الحديث الخامس والعشرون والمائتان
[عرض الأعمال على النبي والأئمّة في أيّام خاصّة]
۰.ما رويناه عن الصدوق في العيون في علل الفضل بن شاذان التي أسندها إلى الرضا عليه السلام قال : « فإن قال : فلم جُعل أوّلُ خميسٍ في العشر الأوّل ، وآخر خميس في العشر الآخر ، وأربعاء في العشر الأوسط ؟ قيل : أمّا الخميس فإنّه قال الصادق عليه السلام : يعرض كلّ خميس أعمال العباد على اللَّه تعالى ، فأحبّ أن يعرض عمل العبد على اللَّه وهو صائم ، فإن قيل : فلم جعل آخر خميس ؟ قيل : لأنّه إذا عرض عمل العبد ثمانية أيّام والعبد صائم كان أشرف وأفضل من أن يعرض عمل يومين ، وإنّما جعل أربعاء في العشر الأوسط لأنّ الصادق عليه السلام أخبر : أنّ اللَّه عزّ وجلّ خلق النار في ذلك اليوم ، وفيه أهلك القرون الاُولى ، وهو يوم نحس مستمرّ ، فاُحبّ أن يدفع العبد عن نفسه نحس ذلك اليوم بصومه »۱ . انتهى .
وفي بعض النسخ بدل قوله « ثمانية أيّام » : « ثلاثة أيّام »۲ .
وحكى المحقّق السيّد عبداللَّه الشوشتري عن المحقّق المجلسي رحمة اللَّه عليه أنّه قال :
وعلى التقديرين يشكل فهمه :
أمّا على الأوّل فوجّه بوجهين :
الأوّل : أن يقال : العرض غير مختصّ بعمل الاُسبوع ، بل يعرض عمل ما مرّ من الشهر في كلّ خميس ، وإذا لم يكن في العشر الآخر خميسان فليس مورد هذه العلّة ، وإذا كان فيه خميسان ففيه ثلاث احتمالات :
الأوّل : أن يكون الخميس الأوّل : الحادي والعشرين ، والخميس الثاني : الثامن والعشرين .
الثاني : أن يكون الخميس الثاني : التاسع والعشرين .
الثالث : أن يكون الخميس الثاني : الثلاثين .
وهذا الأخير أيضاً ليس بداخل في المعروض ؛ لأنّ المعروض هو ما علم دخول خميسين فيه أوّلاً ، وههنا غير معلوم ؛ لاحتمال أن يكون للشهر سلخ ، فبقي الاحتمالان الأوّلان .
وفي الثاني منهما يكون استيعاب الخميس الأوّل لأعمال الشهر أكثر كالثاني فلذا خصّه بالذكر ، فنقول : دخول أعمال الشهر إلى العشرين معلوم فيهما ، فأمّا بعده فما يدخل في عرض الخميس الأوّل منه يومان ، أي يوم وبعض يوم ، ويدخل في الثاني زائداً على هذا ثمانية أيّام ، أي سبعة أيّام وبعض يوم ، فبعض الخميس الأوّل حسب من اليومين ، وبعضه من الثمانية ، فالمراد بقوله : «إذا عرض على ثمانية أيّام» أي زائداً على ما سيأتي من اليومين وعلى ما هو المعلوم دخوله فيهما من العشرين . على أنّه يحتمل أن يكون المعروض في الخميس عمل العشر ، فلا يحتاج إلى إضافة العشرين .
ويمكن أن يقال : أخذ في الخميس الأوّل أكثر محتملاته وفي الخميس الثاني أقلّ محتملاته استظهاراً وتأكيداً ؛ إذ على ما قرّرنا أكثر محتملات الخميس الأوّل أن يدخل فيه عرض عمل يومين من العشر بأن يكون في الثانيوالعشرين ، وأقلّ محتملات الثاني أن يدخل فيه ثمانية بأن يكون الأوّل في الحادي والعشرين ، وعلى هذا يندفع ويرتفع أكثر التكلّفات .
الثاني : أن يكون المعروض في الخميس على الاُسبوع فقط ، لكن لما خصّ كلّ عشر بصوم يوم كان الأنسب أن يكون ما يعرض في خميس العشر الآخر أكثر استيعاباً لأيّامه ، فإذا عرض في الخميس الثاني يستوعب ثمانية أيّام من ذلك العشر على كلّ احتمال من احتمالاته ، فيكون الأولى بالصوم .
وأمّا على الثاني فيمكن توجيهه أيضاً بوجهين :
الأوّل : أنّه إذا لزمه صوم الخميس الثاني ففي بعض الشهور - أي ما يكون سلخه الخميس - يلزمه احتياطاً صوم خميسين ، كما ورد في أخبار اُخر ، فيعرض عمله في ثلاثة أيّام وهو صائم في بعض الأحيان ، بخلاف ما إذا كان المستحبّ صوم الخميس الأوّل من العشر الآخر ، فإنّه يكون دائماً عرض العمل في الشهر في يومين وهو صائم .
