تبصرة [حكم النذرين المتعارضين]
إذا نذرت هند أنّه إذا تزوّجها زيد فعليها صوم كلّ خميس ، ونذر زيد إن تزوّجها فعليه أن يطأها كلّ خميس ، واتّفق التزويج ، كيف الحكم في ذلك ؟ وهذه المسألة لم يعلم حكمها من جهة النصّ والفتوى ، ولم يتعرّض لها الأصحاب ، فينبغي في مثلها التوقّف ، وقد احتمل بعض محقّقي متأخّري المتأخّرين۱ فيها احتمالات :
أحدها : ترجيح نذر الزوج لقوّة جانبه ؛ لظاهر قوله تعالى : « الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ »۲ ، وقوله تعالى : « وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ »۳ ؛ وعملاً بما يدلّ على أنّ للزوج الاستمتاع بالوطي متى شاء ، خرج منه ما خرج بدليل قطعيّ فبقي الباقي ، فإنّ العام المخصّص حجّةٌ في الباقي عند محقّقي الاُصوليّين .
ثمّ إنّه يحتمل وجهين :
أحدهما : إلغاء نذر الزوجة بمجرّد دخولها في حبالة الزوج ، سواءاً كان الزوج موفياً بنذره أم حانثاً .
وثانيهما : بقاء نذرها مراعى باختيار الزوج ، فإن اختار الوفاء بنذره سقط نذرها ، وإن اختار الحنث وجبت عليه الكفّارة ووجب عليها الوفاء بنذرها ؛ وذلك لأنّ المقتضي لسقوط نذرها رعاية حقّ الزوج ترجيحاً لحقّ الآدمي ، فيتوقّف على مطالبته ، وعلى الوجهين يحتمل سقوط الكفّارة عنها ؛ لأنّها لم تخرج عن نذرها باختيار ، فلا ذنب لها في ذلك فلا كفّارة .
ويحتمل وجوب الكفّارة ؛ لأنّها جعلت نذرها في معرض الحنث بسبب التزويج المقتضي لارتفاع حكم النذر باختيار منها ، فكان كما لو حنثت بالاختيار خصوصاً إذا كانت قبل العقد عالمة بنذر الزوج .
واُورد عليه : أنّ هذا النذر لا يستقرّ عليها إلّا بالتزويج ؛ لتعليقه عليه كما هو المفروض ، فلو كان التزويج سبباً لارتفاع حكمه لزم أن يكون سبباً لوجوب المنذور وعدم وجوبه ، ولا ريب أنّ الشيء الواحد لا يعقل أن يكون سبباً لوجود شيء ولعدمه ، كما لا يخفى ، وهذا الكلام يجري في بعض الاحتمالات الآتية .
الثاني : ترجيح نذر الزوجة ؛ لأنّ متعلّق نذرها - وهو الصوم - أدخل في باب العبادات وأقوى في جهة القربة من متعلّق نذره ، وهو الوطئ ، فكان الأولى بالمحافظة والترجيح ، إلّا أن يقال : إنّ مجرّد دخول الوطئ في باب العبادة كاف ، وضعفه في هذا الباب ينجبر بقوّة جانب الناذر ، وأيضاً الأعمال بالنيّات ، فيمكن أن يفرض في نذر الوطئ وجوه من المصالح الدينيّة والأغراض الشرعيّة ، يزداد بذلك ثوابه على نذر الصوم أضعافاً مضاعفة .
الثالث : ترجيح المتقدّم من النذرين سواءاً كان نذر الزوج أو الزوجة وإلغاء المتأخّر ؛ لأنّ المتقدّم إن كان نذر الزوجة فهو نذر واقع من أهله في محلّه ، ولم تكن إذ ذاك زوجة حتّى يقال يتوقّف نذرها على إذن زوجها ، بل كانت خليّة مالكة لأمرها ، فوقع نذر الزوج بعد ذلك في غير محلّه ، نظير ما لو نذر أن يصوم غداً فانكشف كونه يوم عيد ، بناءاً على القول ببطلان هذا النذر فيلغو .
وإن كان المتقدّم نذر الزوج فكذلك أيضاً إذا ظهر وخصوصاً إذا كان النذر المتأخّر مسبوقاً بالعلم بالنذر المتقدّم ، فإنّه يشبه نذر صوم يوم الغد مع العلم بكونه عيداً كما لا يخفى ، ولا كفّارة على الوجهين ، كما لا كفّارة على ناذر صوم الغد المنكشف أو المعلوم كونه عيداً قطعاً .
هذا إن علم ترتيب النذرين ، وإن جهل فالمتّجه القرعة مع العلم بعدم المقارنة أو عدم العلم بها ، وفي صورة العلم بالمقارنة أو احتمالها إشكال ، وإن كان الأمر في الثانية أيسر لندوره ، فتأمّل .
الرابع : أنّه إن كان الزوج عالماً قبل العقد بنذر الزوجة وجب عليه الكفّ عنها يوم الخميس لتفي بنذرها ، وعليه الكفّارة عن نذره ؛ لأنّ إقدامه على العقد على ناذرة يوم الخميس يجري مجرى اشتراط عدم إتيانها يوم الخميس ، فتخصيص العمومات الدالّة على أنّ للزوج الاستمتاع بالوطي متى شاء بالاشتراط ، كما لو شرط الإتيان ليلاً أو نهاراً ، فإنّه تخصيص لزمان الاستمتاع أيضاً بالشرط ، ويجب العمل به ، كما وردت بذلك الروايات وإن خصّه الأكثر بالمنقطع ، وكما لو شرط أن لا يخرجها من بلدها ، فإنّه تخصيص لمكان الاستمتاع بالشرط ، وقد وردت الرواية الصحيحة بوجوب الوفاء بذلك ، وأفتى به كثير من المحقّقين ، فتخصّص به العمومات الدالّة على أنّ له الاستمتاع أين شاء ولو على ظهر قتب .
وإن لم يعلم به إلّا بعد العقد فالحكم ما تقدّم في الاحتمالات السابقة .
الخامس : وجوب الوفاء بالنذرين جمعاً بين الحقّين ، فعليها صوم اليوم المنذور ، وعليه وطؤها في الدبر ، لكنّه يتوقّف على ثبوت مقدّمات ثلاث : جواز الوطي في الدبر كما هو المشهور ، وصدق الوطي بالوطي في الدبر كما هو المشهور أيضاً ، لاسيّما إذا كان ذلك في نيّته عند النذر ، وعدم بطلان صومها بذلك كما قاله بعضهم ، ويدلّ عليه بعض الروايات ، هذا ويحتمل في ضمن الصور وجوب الكفّارة عن الزوجة على الزوج ، ويمكن تخريج وجوه اُخرى غير هذه ، واللَّه العالم .