153
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

الحديث الرابع والخمسون والمائة

[ادفنوا الأجساد في مصارعها]

۰.ما رويناه عن العلّامة المجلسيّ رحمة اللَّه عليه عن كتاب دعائم الإسلام عن عليّ عليه السلام أنّه رفع إليه أنّ رجلاً مات بالرستاق ، فحملوه إلى الكوفة ، فأنهكهم عقوبة وقال : « ادفنوا الأجساد في مصارعها ولا تفعلوا كفعل اليهود ينقلون موتاهم إلى بيت المقدس » ، وقال : « إنّه لمّا كان يوم اُحد أقبلت الأنصار لتحمل قتلاها إلى دورها ، فأمر رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله منادياً فنادى : « ادفنوا الأجساد في مصارعها »۱ .

تحقيق : [حكم نقل الموتى إلى المشاهد الشريفة]

هذا الحديث يدلّ على النهي عن نقل الموتى حتّى إلى الأمكنة الشريفة ، وهو خلاف ما عليه الشيعة الإماميّة من النقل إلى المشاهد ، ويؤيّده الأخبار الواردة بالأمر بالتعجيل ، وأنّه إذا مات ليلاً لا ينتظر به النهار ، وبالعكس ، ويمكن تخصيصه بما عدى المشاهد المشرّفة ، فإنّ المشهور بين الأصحاب الاستحباب ، حتّى قال في المعتبر : إنّه مذهب علمائنا خاصّة . قال : وعليه عمل الأصحاب من زمن الأئمّة إلى الآن ، وهو مشهور بينهم لا يتناكرونه‏۲ .
ونقل عمل الإماميّة وإجماعهم على ذلك العلّامة في التذكرة ، والشهيد في الذكرى‏۳ ، واستثنى بعضهم الشهيد فقال : الأولى دفنه حيث قتل ؛ لما روي عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله : « ادفنوا القتلى في مصارعهم » .
وقال الشهيد الثاني : يجب تقييد جواز النقل إلى المشاهد بما إذا لم يُخَف هتك الميّت لبعد المسافة وغيرها ؛ لأنّه هتك لحرمة الميّت وإضرار بالمؤمن‏۴ .
ثمّ هذا كلّه قبل الدفن وأمّا بعده فالأكثر على عدم الجواز .
وعن ابن إدريس أنّه بدعة في شريعة الإسلام سواءاً كان النقل إلى مشهد بعد الدفن أو غيره‏۵ .
وعن ابن حمزة أنّه مكروه‏۶ .
وعن الشيخ وجماعة جواز النقل إلى المشاهد بعد الدفن .
إذا عرفت هذا فاعلم أنّه يمكن الاستدلال على جواز النقل بما رواه الديلميّ في الإرشاد عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه كان إذا إراد الخلوة بنفسه توجّه إلى طرف الغري ، فبينما هو ذات يوم هناك مشرف على النجف فإذا رجل أقبل من البرية راكباً على ناقة وقدّامه جنازة ، فحين رآه عليّ عليه السلام قصده حتّى وصل إليه وسلّم عليه ، فردّ عليه السلام ، وقال : « من أين ؟ » قال : من اليمن ، قال : « وما هذه الجنازة التي معك ؟ » قال : جنازة أبي لأدفنه في هذه الأرض ، فقال : « لم لا دفنته في أرضكم ؟ » قال : هو أوصى بذلك وقال : إنّه يُدفن هناك رجل يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر ، فقال عليه السلام له : « أتعرف ذلك الرجل ؟ » قال : لا ، قال : « أنا واللَّه ذلك الرجل - ثلاثاً - فاُدفن » ، فقام ودفنه‏۷ .
وما رواه في الكافي عن زيد الكناسيّ عن أبي جعفر عليه السلام قال في حديث : « أوحى اللَّه إلى موسى عليه السلام أن أحمل عظام يوسف من مصر قبل أن تخرج منها إلى الأرض المقدّسة بالشام »۸ .
وعن عليّ بن سليمان ، قال : كتبت إليه أسأله عن الميّت يموت بعرفات يدفن بعرفات أو ينقل إلى الحرم ، فأيّها أفضل ؟ فكتب : « يحمل إلى الحرم ويدفن فهو أفضل »۹ .
ورواه في التهذيب عنه ، قال : كتبت إلى أبي الحسن ، الحديث‏۱۰ .
وما رواه ابن قولويه في كامل الزيارة بإسناده عن المفضّل عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال : « إنّ اللَّه تعالى أوحى إلى نوح عليه السلام وهو في السفينة أن يطوف بالبيت اُسبوعاً ، فطاف كما أوحى اللَّه إليه ، ثمّ نزل في الماء إلى ركبتيه ، فاستخرج تابوتاً فيه عظام آدم عليه السلام فحمل التابوت في جوف السفينة حتّى طاف باليبت ما شاء اللَّه أن يطوف ، ثمّ ورد إلى باب الكوفة في وسط مسجدها ففيها قال اللَّه تعالى للأرض : « ابْلَعِى مَآءَكِ »۱۱ ، فبلعت ماءها من مسجد الكوفة كما بدأ الماء من مسجدها ، وتفرّق الجمع الذي كان مع نوح في السفينة ، فأخذ نوح التابوت فدفنه في الغري »۱۲ .
وما رواه الراونديّ في قصص الأنبياء بإسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : « لمّا مات يعقوب حمله يوسف عليه السلام في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في بيت المقدس »۱۳ .
وما رواه الصدوق في العيون والعلل والخصال عن أبيه ، عن سعد بن عبداللَّه ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن فضّال ، عن أبي الحسن عليه السلام أنّه قال : « احتبس القمر عن بني إسرائيل فأوحى اللَّه عزّ وجلّ إلى موسى عليه السلام : أن أخرج عظام يوسف من مصر ووعده طلوع القمر إن أخرج عظامه ، فسأل موسى من يعلم موضعه ؟ فقيل له : ههنا عجوز تعلم علمه ، فبعث إليها ، فاُتي بعجوز مقعدة عمياء ، فقال لها : أتعرفين موضع قبر يوسف ؟ قالت : نعم ، قال : فأخبريني به ، قالت : لا ، حتّى تعطيني أربع خصال : تطلق رجلي ، وتعيد لي شبابي ، وتعيد لي بصري ، وتجعلني معك في الجنّة . قال : فكبُر ذلك على موسى ، فأوحى اللَّه عزّوجلّ إليه : يا موسى ، أعطها ما سألت فإنّك إنّما تعطي علَيّ ، ففعل فدلّته عليه ، فاستخرجه من شاطئ النيل في صندوق مرمر ، فلمّا أخرجه طلع القمر فحمله إلى الشام ، فلذلك يحمل أهل الكتاب موتاهم إلى الشام »۱۴ .
وروى الشيخ في المصباح ، قال : لا ينقل الميّت من بلد إلى بلد ، فإن نقل إلى المشاهد كان فيه فضل ما لم يدفن ، وقد رويت بجواز نقله إلى بعض المشاهد رواية ، والأوّل أفضل‏۱۵ .
وقال في النهاية :
فإذا دفن في موضع فلا يجوز تحويله من موضعه ، وقد وردت رواية بجواز نقله إلى بعض مشاهد الأئمّة عليهم السلام سمعناها مذاكرة ، والأصل ما قدّمناه‏۱۶ ، انتهى .
وروى الطبرسيّ في مجمع البيان عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام - في حديث - قال : « لمّا مات يعقوب حمله يوسف في تابوت إلى أرض الشام فدفنه في البيت المقدس »۱۷ ، ويؤيّد ذلك ما ورد في أخبار كثيرة في فضل الدفن في المشاهد الشريفة سيّما الغريّ والحائر۱۸ ، واللَّه العالم بالحال .

