23
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

تذييل [ وجه إعجاز القرآن ]

قد اختلف الناس في وجه إعجاز القرآن ، فالجمهور على أنّه لأجل كونه في أعلى طبقة من الفصاحة وأقصى درجة البلاغة على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم ، وعلماء الفرق بمهارتهم في البيان وإحاطتهم بأساليب الكلام ، مع اشتماله على ما تقدّم من الإخبار بالمغيّبات والحكم والأسرار وغير ذلك .
وذهب جمع من المعتزلة والسيّد المرتضى‏۱ منّا إلى أنّ إعجازه بالصرفة ، يعني أنّ اللَّه سبحانه صرف فهم المتحدّين عن معارضته ، مع اقتدارهم عليها ، وذلك إمّا بسلب قدرتهم ، أو صرف دواعيهم ، أو سلب العلوم التي لابدّ منها في الإتيان بمثل القرآن ، بمعنى أنّها لم تكن حاصلة لهم ، أو أنّها كانت كاملة حاصلة فأزالها اللَّه ، والأخير هو المختار عند المرتضى ، واحتجّوا على ذلك بوجهين :
أحدهما : أنّا نقطع بأنّ فصحاء العرب كانوا قادرين على التكلّم بمثل مفردات السورة ومركّباتها القصيرة ، مثل : « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِ‏ّ الْعَلَمِينَ » ، وهكذا إلى الآخر ، فيكونون قادرين على الإتيان بمثل السورة .
وثانيهما : أنّ الصحابة عند جمع القرآن ، كانوا يتوقّفون في بعض السور والآيات إلى أن تشهد الثقات بأنّها من القرآن وكان ابن مسعود قد بقي متردّداً في الفاتحة والمعوّذتين‏۲ ولو كان نظم القرآن معجزاً بفصاحته لكان كافياً بالشهادة .
واُجيب عن الأوّل بأنّ حكم الجملة قد يخالف حكم الأجزاء ، وهذه بعينها شبهة من نفى قطعيّة الإجماع والخبر المتواتر ، ولو صحّ ما ذكر لكان كلّ من آحاد العرب قادراً على الإتيان بمثل قصائد فصحائهم كإمرئ القيس وأضرابه ، واللازم قطعيّ البطلان .
وعن الثاني : - بعد صحّة الرواية وكون الجمع بعد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله لا في زمانه ، وكون كلّ سورة مستقلّة بالإعجاز - أنّ ذلك بعد تسليمه كان للاحتياط والاحتراز عن أدنى تغيير لا يخلّ بالإعجاز ، وأنّ إعجاز كلّ سورة ليس ممّا يظهر لكلّ أحد بحيث لا يبقى له تردّد أصلاً .۳

1.رسائل المرتضى ، ج ۱ ، ص ۳۴۷ - ۳۴۸ .

2.راجع : الإتقان ، ج ۱ ، ص ۲۲۴ ، وفيه بعد ذكر تأليف مصحف ابن مسعود : وليس فيه الحمد ولا المعوّذتان .

3.تفسير القرآن الكريم لصدر الدين الشيرازي، ج ۲ ، ص ۱۲۷ - ۱۲۸ .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
22

تبصرة[ إعجاز القرآن ]

لا ريب في كون القرآن الكريم والفرقان الحكيم معجزاً باقياً مدى الدهر ، وليس لنبيّ معجز باق سواه ؛ إذ تحدّى به بلغاء الخلق وفصحاء العرب ، وجزائر العرب يومئذٍ مملوّة بالآلاف منهم ، والفصاحة صنعتهم ، وبها مباهاتهم ومنافستهم ، وكان ينادي بين أظهرهم مرّة بعد اُخرى وكرّة بعد اُولى على أن يأتوا بمثله أو بعشر سورٍ مثله أو بسورة مثله إن شكّوا فيه ، وقال معلناً لهم : « قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَ الْجِنُّ عَلَى‏ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا »۱ ، فعجزوا عن ذلك حتّى عرضوا أنفسهم للقتل ونساءهم وذراريهم للسبي ، وما استطاعوا أن يعارضوا ولا أن يقدحوا في جزالته وحسنه ، وكان ذلك من أهمّ الأشياء عندهم ، فاعترفوا بالعجز والقصور ، وأنّه خارج عن المقدور ، واختاروا المحاربة بالأسنّة والسيوف ، على المعارضة بالكلمات والحروف ، ورضوا بإعطاء الجزية والذلّ والهوان ، ولو قدروا على ذلك لأتوا به يقيناً ولم يعرّضوا أنفسهم لهذه الأهوال العظيمة والشدائد الجسيمة ، مع كثرة الفصحاء والبلغاء فيهم .
ولمّا سمع الوليد بن المغيرة من النبيّ صلى اللَّه عليه وآله : « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسَنِ »۲قال : واللَّه ، إنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أسفله لمغدق ، وإنّ أعلاه لمثمر ، ما يقول هذا بشر .۳
وحكى الأصمعيّ أنّه سمع كلام جارية فقال : قاتلك اللَّه ما أفصحك ، فقالت : ما ترك كتاب اللَّه لأحد فصاحة ، ولقد سمعت منه آية وهي قوله تعالى : « وَأَوْحَيْنَآ إِلَى‏ أُمِ‏ّ مُوسَى‏ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِ‏ّ وَ لَا تَخَافِى وَ لَا تَحْزَنِى إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَ جَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ »۴ فجمع في آية بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين .۵
هذا كلّه مع غرابة الاُسلوب وأُعجوب النظم حتّى قال الكفّار : « إِنْ هَذَآ إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ »۶ مع اشتماله على العلوم والأسرار ، والمعارف والأنوار ، وتضمّنه جوامع الكلم ولوامع الحكم الذي تعجز العقول عن إدراكها مع عدم الاختلاف « وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَفًا كَثِيرًا »۷ فإنّه لا يصدر من البشر كلام بهذا الطول خال من التناقض ، وإذا تكلّم أفصح الفصحاء بكلام طويل رأيت كلامه في غايه الاختلاف في الفصاحة ، والقرآن لا اختلاف في فصاحته وبلاغته مع تضمّنه كمال معرفة اللَّه ممّا عجزت عنه عقول الحكماء ، واشتماله على الآداب القويمة والشرائع المستقيمة ، ونظام العباد والبلاد والمعاش والمعاد ، ورفع النزاع والفساد ، واشتماله على الإخبار بالضمائر والغيوب ، ممّا لا يطّلع عليه إلّا علّام الغيوب ، واشتماله على الوقائع المستقبلة كما هي ، من عدم إيمان أبي لهب ، وضرب الذلّة على اليهود ، وارتداد جملة من الاُمّة بعد موت النبيّ صلى اللَّه عليه وآله ، وفتح البلدان ودخول مكّة للعمرة وغير ذلك .

1.الإسراء (۱۷) : ۸۸ .

2.النحل (۱۶) : ۹۰ .

3.الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، ج ۱ ، ص ۲۶۲ .

4.القصص (۲۸) : ۷ .

5.تفسير القرطبي ، ج ۱۳ ، ص ۲۵۲ .

6.المدّثّر (۷۴) : ۲۴ .

7.النساء (۴) : ۸۲ .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10733
صفحه از 719
پرینت  ارسال به