177
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

الحديث الثالث والسبعون والمائة

[من شرب الخمر لم تحسب صلواته أربعين صباحاً]

۰.ما رويناه عن الصدوق في العلل بإسناده عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرضا عليه السلام : إنّا روينا عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله : « أنّ مَن شرب الخمر لم تُحسب صلواته أربعين صباحاً » ، فقال : « صدقوا » ، فقلت : وكيف لا تحسب صلواته أربعين صباحاً لا أقلّ من ذلك ولا أكثر ؟ قال : « لأنّ اللَّه تعالى قدّر خَلق الإنسان فصيّر النطفة أربعين يوماً ، ثمّ نقلها فصيّرها علقة أربعين يوماً ، ثمّ نقلها فصيّرها مضغة أربعين يوماً ، وهذا إذا شرب الخمر بقيت في حشاشته على قدر ما خلق منه ، وكذلك يجتمع غذاؤه وأكله وشربه تبقى في حشاشته أربعين يوماً »۱ .

بيان‏

قال العلّامة المجلسيّ رحمة اللَّه عليه :
لعلّ المراد أنّ بناء بدن الإنسان على وجه يكون التغيّر الكامل فيه بعد أربعين يوماً كالتغيّر من النطفة إلى العلقة إلى سائر المراتب ، فالتغيّر عن الحالة التي حصلت في البدن من شرب الخمر إلى حالة اُخرى بحيث لا يبقى فيه أثر منها لا يكون إلّا بعد مضي تلك المدّة .
قال شيخنا البهائيّ : لعلّ المراد بعدم القبول هنا عدم ترتّب الثواب عليها في تلك المدّة لا عدم إجزائها ، فإنّها مجزية اتّفاقاً ، وهو يؤيّد ما يستفاد من كلام السيّد المرتضى من أنّ قبول العبادة أمر مغاير للإجزاء ، فالعبادة المجزية هي المبرّأة للذمّة المخرجة عن عُهدة التكليف ، والمقبولة هي ما يترتّب عليها الثواب ، ولا تلازم بينهما ولا اتّحاد كما يظنّ ، وممّا يدلّ على ذلك قوله تعالى : « إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ »۲ مع أنّ عبادة غير التقي مجزية إجماعاً ، وقوله تعالى حكاية عن إبراهيم وإسماعيل : « رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ »۳ مع أنّهما لا يفعلان غير المجزي ، وقوله تعالى : « فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْأَخَرِ »۴ مع أنّ كلّاً منهما فعل ما اُمر به من القربان ، وقوله صلى اللَّه عليه وآله : «إنّ من الصلاة ما يتقبّل نصفها وثلثها وربعها ، وإنّ منها لما تلفّ كما يلفّ الثوب الخَلِق فيضرب بها وجه صاحبها » ، والتقريب ظاهر ؛ ولأنّ الناس لم يزالوا في سائر الأعصار والأمصار يدعون اللَّه تعالى بقبول أعمالهم بعد الفراغ منها ، ولو اتّحد القبول والإجزاء لم يحسن هذا الدعاء إلّا قبل الفعل كما لا يخفى ، فهذه وجوه خمسة تدلّ على انفكاك الإجزاء عن القبول .
وقد يجاب عن الأوّل بأنّ التقوى على مراتب ثلاث : أوّلها : التنزّه عن الشرك ، وعليه قوله تعالى : « وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى‏ »۵ ، قال المفسّرون : هي قول : لا إله إلّا اللَّه ، وثانيها : التجنّب عن المعاصي ، وثالثها : التنزّه عمّا يشغل عن الحقّ‏تعالى ، ولعلّ المراد بالمتّقين أصحاب المرتبة الاُولى ، وعبادة غير المتّقين بهذا المعنى غير مجزية ، وسقوط القضاء لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله .
وعن الثاني بأنّ السؤال قد يكون للواقع ، والغرض منه بسط الكلام مع المحبوب وعرض الافتقار لديه ، كما قالوه في قوله تعالى : « رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا »۶ على بعض الوجوه .
وعن الثالث بأنّه يعبّر بعدم القبول عن عدم الإجزاء ، ولعلّه لخلل في الفعل .
وعن الرابع بأنّه كناية عن نقص الثواب وفوات معظمه .
وعن الخامس : أنّ الدعاء لعلّه لزيادة الثواب وتضعيفه .
وفي النفس من هذه الأجوبة شي‏ء ، وعلى ما قيل في الجواب عن الرابع [ينزّل‏] ۷عدم قبول صلاة شارب الخمر عند السيّد المرتضى رحمة اللَّه عليه . انتهى كلامه .
والحقّ أنّه يطلق القبول في الأخبار على الإجزاء تارة بمعنى كونه مسقطاً للقضاء أو للعقاب أو موجباً للثواب في الجملة أيضاً ، وعلى كمال العمل وترتّب الثواب الجزيل والآثار الجليلة عليه كما مرّ في قوله تعالى : « إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَى‏ عَنِ الْفَحْشَآءِ وَ الْمُنكَرِ »۸ ، وعلى الأعمّ منهما كما سيأتي في بعض الأخبار ، وهذا الخبر منزّل على المعنى الثاني عند الأصحاب‏۹ .

1.علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۳۴۵ ، ح‏۱ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج ۷۶ ، ص ۱۳۵ ، ح ۳۰ ؛ وج ۸۱ ، ص‏۳۱۵ ، ح‏۱ مع تفاوت يسير .

2.المائدة ( ۵ ) : ۲۷ .

3.البقرة ( ۲ ) : ۱۲۷ .

4.الفتح ( ۴۸ ) : ۲۶ .

5.البقرة ( ۲ ) : ۲۸۶ .

6.في الأصل : « يلزم » ، وما اُثبت من المصدر .

7.العنكبوت ( ۲۹ ) : ۴۵ .

8.بحار الأنوار ، ج ۸۱ ، ص ۳۱۵ - ۳۱۷ .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
176
  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15303
صفحه از 719
پرینت  ارسال به