193
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
192

الحديث الثاني والثمانون والمائة

[زوال الشمس في أشهر السنة]

۰.ما رويناه عن الصدوق في الفقيه عن عبداللَّه بن سنان في الصحيح عن أبي عبداللَّه عليه السلام إنّه قال : « تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم ، وفي النصف من تمّوز على قدم ونصفٍ ، وفي النصف من آب على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيلول على ثلاثة أقدام ونصف ، وفي النصف من تشرين الأوّل على خمسة ونصف ، وفي النصف من تشرين الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من كانون الأوّل على تسعة ونصف ، وفي النصف من كانون الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من شباط على خمسة ونصف ، وفي النصف من آذار على ثلاثة ونصف ، وفي النصف من نيسان على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيار على قدم ونصف ، وفي النصف من حزيران على نصف قدم »۱ .

بيان‏

قوله عليه السلام : ( على نصف قدم ) أي تزول الشمس بعد ما بقي من الظلّ نصف قدم ، والقدم على المشهور سُبع الشاخص ، فإنّ الأكثر يقسّمون كلّ شاخص بسبعة أقسام ، ويسمّون كلّ قسم قدماً بناءاً على أنّ قامة الإنسان المستوي الخلقة تساوي سبعة أضعاف قدم .
قال العلّامة رحمة اللَّه عليه : الظاهر أنّ هذه الرواية مختصّة بالعراق والشام وما قاربهما۲ .
وقال الشيخ البهائيّ :
الظاهر أنّ هذا الحديث مختصّ بالعراق وما قاربها كما قاله بعض علمائنا ؛ لأنّ عرض البلاد العراقيّة يناسب ذلك ؛ لأنّ الراوي لهذا الحديث - وهو عبداللَّه بن سنان - عراقي ، فالظاهر أنّه عليه السلام بيّن علامة الزوال في بلاده‏۳ . انتهى .
وقال التقي المجلسيّ :
الظاهر أنّ هذه المقادير للكوفة وحواليها وعندنا يبقى أزيد من النصف بقليل ، وكذا البواقي . وقال : وهذا التحديد في بلدة اصبهان وحواليها تقريبيّ ، والظاهر أنّه في العراق ايضاً تقريبيّ كما قاله بعض الثقاة۴ . انتهى .
وقال ولده العلّامة في البحار بعد أن روى هذه الرواية عن الصدوق في الخصال ما لفظه :
ولنفصّل الكلام بعض التفصيل ليتّضح اشتباه بعض الأعلام في هذا المقام ، ويندفع ما يرد على هذا الخبر بعد التأمّل وفي بادي النظر ، فأمّا ما يرد عليه في بادي الرأي فهو : إنّه لا يرتاب أحد في أنّ العروض المختلفة في الآفاق المائلة لا يكاد يصحّ اتّفاقها في هذا التقدير .
والجواب : أنّه لا فساد في ذلك ؛ إذ لا يلزم أن تكون القاعدة المنقولة عنهم في تلك الاُمور عامّة شاملة لجميع البلاد والعروض والآفاق ، بل يمكن أن يكون الغرض بيان حكم بلد الخطاب أو بلد المخاطب أو غيرهما ممّا كان معهوداً بين الإمام عليه السلام وبين الراوي من البلاد التي كان عَرضها أزيد من الميل الكلّيّ ؛ إذ ما كان عرضه مساوياً للمَيل ينعدم فيه الظلّ يوماً واحداً حقيقة وبحسب الحسّ أيّاماً ، وما كان عرضه أقلّ ينعدم فيه الظلّ يومين حقيقة وأيّاماً حسّاً .
وأمّا ما يرد عليه بعد التأمّل وإمعان النظر فاُمور :
الأوّل : أنّ انقسام السنة الشمسيّة عند الروم إلى هذه الشهور الاثني عشر التي بعضها - كشباط - ثمانية وعشرون يوماً في غير الكبيسة ، وفيها تسعة وعشرون يوماً ، وبعضها - كحزيران وأيلول وتشرين الآخر ونيسان - ثلاثون يوماً ، وبعضها - كباقي الشهور - واحدٌ وثلاثون يوماً ، إنّما هو محض اصطلاح منهم لم يذكر أحد من المحصّلين وجهاً أو نكتة لهذا الاختلاف .
وما توهّم بعضهم من أنّه مبنيٌّ على اختلاف مدّة قطع الشمس من البروج الاثني عشر ظاهر البطلان ، وغير خفيّ على من تذكّر مدّة مكث الشمس في تلك البروج أنّ الأمر فيه ليس على طبقه ، كيف وكانون الأوّل الذي اعتبروه أحداً وثلاثين يوماً هو بين القوس والجَدي ، وكلّ منهما تسعة وعشرون .
