الحديث الثالث والمائتان
[هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته ؟]
۰.ما رويناه عن الصدوق في الإكمال بإسناده عن جابر الأنصاري : أنّه سأل النبيّ صلى اللَّه عليه وآله : هل ينتفع الشيعة بالقائم في غيبته ؟ فقال : « أي والذي بعثني بالنبوّة ، إنّهم لينتفعون به ويستضيؤون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن جلّلها السحاب » ، الحديث۱ .
بيان
قال العلّامة المجلسيّ رحمة اللَّه عليه : هذا التشبيه يؤمي إلى اُمور :
الأوّل : أنّ نور الوجود والعلم والهداية يصل إلى الخلق بتوسّطه ؛ إذ ثبت أنّهم العلّة الغائيّة لإيجاد الخلق كما تنكشف الأشياء بتوسّط الشمس .
الثاني : كما أنّ الشمس محجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ، ينتظرون في كلّ آنٍ انكشاف السحاب عنها وظهورها ليكون انتفاعهم بها أكثر ، فكذلك في أيّام غيبته ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كلّ وقت وزمان ولا ييأسون منه .
الثالث : أنّ منكر وجوده مع وفور ظهور آثاره كمنكر وجود الشمس إذا غيّبها السحاب عن الأبصار .
الرابع : أنّ الشمس قد تكون غائبة في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب ، فكذلك غيبته أصلح لهم في تلك الأزمان فلذا غاب عنهم .
الخامس : أنّ الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة من السحاب ، وربّما عمي بالنظر إليها ؛ لضعف الباصرة عن الإحاطة بها ، فكذلك شمس ذاته المقدّسة ربّما يكون ظهورها أضرّ لبصائرهم وسبباً لعماهم عن الحق ، وتحتمل بصائرهم الإيمان به في غيبته كما ينظر الإنسان إلى الشمس تحت السحاب ولا يتضرّر بذلك .
السادس : أنّ الشمس قد تخرج من السحاب وينظر إليها واحد دون واحد فكذلك يمكن أن يظهر في أيّام غيبته لبعض الخلق دون بعض .
السابع : أنّهم عليهم السلام كالشمس في عموم النفع وإنّما لا ينتفع بهم من كان أعمى كما فسّر به الأخبار قوله تعالى : « وَ مَن كَانَ فِى هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِى الْأَخِرَةِ أَعْمَى وَ أَضَلُّ سَبِيلاً »۲ .
الثامن : كما أنّ الشمس شعاعها يدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن والشبابيك ، وبقدر ما يرتفع منها من الموانع ، فكذلك الخلق إنّما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون الموانع من حواسّهم ومشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسانيّة والعلائق الجسمانيّة ، وبقدر ما يرفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانيّة إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب۳ ، انتهى كلامه رفع مقامه .