1.دعائم الإسلام ، ج ۱ ، ص ۲۳۸ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج ۷۹ ، ص ۶۶ ، ح‏۳ .

2.المعتبر ، ج ۱ ، ص ۳۰۷ .

3.تذكرة الفقهاء ، ج ۲ ، ص ۱۰۱ ؛ ذكرى الشيعة ، ج ۲ ، ص ۱۱ .

4.روض الجنان ، ص ۳۱۹ ( طبع قديم ) .

5.السرائر ، ج ۱ ، ص ۱۷۰ .

6.الوسيلة ، ص ۶۹ .

7.إرشاد القلوب ، ج ۲ ، ص ۴۴۰ ؛ ونقله عنه في بحار الأنوار ، ج ۷۹ ، ص ۶۸ .

8.الكافي ، ج ۸ ، ص ۱۵۵ .

9.الكافي ، ج ۴ ، ص ۵۴۳ ، باب النوادر ، ح ۱۴ .

10.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۴۶۵ ، ح ۱۶۲۴ .

11.هود ( ۱۱ ) : ۴۴ .

12.كامل الزيارات ، ص ۳۸ .

13.قصص الأنبياء للراوندي ، ص ۱۳۵ ، ح ۱۳۸ .

14.عيون الأخبار ، ج‏۱ ، ص‏۲۵۹ ، ح‏۱۸ ؛ علل الشرائع ، ج‏۱ ، ص‏۲۹۶ - ۲۹۷ ؛ ح‏۱ ؛ الخصال ، ص‏۲۰۵ ، ح‏۲۱ .

15.مصباح المتهجّد ، ص ۲۲ .

16.النهاية ، ج ۱ ، ص ۴۴ .

17.مجمع البيان ، ج ۵ ، ص ۴۵۹ .

18.انظر : بحار الأنوار ، ج ۷۹ ، ص ۷۰ .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
152
  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10751
صفحه از 719
پرینت  ارسال به