الحديث السادس والتسعون والمائة
[علّة ركود الشمس]
۰.ما رويناه عن الصدوق في الفقيه عن محمّد بن مسلم : أنّه سأل أبا جعفر عليه السلام عن ركود الشمس ، فقال له : « يا محمّد ، ما أصغر جثّتك وأعضل مسألتك ، وإنّك لأهلٌ للجواب ، إنّ الشمس إذا طلعت جذبها سبعون ألف ملك بعد أن أخذ بكلّ شعاع منها خمسة آلاف من الملائكة من بين جاذب ودافع ، حتّى إذا بلغت الجوّ وجازت الكوّة۱قلّبها ملك النور ظهراً لبطن ، فصارت ممّا يلي الأرض إلى السماء ، وبلغ شعاعها نحو العرش ، فعند ذلك نادت الملائكة : سبحان اللَّه ، ولا إله إلّا اللَّه ، والحمد للَّه الذي لم يتّخذ صاحبة ولا ولداً ، ولم يكن له شريك في الملك ، ولم يكن وليّ من الذلّ وكبّره تكبيراً » .
فقال له : جعلت فداك ، اُحافظ على هذا الكلام عند زوال الشمس ؟ فقال : « نعم حافظ عليه كما تحافظ على عينيك ، فإذا زالت الشمس صارت الملائكة من ورائها يسبّحون اللَّه في فلك الجوّ إلى أن تغيب »۲ .
بيان
( ركود الشمس ) هو سكونها ، أو عدم الإحساس بحركتها عند الزوال .
وقوله عليه السلام : ( ما أصغر جثتك ) التعجّب إمّا من باب المطايبة المستحبّة ، وإمّا أن يكون إشارة إلى أنّ ابن آدم مع هذه الجثّة الصغيرة كيف يتكلّف لمعرفة المسائل المشكلة ، ويحتمل أن يكون من باب التأديب بأن لا يسعى في طلب ما لا حاجة له إليه ، وما هو بمغنى عنه ، سيّما مع وجود الأهمّ منه .
والمعضل هو الصعب ، كما ورد من طريق الجمهور من قول عمر مراراً : أعوذ باللَّه من معضلة ليس لها أبو حسن ، أراد : المسألة الصعبة .
وقوله عليه السلام : ( جذبها سبعون ألف ملك ) . لعلّ المراد بالشعاع : الأطراف ، وأنّ السبعين ألف ملك منقسمون إلى أربعة عشر طائفة ، كلّ طائفة خمسة آلاف ملك ، وهؤلاء آخذون بأطراف الشمس ، بعضهم من فوق يجذبونها ، وبعضهم من تحت يدفعونها كحجر الرحى .
وتسمية الأطراف بالشعاع باعتبار حصوله منه تسمية للحال بالمحلّ ، ويمكن أن يكون الشعاع أيضاً قابلاً لجذب الملائكة بالقوّة الروحانيّة ، ويحتمل أن يكون الملائكة الآخذون بالشعاع غير السبعين ، ويكون السبعون للجذب وهؤلاء للدفع ، ولا استبعاد في ظاهره وإن أمكن حمل السبعين الجاذبين على المحرّكين بالحركة اليوميّة من المشرق إلى المغرب ، والدافعين على المحرّكين بالحركة الحوليّة من المغرب إلى المشرق ، فإنّه لولا هذه الحركة لكانت حركة الشمس أسرع ، ودفعها فيه مصالح شتّى لا نعلمها ، ومنها حصول الفصول الأربعة والمنافع الكثيرة الحاصلة منها .
( حتّى إذا بلغت الجوّ ) ، وهو وسط السماء [ و ] منتهى ارتفاعها .
( وجازت الكوة ) ، قيل : أي خرجت عن المنافذ الشرقيّة التي في البيوت ، وخروج الشمس عبارة عن خروج شعاعها .
( قلبها ملك النور ظهراً لبطن ) : أي حرّكها بأن جعل ما يلي الأرض إلى السماء وبالعكس ، قيل : يمكن أن يكون مجازاً باعتبار أنّها لمّا كانت متحرّكة إلى سمت الرأس ، فما لم يصل إليه كان متوجّهاً إلى المغرب ظاهراً ، فإذا وصل إليه وتجاوز قليلاً عنه فكأنّما جعل خلفها إلى المشرق ، ووجهها إلى المغرب ، أو إلى سمائها وهي السماء الخامسة التي فوقها ، وهي سماء المرّيخ .
ويمكن أن يكون لها حركة التدوير أيضاً ، فإنّهم وإن لم يثبتوها لكن لم ينفوها .
( وبلغ شعاعها نحو العرش ) أي نحواً من العرش ، أو متوجّهاً إلى جانب العرش .