15
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

الحديث الرابع والعشرون والمائة

[في الجنّة والنار أهما مخلوقتان ؟]

۰.ما رويناه بالأسانيد عن الصدوق في التوحيد والأمالي بإسناده عن الهرويّ ، قال : قلت للرضا عليه السلام : يابن رسول اللَّه ، أخبرني عن الجنّة والنار أهما اليوم مخلوقتان ؟
فقال :
«نعم ، وإنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله قد دخل الجنّة ورأى النار لمّا عُرِج به إلى السماء» .
قال : فقلت له : فإنّ قوماً يقولون : إنّهما اليوم مقدّرتان غير مخلوقتين .
فقال عليه السلام : «ما اُولئك منّا ولا نحن منهم ، من أنكر خلق الجنّة والنار فقد كذّب النبيّ صلى اللَّه عليه وآله وكذّبنا وليس من ولايتنا على شي‏ء وخلّد في نار جهنّم ، قال اللَّه عزّوجلّ : « هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِى يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَ بَيْنَ حَمِيمٍ ءَانٍ »۱» ، الحديث .۲

تحقيق‏

كون الجنّة والنار مخلوقتين الآن من ضروري مذهب الإماميّة وعليه جمهور المسلمين إلّا شرذمة من المعتزلة ذهبوا إلى أنّهما سيخلقان في القيامة ، والآيات المتظافرة والأخبار المتواترة دافعة لقولهم .
وأكثر الأخبار تدلّ على أنّ الجنّة فوق السماوات السبع ، والنار في الأرض السابعة ، وعليه أكثر المسلمين .
وروي عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله أنّه قيل له : إذا كانت الجنّة عرضها كعرض السماء والأرض فأين تكون النار ؟
فقال : «سبحان اللَّه ! إذا جاء النهار فأين الليل ؟»۳
وهذه معارضة فيها إسقاط المسألة ؛ لأنّ القادر على أن يذهب بالليل حيث يشاء قادر على أن يخلق النار حيث يشاء .
وربّما يقال : إذا كانت الجنّة في السماء فكيف يكون لها هذا العرض ؟
واُجيب بأنّ الجنّة فوق السماوات السبع تحت العرش ، والنار تحت الأرضين السبع .
وربّما يجاب بأنّه لو جعلت السماوات والأرض طبقاً طبقاً بحيث يكون كلّ واحد من تلك الطباق سطحاً مؤلّفاً من أجزاء لا تتجزّأ ، ثمّ وصل البعض بالبعض طبقاً واحداً لكان ذلك مثل عرض الجنّة ، وهذا غاية في السعة لا يعلمها إلّا اللَّه .
وربّما يجاب أيضاً بأنّ المقصود المبالغة في وصف سعة الجنّة ؛ إذ لا شي‏ء عندنا أعرض منهما كما في قوله تعالى : « خَلِدِينَ فِيهَا مَادَامَتِ السَّمَوَ تُ وَ الْأَرْضُ »۴ فإنّ أطول الأشياء بقاءاً عندنا السماوات والأرض .۵
وقال شارح المقاصد :
جمهور المسلمين على أنّ الجنّة والنار مخلوقتان الآن ، خلافاً لأبي هاشم والقاضي عبد الجبّار ومن يجري مجراهما من المعتزلة ، حيث زعموا أنّهما تخلقان يوم الجزاء ، لنا وجهان :
الأوّل : قصّة آدم وحوّاء وإسكانهما الجنّة ، ثمّ إخراجهما عنها بأكل الشجرة ، وكونهما يخصفان عليهما من ورق الجنّة على ما نطق به الكتاب والسنّة ، وانعقد عليه الإجماع قبل ظهور المخالفين ، وحملها على بستان من بساتين الدنيا يجري مجرى التلاعب بالدين والمراغمة لإجماع المسلمين ، ثمّ لا قائل بخلق الجنّة دون النار فثبوتها ثبوتها .
الثاني : الآيات الصريحة في ذلك كقوله : « وَ لَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَى‏ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى‏ * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى‏ »۶ ، وكقوله في حقّ الجنّة : « أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ »۷ ، « أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ »۸ ، « وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ »۹ ، وفي حقّ النار : « أُعِدَّتْ لِلْكَفِرِينَ »۱۰ ، « وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ »۱۱ ، وحملها على التعبير بلفظ الماضي مبالغة في تحقّقه خلاف الظاهر ، فلا يعدل إليه بدون قرينة .
ثمّ قال : ولم يرد نصّ صريح في تعيين مكان الجنّة والنار ، والأكثرون على أنّ الجنّة فوق السماوات السبع وتحت العرش تشبّثاً بقوله تعالى : « عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى‏ * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى‏ » ، وقوله عليه السلام : «سقف الجنّة عرش الرحمان ، والنار تحت الأرضين السبع ، والحقّ تفويض ذلك إلى علم العليم الخبير» .۱۲ انتهى .
وقال الصدوق :
اعتقادنا في الجنّة والنار أنّهما مخلوقتان ، وأنّ النبيّ صلى اللَّه عليه وآله قد دخل الجنّة ، ورأى النار حين عرج به ، واعتقادنا أنّه لا يخرج أحد من الدنيا حتّى يرى مكانه من الجنّة أو النار۱۳ ، إلى آخر كلامه .
وذهب بعض المحقّقين من العرفاء۱۴ إلى أنّ الجنّة والنار مخلوقتان كالدار المسوّرة بالحيطان الخالية من العمارة ، وعمارتهما إنّما تكون بأعمال العباد من الطاعات والمعاصي ، ويرشد إلى ذلك كثير من الآيات والأخبار ، قال تعالى : « وَ قُودُهَا النَّاسُ وَ الْحِجَارَةُ »۱۵ ، وقال تعالى : « وَ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ »۱۶ .
وعن الصادق عليه السلام قال : «من قرأ سورة الزمر واستخفّها من لسانه بُني له في الجنّة ألف مدينة ، وفي كلّ مدينة ألف قصر ، وفي كلّ قصر مائة حوراء ، وله مع هذا عينان تجريان ، وعينان نضّاختان ، وعينان مدهامّتان ، وحور مقصورات في الخيام ، وذواتا أفنان ، ومن كلّ فاكهة زوجان‏۱۷ .
