزاءها متقاربة في الكيفيّة متساوية في القوّة ، لا يقوى شي‏ء منها على إحالة الآخر ، متعانقة لا ينفكّ بعضها عن بعض كما يشاهد في بعض المعادن .
وأورد عليه الفاضل العارف الشيرازيّ :
إنّ تجويز كون الأجزاء العنصريّة غير قابلة للاستحالة والانقلاب خروج بها عن طبايعها الأصليّة ، واستحكامها في المزاج - كبعض المعدنيّات - لا يفيد التأبيد ، والتساوي في الكيفيّة والقوّة بحسب الاعتدال الحقيقيّ - على تقدير إمكانه وحدوثه - ممّا يحيل بقاءها أبداً ؛ لتناهي الأفاعيل والانفعالات والقوى الجسمانيّة كما برهن عليه في محلّه ، سيّما والجواهر الطبيعيّة المادّيّة كلّها لازمة السيلان والتجدّد ، غير منفكّة عن الانتقال والحدثان في كلّ آن بحسب جوهرها وطبيعتها كما في قوله : « وَ تَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَ هِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ »۷ ، نعم ، يمكن دوامها من جهة الإمداد العلويّ والإيجاد الفاعليّ إمداداً بعد إمداد وإيجاداً بعد إيجاد .
فالحقّ أنّ الحافظ للمزاج أيضاً والمديم لأجزاء المركّب عن التبدّد والتفرّق ليس صور تلك الأجزاء ؛ لأنّها متداعية إلى الانفكاك مقتضية للحركة إلى أحيازها الطبيعيّة ، وإنّما هي مجبورة بقسر قاسر وجبر جابر سلّطه اللَّه عليها يجبرها على الالتئام يمنعها عن الافتراق والانهزام ، وهي صورة أو نفس أو ملك جسمانيّ متعلّق بها حافظ لها ومبقٍ إيّاها لا بالعدد بل بالنوع ، ونوعيّتها وتجدّدها العدديّ لا ينافي شخصيّة المركّب وبقاءه بالصورة ؛ لأنّ مناط الشخصيّة بالصورة لا بالمادّة ، فالحيوان - مثلاً - بدنه في التحلّل والذوبان لعكوف الحرارة الغريزيّة والغريبيّة ، ونار الطبيعة على تحليلها وإذابتها ما دامت حياته ، ومع ذلك شخصيّته باقية تلك المدّة بالصورة الحيوانيّة ، وهي نفسه أو أمر آخر ، لكن الفاعل المديم إن كان أمراً قائماً بالجسم في وجوده أو في فاعليّته فلا يمكن دوامه بالشخص ، وإلّا فيمكن دوامه بالشخص ، ولهذا يجب الحشر فيما يحتمل البقاء من النفوس .
فالصواب أن يقال في كيفيّة بقاء الأبدان الاُخرويّة وصيرورة هذه تلك مع انحفاظ الشخصيّة بالعدد : أنّ العبرة في ذلك بالنفس لا بالبدن ، فالنفس باقية حافظة للبدن ، أمّا في الدنيا فبإيراد البدل عليه لانضياف الأجسام الغذائيّة إليه ، وأمّا في الآخرة فبإنشاء النشأة الآخرة بمجرّد التصوّرات والجهات الفاعليّة ؛ لأنّ إنشاء الجسم وتصويرها لا عن مادّة وحركة ، بل بمجرّد التصوّر من ديدن القوى المجرّدة ، فإنّ وجود الأفلاك عن مباديها من الملائكة الفعّالة بإذن اللَّه من هذا القبيل ، وكذا الحكم فيما تخطره نفس الإنسان في عالم باطنه وغيبه من الأجسام العظيمة والأشكال العجيبة التي لم تعهد من هذه الأجساد ، والبساتين النزهة التي لم يخلق مثلها في البلاد ، فإنّها جميعاً حصلت من جانب الفاعل بلا مشاركة القابل ، وقياس اُمور الآخرة وأحوالها على ما يجده الإنسان ويشاهده من هذا العالم من نقص العقل وقصور الحمكة وضعف البصيرة۸ . انتهى كلامه .

1.تفسير القمّيّ ، ج ۲ ، ص ۲۲۳ ؛ بحار الأنوار ، ج ۸ ، ص ۳۴۷ ح ۶ .

2.الأنبياء ( ۲۱ ) : ۳۴ .

3.النساء ( ۴ ) : ۵۷ .

4.في المصدر : « ولا يلزم » بدل « ولازم » .

5.في المصدر : « إذا كان » بدل « أن يكون » .

6.في المصدر : « فاستعمل » . انظر : تفسير القرآن الكريم لصدر الدين الشيرازي ، ج ۲ ، ص ۱۸۹ .

7.النمل ( ۲۷ ) : ۸۸ .

8.تفسير القرآن الكريم لصدر الدين الشيرازي ، ج ۲ ، ص ۱۸۸ - ۱۹۱ .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
28
  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10562
صفحه از 719
پرینت  ارسال به