الثاني : أن يكون المقصود من السؤال بيان علّة جعل الخميس الثاني بعد الأربعاء ، سواءاً كان في العشر الوسط أو في العشر الأخير ، وسواء كان الخميس الأوّل من العشر الأخير أو الثاني منه ، فالمراد بالجواب أنّه إنّما جعل هذا الخميس بعد الأربعاء ؛ لأنّه يعرض فيه ثلاثة أيّام في هذا الشهر ، مع أنّه يكون في يوم العرض صائماً أيضاً ، وعلى التقادير لا يخلو من تكلّف۳ . انتهى كلامه رحمة اللَّه عليه .
وقال المحدّث الحرّ في الفوائد الطوسيّة :
وجه الأوّل - يعني نسخة الثمانية أيّام - أنّه قد ورد في أحاديث كثيرة أنّ الأعمال تعرض كلّ خميس ، وبذلك ينحلّ الإشكال ؛ لأنّه روي أنّ عمل الصائم متقبّل مرفوع ، فلو لم يؤمر بالصوم يوم الخميس لزم الأمر به يوم الأربعاء أو يوماً آخر قبله إلى يوم الجمعة ، فإذا صام يوم الجمعة عرض عمله يومين : يوم الخميس ويوم الجمعة ؛ لأنّه لابدّ من عرض الأعمال الواقعة يوم الخميس بعد العرض ، ولم يرد أنّ العرض يقع في آخر الخميس ، فلعلّه يقع في أوّله أو في أثنائه ، وإذا صام السبت لزم عرض ثلاثة أيّام ، أو الأحّد فأربعة ، وهكذا ، فإذا صام الخميس عرض عمل ثمانية أيّام وهو صائم ، وهو أشرف الصور المفروضة ، وإنّما ذكر اليومين لأنّه الفرد الأخفى وأخسّ المراتب ، فمقتضى الحال الجمع بين الأعلى والأدنى ، فإنّ نهاية العرض ثمانية أيّام وأقلّه يومان .
ووجه الثاني : ما روي أنّ الأعمال تعرض يوم الخميس ويوم الإثنين ويوم الصوم ، فإذا صام الخميس عرض عمل ثلاثة أيّام وهو صائم الإثنين والثلاثاء والأربعاء ، أو يترك الإثنين ويكون عرضه الخميس بنوع من التوجيه ، فإذا اُمر بالصوم يوماً آخر فأقلّ المراتب عرض عمل يومين وهو صائم ، واللَّه أعلم .
ثمّ قال : ولا منافاة بين ظواهر الأخبار حيث روي العرض يوم الخميس ويوم الإثنين وكلّ يوم وكلّ جمعة ، وروي ليلة القدر ، وروي في شهر رمضان ، وروي يوم الصوم ؛ لاحتمال تعدّد العرض وتكراره وكون العرض تارة إجمالاً واُخرى تفصيلاً ، أو تارة على اللَّه تعالى وتارة على النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وتارة على الأئمّة عليهم السلام وتارة على المقرّبين من الملائكة ، أو يخصّ كلّ نوع بعرض۴ . انتهى .
وربّما وجّهه بعضهم على النسخة الأخيرة بتوجيه آخر ، وهو : أنّ قوله عليه السلام : « أمّا الخميس فإنّه قال الصادق . . . » ليس التعليل فيه - كما قيل - للأوّليّة والآخريّة ، ولاوسط ، بل لكون الثلاثة أيّام التي يستحبّ صومها في أوّل الشهر ووسطه وآخره خميساً وأربعاء وخميساً ، فالخميس الأوّل ليعرض العمل وهو صائم ، والأربعاء لما ذكر ، وصوم خميس آخر في آخر الشهر مع أنّه حصل صوم الخميس في أوّله ؛ لأنّ عمل الشهر إذا عرض وفيه صوم ثلاثة أيّام كان أشرف وأفضل من أن يعرض وفيه صوم يومين ، وهما الخميس الأوّل والأربعاء ، فمعنى « فلم جعل آخر خميس ؟ » فلم يُصم مع اليومين يوماً آخر ؟ واللَّه العالم .
1.عيون الأخبار ، ج ۲ ، ص ۱۱۷ ؛ علل الشرائع ، ج ۱ ، ص ۲۷۲ ، ضمن ح ۹ ؛ وعنهما في بحار الأنوار ، ج ۶ ، ص ۸۲ ، ضمن ح۱ ؛ وج ۹۴ ، ص ۹۲ ، ح۱ .
2.بحار الأنوار ، ج ۶ ، ص ۹۱ .
3.بحار الأنوار ، ج ۶ ، ص ۹۲ - ۹۳ . ولم نعثر على حكاية المحقّق الشوشتري .
4.الفوائد الطوسية ، ص ۳۵۶ - ۳۵۷ .