وعن الصادق عليه السلام عن آبائه ، قال : «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله : من قال «سبحان اللَّه» غرس اللَّه له بها شجرة في الجنّة ، ومن قال «الحمد للّه» غرس اللَّه له بها شجرة في الجنّة ، ومن قال «لا إله إلّا اللَّه» غرس اللَّه له بها شجرة في الجنّة ، ومن قال «اللَّه أكبر» غرس اللَّه له بها شجرة في الجنّة» .
فقال رجل من قريش : يا رسول اللَّه ، إنّ شجرنا في الجنّة لكثير ، قال : نعم ولكن إيّاكم أن ترسلوا عليها نيراناً فتحرقوها ، وذلك أنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول : « يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَ أَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَ لَا تُبْطِلُواْ أَعْمَلَكُمْ »۱۸ .۱۹
وفي الكافي عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله قال : «من قال لا إله إلّا اللَّه غرست له في الجنّة شجرة من ياقوتة حمراء ، منبتها في مسك أبيض ، أحلى من العسل ، وأشدّ بياضاً من الثلج ، وأطيب ريحاً من المسك ، فيها أمثال ثديّ الأبكار ، وتعلو عن سبعين حلّة» ، الخبر .۲۰
وعن ابن عبّاس ، عن النبيّ صلى اللَّه عليه وآله قال : «لو علمتم ما لكم في شهر رمضان لزدتم للّه شكراً ، إذا كان أوّل ليلة منه غفر اللَّه عزّ وجلّ لاُمّتي الذنوب كلّها ؛ سرّها وعلانيتها ، ورفع لكم ألفي ألفي درجة ، وبنى لكم خمسين مدينة۲۱ ، الحديث .
وفي تفسير الإمام العسكريّ عليه السلام قال : «من مسح يده برأس يتيم رفقاً به جعل اللَّه له في الجنّة بكلّ شعرة مرّت تحت يده قصراً أوسع من الدنيا وما فيها ، وفيها ما تشتهي الأنفس وتلذّ الأعين ، وهم فيها خالدون» .
ثمّ قال : «قال الحسين بن عليّ : من كفل لنا يتيماً قطعته عنّا غيبتنا واستتارنا ، فواساه من علومنا التي سقطت إليه حتّى أرشده وهداه ، قال اللَّه عزّ وجلّ : يا أيّها العبد الكريم المواسي ، إنّي أولى بهذا الكرم ، اجعلوا له - يا ملائكتي - في الجنان بعدد كلّ حرف علّمه ألف ألف قصر ، وأضيفوا إليها ما يليق بها من سائر النعم» .
ثمّ قال عليه السلام : «قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله : إنّ اللَّه عزّ وجلّ أمر جبرئيل ليلة المعراج فعرض علَيّ قصور الجنان ، فرأيتها من الذهب والفضّة ، بلاطها المسك والعنبر ، غير أنّي رأيت لبعضها شُرفاً عالية ولم أر لبعضها ، فقلت : يا حبيبي ، يا جبرئيل ، ما بال هذه بلا شُرف كما لسائر تلك القصور ؟ فقال : يا محمّد ، هذه قصور المصلّين فرائضهم ، الذين يكسلون عن الصلاة عليك وعلى آلك بعدها ، فإن بعث مادّة لبناء الشُرف من الصلاة على محمّد وآله الطيّبين بنيت له الشُرف وإلّا بقيت هكذا»۲۲ ، الحديث .
وعن أميرالمؤمنين عن البنيّ صلى اللَّه عليه وآله قال : قال : «لمّا اُسري بي إلى السماء دخلت الجنّة ، فرأيت فيها قيعان ورأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضّة ، وربّما أمسكوا ، فقلت لهم : ما بالكم قد أمسكتم ؟ فقالوا : حتّى تجيئنا النفقة ، فقلت : وما نفقتكم ؟ قالوا : قول المؤمن : سبحان اللَّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللَّه واللَّه أكبر ، فإذا قال بنينا ، وإذا أمسك أمسكنا» .
إلى غير ذلك من الأخبار .
وقال اللَّه تعالى : « وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى‏ عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى‏ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ »۲۳ .
وقال تعالى : « مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَ زِينَتَهَا نُوَفِ‏ّ إِلَيْهِمْ أَعْمَلَهُمْ فِيهَا وَ هُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُوْلَائِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الْأَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَ حَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَ بَطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ »۲۴ .
وقال تعالى : « يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِن فَوْقِهِمْ وَ مِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَ يَقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ »۲۵ .
وقال تعالى : « وَ إِنَّ لِلطَّغِينَ لَشَرَّ مََابٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَ غَسَّاقٌ * وَ ءَاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَ جٌ * هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبَا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُواْ النَّارِ * قَالُواْ بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبَا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ »۲۶ .
وقال تعالى : « أَفَمَن يَتَّقِى بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَ قِيلَ لِلظَّلِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ »۲۷ .
وقال تعالى : « يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى‏ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا * هَذِهِ النَّارُ الَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَآ أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُواْ أَوْ لَا تَصْبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ »۲۸ .
إلى غير ذلك من الآيات والأخبار وربّما يستدلّ بجملة منها على تجسّم الأعمال وفيه تأمّل ، فتدبّر .