إذا عرفت هذا فقد ظهر لك أنّ انتقاص الظلّ أو زيادته المبنيين على ارتفاع الشمس وانخفاضها في البروج وأجزائها لا يطابق الشهور الروميّة تحقيقاً ، ألا ترى أنّ انتقال الشمس من أوّل الحمل إلى أوّل الميزان الذي يعود فيه الظلّ إلى مثل ما كان في أوّل الحمل إنّما يكون في قريب من مائة وسبعة وثمانين يوماً ، ومن نصف أيار۵ إلى نصف أيلول الذي جعل في الرواية موافقاً للوقتين إنّما يكون في أقلّ من مائة وأربعة وثمانين يوماً ، وعلى هذا القياس .
الثاني : أنّ ظلّ الزوال يزداد من أوّل السرطان إلى أوّل الجَدي ، وينقص من أوّل الجدي إلى أوّل السرطان يوماً فيوماً ، وشهراً فشهراً على سبيل التزايد والتناقص ، بمعنى أنّ ازدياده وانتقاصه في اليوم الثاني والشهر الثاني أزيد من ازدياده وانتقاصه في اليوم الأوّل والشهر الأوّل ، وهكذا في الثالث بالنسبة إلى الثاني ، وفي الرابع بالنسبة إلى الثالث حتّى ينتهي إلى غاية الزيادة والنقصان التي هي بداية الآخر ، ومن هذا القبيل حال ازدياد الساعات وانتقاصها في أيّام السنة ولياليها ووجه الجميع ظاهر ، فيكون ازدياد الظلّ في ثلاثة أشهر قدماً وفي الثلاثة الاُخرى قدمين كما في الرواية ، خلاف ما تحكم به الدراية .
الثالث : أنّ كون نهاية انتقاص الظلّ إلى نصف قدم وغاية ازدياده إلى تسعة أقدام ونصف - كما يظهر من الرواية - إنّما يستقيم إذا كان تفاوت ارتفاع الشمس في‏الوقتين بقدر ضعف الميل الكلّيّ ، فإنّ الأوّل إنّما يكون في أوّل السرطان والثاني في أوّل الجدي ، وبُعد كلّ منهما عن المعدّل بقدر المَيل الكلّيّ ، وليس الحال كذلك ، فإنّ ارتفاع الشمس حين كون الظلّ نصف قدم يقرب من ستّ وثمانين درجة ، وحين كونه تسعة أقدام ونصفاً يقرب من ستّ وثلاثين درجة ، فالتفاوت خمسون ، وهو زائد على ضعف الميل الكلّيّ يقرب من ثلاث درجات .
الرابع : أنّ كون الظلّ نصف قدم في أوّل السرطان أو كونه تسعة أقدام ونصفاً في أوّل الجدي ليس موافقاً لاُفق من آفاق البلدان المشهورة فضلاً عمّا ينبغي أن يكون موافقاً له كالمدينة المشرّفة التي هي بلد الخطاب ، أو الكوفة التي هي بلد المخاطب ، فإنّ عرض المدينة خمسة وعشرون درجة ، وعرض الكوفة إحدى وثلاثون درجة ونصف درجة ، فارتفاع أوّل السرطان في المدينة قريب من ثمان وثمانين درجة ونصف درجة ، والظلّ حينئذٍ أنقص من خُمس قدم ، وفي الكوفة قريب من اثنتين وثمانين درجة ، والظلّ حينئذٍ أزيد من قدم وخمس قدم ، وارتفاع الجدي في المدينه قريب من إحدى وأربعين درجة ونصف درجة ، والظلّ حينئذٍ أنقص من ثمانية أقدام ، وفي الكوفة قريب من خمس وثلاثين درجة ، والظلّ حينئذٍ عشرة أقدام على ما استخرجه بعض الأفاضل في زماننا .
وبالجملة ، ما في الرواية من قدر الظلّين زائد على الواقع بالنسبة إلى المدينة وناقص بالنسبة إلى الكوفة ، وهكذا حال أكثر ما في المراتب بل كلّها عند التحقيق كما يظهر من الرجوع إلى العروض والارتفاعات والإظلال في مدوّنات هذا الفن .
ووجه التفصّي من تلك الإشكالات : أنّ بناء هذه الاُمور الحسابيّة في المحاورات على التقريب والتخمين لا التحقيق واليقين ، فإنّه لا ينفع بيان الاُمور التحقيقيّة في تلك الاُمور ؛ إذ السامع العامل بالحكم لابدّ له من أن يبني أمره على التقريب ؛ لأنّه إمّا أن يتبيّن ذلك بقامته وقدمه - كما هو الغالب - ولا يمكن تحقيق الأمر فيه بوجه ، أو بالسطوح المستوية والشواخص القائمة عليها ، وهذا ممّا يتعسّر تحصيله على أكثر الناس ، ومع إمكانه فالأمر فيه أيضاً لا محالة على التقريب ولكنّه أقرب إلى التحقيق من الأوّل .
