الحديث الثمانون والمائة
[في تفسير قولهتعالى: « إِنَّ الصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَبًا مَّوْقُوتًا » ]
۰.ما رويناه عن الصدوق في الفقيه وفي العلل والعبارة للفقيه ، قال : قال زرارة والفضيل : قلنا لأبي جعفر عليه السلام : أرأيت قول اللَّه عزّ وجلّ : « إِنَّ الصَّلَوةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَبًا مَّوْقُوتًا »۱ ؟ قال : « يعني كتاباً مفروضاً ، وليس يعني وقت فوتها إن جاز ذلك الوقت ثمّ صلّاها لم تكن صلاة مؤدّاة ، ولو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود عليه السلام حين صلّاها بغير وقتها ، لكنّه۲ متى ذكر صلّاها »۳ .
بيان
«أرأيت» بمعنى : أخبرني و«كانت» أي صارت ، أو كانت من قبيل الاُمم السالفة ، يعني كتاباً مفروضاً ، ظاهره تفسير الوقت بالفرض ، ويحتمل أن يكون تفسيراً للكتاب ، وفي العلل : « كِتَبًا مَّوْقُوتًا » ، قال : موجباً ، وظاهره أنّه تفسير لقوله « مَّوْقُوتًا » فيكون تأكيداً لقوله « كِتَبًا مَّوْقُوتًا » .
( وليس يعني وقت فوتها إن جاز ذلك ثمّ صلّاها لم تكن مؤدّاة ) لعلّ المراد : أنّ الوقت الذي قرّره اللَّه تعالى للأداء ليس مخصوصاً بها حتّى لو فاتت من أحد سهواً أو عمداً لا يجب قضاؤها متى ذكرها .
ويحتمل أن يكون المراد به : وقت الاختيار والفضيلة بأنّه إذا مضى وقتها يجب فيما بعد أو الأعمّ .
( ولو كان ذلك كذلك لهلك سليمان بن داود عليه السلام ) وفي العلل بعد هذا : حين أخّر الصلاة حتّى توارت بالحجاب ؛ لأنّه لو صلّاها قبل أن تغيب كان وقتاً ، وليس صلاة أطول وقتاً من العصر .
قال العلّامة المجلسيّ رحمة اللَّه عليه :
قوله : «لو كان» نفيٌ لما فهمه المخالفون من تضيّق الأوقات ، ولعلّه عليه السلام حمل التواري بالحجاب على أنّها توارت خلف الجدران وخرج وقت الفضيلة فاستردّها عليه السلام لإدراك الفضيلة ، فقوله عليه السلام : «لأنّه لو صلّاها» بيان لأنّه لم يكن خرج وقت الأداء ، ولو أراد أن يصلّي في تلك الحال كانت أداءاً لكن إنّما طلب ردّها لإدراك الفضل . ويحتمل أن يكون المراد : لو صلّاها المصلّي .
ويمكن حمل التواري على الغروب ، ويكون قوله : «لأنّه لو صلّاها» علّة لترتّب الهلاك على قولهم أي بناءاً على قولهم : لا يكون للصلاة وقت إلّا قبل الغروب ، فيكون سليمان تاركاً للصلاة بالكلّيّة بتأخيرها عن الغروب على قولهم ، وأمّا إذا قلنا أنّ الوقت وقت للعامد ولمن لا يكون له عذر ويجوز القضاء بعد الوقت لا يرد هذا ، لكنّ حمل تأخيره عليه السلام الصلاة لهذا العذر مشكل ، وتجويز النسيان أشكل ، وما ذكرناه أوّلاً بالاُصول أوفق .
قوله : «وليس صلاة أطول وقتاً من العصر » أي وقت الفضيلة ، فيكون بياناً لخطأ آخر منهم ، فإنّهم ضيّقوا وقت الفضيلة أيضاً أو وقت الأداء ، فالمراد - بعد كونه أطول - إمّا معناه الحقيقي ، فكون الظهر مساوية لها في الوقت لا ينافي ذلك ، أو معناه المجازي المتبادر من تلك العبارة وهو كونها أطول الصلوات وقتاً فيكون الحصر إضافيّاً ، وعلى التقديرين يفهم منه عدم امتداد وقت الإجزاء للعشائين إلى الفجر ، ولا ينافي ما اخترناه ؛ لأنّا لا نجوِّز التأخير عن نصف الليل في حال الاختيار .
لكن يرد عليه : أنّ العشاء - على عدم القول بالاختصاص - وقتها نصف الليل ، والعصر وقتها نصف النهار ، فلا يكون وقت العصر أطول ، وعلى القول بالاختصاص يكون وقت العشاء أطول بمقدار ركعة ، ووقت المغرب على التقديرين مساوٍ لوقت العصر .
فإن قيل : نصف الليل الشرعيّ أقصر من نصف النهار ؛ إذ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس مع كونه داخلاً في حساب الليل محسوب شرعاً من النهار ، وكذا ما بين الغروب إلى ذهاب الحمرة .
قلنا : الوقتان المضافان إلى النهار غير ملحوظين في اعتبار النصف ، فإنّ الزوال نصف ما بين الطلوع إلى الغروب ، بل الجواب : إنّ الوقتين وإن لم يحسبا في أخذ نصف النهار ولكنّهما خارجان من حساب الليل فيكون نصف الليل أقصر ، فإنّ أوّل الحَمل - مثلاً - عند تساوي الليل والنهار اليوم الذي يعتبر نصفه في وقت العصر اثنتا عشرة ساعة ، والليل الشرعي على المشهور عشر ساعات ، وعلى مذهب من يكتفي بغيبوبة القرص يزيد نصف ساعة تقريباً ، فعلى التقديرين يزيد نصف النهار على نصف الليل ، وعلى مذهب ذهاب الحمرة ينقص ما بينه وبين غيبوبة القرص من الليل ويزيد في النصف الثاني من النهار ويزيد به وقت العصر .
فهذا الخبر ممّا يدلّ على أنّ ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس داخل في النهار كما هو مختار العلماء . على أنّه يمكن أن يكون الحصر إضافيّاً إلى غير العشاء أيضاً ، لكنّه بعيد .
ويحتمل أيضاً أن يكون الكلام مبنيّاً على العادة ، فإنّ الوقت الذي يمكن للناس الإتيان بالعشائين فيه غالباً قليل ؛ لاشتغالهم بالأكل والنوم ، بخلاف العصر فإنّه وقت فراغهم منهما ومن أمثالهما ، فيكون أطول بتلك الجهة ، فيظهر منه وجه ترجيحها على الظهر أيضاً ؛ لأنّ أكثر وقتها مصروف في القيلولة والاستراحة۴ .
1.النساء ( ۴ ) : ۱۰۳ .
2.في الأصل : « لكن » ، وما اُثبت من المصدر .
3.من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۲۰۲ ، ح۶۰۶ ؛ علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۶۰۵ ، ح۷۹ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۴ ، ص ۱۳۷ - ۱۳۸ ، ح ۴۷۳۴ ؛ بحار الأنوار ، ج ۱۴ ، ص ۱۰۱ ؛ وج ۷۹ ، ص ۳۵۳ ، ح۲۵ .
4.بحار الأنوار ، ج ۷۹ ، ص ۳۴۲ - ۳۴۳ .