تذييل [ وجه إعجاز القرآن ]
قد اختلف الناس في وجه إعجاز القرآن ، فالجمهور على أنّه لأجل كونه في أعلى طبقة من الفصاحة وأقصى درجة البلاغة على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم ، وعلماء الفرق بمهارتهم في البيان وإحاطتهم بأساليب الكلام ، مع اشتماله على ما تقدّم من الإخبار بالمغيّبات والحكم والأسرار وغير ذلك .
وذهب جمع من المعتزلة والسيّد المرتضى۱ منّا إلى أنّ إعجازه بالصرفة ، يعني أنّ اللَّه سبحانه صرف فهم المتحدّين عن معارضته ، مع اقتدارهم عليها ، وذلك إمّا بسلب قدرتهم ، أو صرف دواعيهم ، أو سلب العلوم التي لابدّ منها في الإتيان بمثل القرآن ، بمعنى أنّها لم تكن حاصلة لهم ، أو أنّها كانت كاملة حاصلة فأزالها اللَّه ، والأخير هو المختار عند المرتضى ، واحتجّوا على ذلك بوجهين :
أحدهما : أنّا نقطع بأنّ فصحاء العرب كانوا قادرين على التكلّم بمثل مفردات السورة ومركّباتها القصيرة ، مثل : « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ » ، وهكذا إلى الآخر ، فيكونون قادرين على الإتيان بمثل السورة .
وثانيهما : أنّ الصحابة عند جمع القرآن ، كانوا يتوقّفون في بعض السور والآيات إلى أن تشهد الثقات بأنّها من القرآن وكان ابن مسعود قد بقي متردّداً في الفاتحة والمعوّذتين۲ ولو كان نظم القرآن معجزاً بفصاحته لكان كافياً بالشهادة .
واُجيب عن الأوّل بأنّ حكم الجملة قد يخالف حكم الأجزاء ، وهذه بعينها شبهة من نفى قطعيّة الإجماع والخبر المتواتر ، ولو صحّ ما ذكر لكان كلّ من آحاد العرب قادراً على الإتيان بمثل قصائد فصحائهم كإمرئ القيس وأضرابه ، واللازم قطعيّ البطلان .
وعن الثاني : - بعد صحّة الرواية وكون الجمع بعد النبيّ صلى اللَّه عليه وآله لا في زمانه ، وكون كلّ سورة مستقلّة بالإعجاز - أنّ ذلك بعد تسليمه كان للاحتياط والاحتراز عن أدنى تغيير لا يخلّ بالإعجاز ، وأنّ إعجاز كلّ سورة ليس ممّا يظهر لكلّ أحد بحيث لا يبقى له تردّد أصلاً .۳
1.رسائل المرتضى ، ج ۱ ، ص ۳۴۷ - ۳۴۸ .
2.راجع : الإتقان ، ج ۱ ، ص ۲۲۴ ، وفيه بعد ذكر تأليف مصحف ابن مسعود : وليس فيه الحمد ولا المعوّذتان .
3.تفسير القرآن الكريم لصدر الدين الشيرازي، ج ۲ ، ص ۱۲۷ - ۱۲۸ .