ويمكن إيراد نكتة لهذا أيضاً وهي : أنّ فائدة معرفة الزوال إمّا معرفة أوّل وقت فضيلة الظهر ونوافلها وما يتعلّق بها المنوطة بأصل الزوال ، وإمّا معرفة آخره ، والأوّل والآخر من وقت فضيلة العصر وبعض نوافلها المنوطة بمعرفة الفي‏ء الزائد على ظلّ الزوال ، فالمقصود من التفصيل المذكور في الرواية لا ينبغي أن يكون هو الفائدة الاُولى ؛ لأنّ العلامات العامّة المعروفة كزيادة الظلّ بعد نقصانه أو ميله عن الجنوب إلى المشرق مغنية عنها دون العكس ، فإنّا إذا رأينا الظلّ في نصف حزيران - مثلاً - زائداً على نصف قدم ، أو في نصف تمّوز زائداً على قدم ونصف ، لم يتميّز به عدم دخول الوقت عن مضيّه إلّا بضمّ ما هو مغن عنه من العلامات المعروفة .
فيكون المقصود بها الفائدة الثانية وهي المحتاج إليها كثيراً ولا تفي بها العلامات المذكورة ؛ لأنّا بعد معرفة الزوال وزيادة الظلّ نحتاج لمعرفة تلك الأوقات إلى معرفة قدر الفي‏ء الزائد على ظلّ الزوال بحسب الأقدام والتمييز بينهما ، ولا يتيسّر ذلك ، لاختلافه بحسسب الأزمان إلّا بمعرفة التفصيل المذكور ؛ إذ به يعرف حينئذٍ أنّ الفي‏ء الزائد هل زاد على قدمين ففات وقت نافلة الظهر ؟ أو على أربعة أقدام ففات وقت فضيلة الظهر على قول ؟ أو على سبعة أقدام ففات وقت فضيلة الظهر ؟ أو دخل وقت فضيلة العصر على قول آخر .
فعلى هذا إن حملنا الرواية على بيان حال المدينة المشرّفة ينبغي أن توجّه المساهلة التي فيها باعتبار الزيادة على الواقع بالنسبة إليها ، بحملها على رعاية الاحتياط بالنسبة إلى أوائل الأوقات المذكورة . وإن حملناها على بيان حال الكوفة ينبغي أن توجّه المساهلة التي فيها باعتبار النقصان ، بحملها على رعاية الاحتياط بالنسبة إلى أواخرها ، وإن حملناها على معرفة أوّل الزوال - كما فهمه الأكثر - فحمله على المدينة أولى ، بل هو متعيّن ؛ إذ مع هذا المقدار من الزيادة يحصل العلم بدخول الوقت ، بخلاف ما إذا حملناه على الكوفة فإنّه مخالف للاحتياط على هذا التقدير .
ونظير هذا الاحتياط ما ورد في بعض الروايات ، نحو ما رواه الشيخ في التهذيب عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : « كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله لا يصلّي من النهار شيئاً حتّى تزول الشمس ، فإذا زال النهار قدر إصبع صلّى ثمان ركعات » ، الخبر . فإنّ الظاهر أنّ اعتبار زيادة الإصبع طولاً أو عرضاً على الاحتمالين للاحتياط في دخول الوقت . انتهى .
ثمّ قال :
قال السيّد الداماد قدّس سره : الشمس في زماننا هذا درجة تقويمها في النصف من حزيران بحسب التقريب : الثالثة من السرطان ، وفي النصف من تمّوز : الثانية من الأسد ، وفي النصف من آب : الاُولى من السنبلة ، وفي النصف من أيلول : الثانية من الميزان ، وفي النصف من تشرين الأوّل : الاُولى من العقرب ، وفي‏النصف من تشرين الآخر : الثالثة من القوس ، وفي‏النصف من كانون الأوّل الثالثة من الجدي ، وفي النصف من كانون الآخر : الخامسة من الدلو ، وفي النصف من شباط : الخامسة من الحوت ، وفي النصف من آذار : الرابعة من الحمل ، وفي النصف من نيسان : الرابعة من الثور ، وفي النصف من أيار : الرابعة من الجوزاء ، وهذا الأمر تقريبيّ أيضاً متغيّر على مرّ الدهور تغيّراً يسيراً۶ . انتهى كلامه ، رفع في أعلى الخلد مقامه .

1.من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۲۲۳ ، ح‏۶۷۳ ؛ وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۴ ، ص ۱۶۳ ، ح‏۴۸۰۵ .

2.منتهى المطلب ، ج ۴ ، ص ۴۲ .

3.نقله عنه في بحار الأنوار ، ج ۷۹ ، ص ۳۶۶ ، والموجود منه في الحبل المتين ، ص ۱۴۰ إلى قوله : « بعض علمائنا » .

4.روضة المتّقين ، ج ۲ ، ص ۷۷ - ۷۸ .

5.في المصدر : « نصف آذار » .

6.بحار الأنوار ، ج ۷۹ ، ص ۳۶۶ - ۳۷۰ مع تفاوت في بعض ألفاظه .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10696
صفحه از 719
پرینت  ارسال به