1.. الرحمن (۵۵) : ۴۳ و۴۴ .

2.التوحيد ، ص ۱۱۸ ، ضمن ح ۲۱ ؛ الأمالي للصدوق ، ص ۴۶۱ ، المجلس ۷۰ ، ح ۷ ؛ وعنهما في بحار الأنوار ، ج ۸ ، ص ۱۱۹ ، ح ۶ .

3.راجع : بحار الأنوار ، ج ۸ ، ص ۸۳ .

4.هود (۱۱) : ۱۰۷ .

5.المصدر السابق ، ناقلاً هذه الأجوبة عن الفخر الرازي .

6.النجم (۵۳) : ۱۳ - ۱۵ .

7.آل عمران (۳) : ۱۳۳ .

8.الحديد (۵۷) : ۲۱ .

9.الشعراء (۲۶) : ۹۰ .

10.البقرة (۲) : ۲۴ .

11.الشعراء (۲۶) : ۹۱ .

12.شرح المقاصد ، ج ۵ ، ص ۱۰۸ - ۱۰۹ و ۱۱۱ .

13.الاعتقادات ، ص ۷۹ .

14.راجع : الفتوحات المكّيّة ، ج ۱ ، ص ۳۷۲ .

15.البقرة (۲) : ۲۴ ، التحريم (۶۶) : ۶ .

16.الأنبياء (۲۱) : ۹۸ .

17.بحار الأنوار ، ج ۸۹ ، ص ۲۹۷ .

18.محمّد (۴۷) : ۳۳ .

19.بحار الأنوار ، ج ۸ ، ص ۱۷۸ .

20.الكافي،ج ۲ ، ص ۵۱۷ ، باب من قال لا إله إلّا اللَّه ، ح ۲ ؛ وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۷ ، ص ۲۰۹ ، ح ۹۱۳۱ .

21.الأمالي للصدوق ، ص ۴۸ ، مجلسى ۱۲ ، ح ۲ ؛ وعنه في بحار الأنوار ، ج ۸ ، ص ۱۸۳ ، ح ۱۴۷ .

22.تفسير الإمام العسكريّ ، ص ۳۶۶ .

23.التوبة (۹) : ۳۴ - ۳۵ .

24.هود (۱۱) : ۱۵ و ۱۶ .

25.العنكبوت (۲۹) : ۵۵ .

26.ص (۳۸) : ۵۵ - ۶۰ .

27.الزمر (۳۹) : ۲۴ .

28.الطور (۵۲) : ۱۳ - ۱۶ .


مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
14
  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10725
صفحه از 719
پرینت  ارسال به