149
مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار

مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
148

الحديث الثاني والخمسون والمائة

[من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً ...]

۰.ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلاً عن أميرالمؤمنين ، والبرقيّ في المحاسن عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : قال أميرالمؤمنين عليه السلام : « من جدّد قبراً أو مثّل مثالاً فقد خرج من الإسلام »۱ .

قال الصدوق في الفقيه :
واختلف مشايخنا في معنى هذا الخبر ، فقال محمّد بن الحسن الصفّار رحمة اللَّه عليه : جدّد بالجيم لا غير ، وكان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه يحكى عنه أنّه قال : لا يجوز تجديد القبر ، ولا يطيّن جميعه بعد مرور الأيّام وبعد ما طيّن في الأوّل ، ولكن إذا مات ميّت فطيّن قبره فجائز أن يُرمّ سائر القبور من غير أن يجدّد .
وذكر عن سعد بن عبداللَّه رحمة اللَّه عليه أنّه كان يقول : إنّما هو من حَدّد قبراً بالحاء غير المعجمة يعني به : من سنّم قبراً .
وذكر عن أحمد بن أبي عبداللَّه البرقيّ أنّه قال : إنّما هو من جَدث قبراً ، وتفسير الجدث : القبر ، فلا ندري ما عنى به .
والذي أذهب إليه أنّه جَدّد بالجيم ومعناه : نبش قبراً ؛ لأنّ من نبش قبراً فقد جدّده وأحوج إلى تجديده وقد جعله جدثاً محفوراً .
وأقول : إنّ التجديد على المعنى الذي ذهب إليه سعد بن عبداللَّه والذي قاله البرقيّ من أنّه : جدث كلّه داخل في معنى الحديث ، وأنّ من خالف الإمام في التجديد والتسنيم والنبش واستحلّ شيئاً من ذلك ، فقد خرج من الإسلام .
والذي أقوله في قوله : من مثّل مثالاً يعني من أبدع بدعة ودعا إليها ووضع ديناً فقد خرج من الإسلام ، وقولي في ذلك قول أئمّتي عليهم السلام ، فإن أصبت فمن اللَّه على ألسنتهم ، وإن أخطأت فمن عند نفسي‏۲ ، انتهى .
وقال المجلسيّ في البحار بعد نقل كلام الصدوق :
قال الشيخ في التهذيب بعد نقل كلام البرقيّ : ويمكن أن يكون المعنيّ بهذه الرواية : النهي أن يجعل القبر دفعة اُخرى قبراً لإنسان آخر ؛ لأنّ الجدث هو القبر ، فيجوز أن يكون الفعل مأخوذاً منه ، ثمّ قال : وكان شيخنا محمّد بن محمّد بن النعمان يقول : إنّ الخَدَد بالخاء والدالين ذلك مأخوذ من قوله تعالى : « قُتِلَ أَصْحَبُ الْأُخْدُودِ »۳ والخدّ هو الشقّ ، يقال : خددت الأرض خدّاً ، أي شققتها ، وعلى هذه الروايات يكون النهي متناولاً شقّ القبر ، إمّا ليُدفن فيه أو على جهة النبش على ما ذهب إليه محمّد بن عليّ ، وكلّما ذكرناه من الروايات والمعاني محتملة واللَّه أعلم بالمراد والذي صدر عنه عليه السلام الخبر .
وقال الشهيد في الذكرى : قلت : اشتغال هؤلاء الأفاضل بتحقيق هذه اللفظة مؤذن بصحّة الحديث عندهم وإن كان طريقه ضعيفاً ، كما في أحاديث كثيرة اشتهرت ، وعُلِمَ موردها وإن ضعف إسنادها ، فلا يَرِد ما ذكره في المعتبر من ضعف محمّد بن سنان وأبي الجارود راوييه . على أنّه قد ورد نحوه من طريق أبي الهياج ، قال : قال عليّ عليه السلام : « أبعثك على ما بعثني عليه رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله ، لا ترى قبراً مُشرِفاً إلّا سوّيته ، ولا تمثالاً إلّا طمسته » ، وقد نقله الشيخ في الخلاف ، وهو من صحاح العامّة ، وهو يعطي صحّة الرواية بالحاء المهملة ؛ لدلالة الإشراف والتسوية عليه ، ويعطي أنّ المثال هنا هو المثال هناك وهو الصورة ، وقد روي في النهي عن التصوير وإزالة التصاوير أخبار مشهورة .
وأمّا الخروج عن الإسلام بهذين فإمّا على طريق المبالغة زجراً عن الاقتحام على ذلك ، وإمّا لأنّه فعل ذلك مخالفة للإمام . انتهى .
وربّما يقال : على تقدير أن يكون اللفظ جَدَّد بالجيم والدال وجَدَث بالجيم والثاء يحتمل أن يكون المراد قَتْلُ مؤمن عدواناً ؛ لأنّ من قتله فقد جدّد قبراً مجدّداً بين القبور وجعله جَدَثاً ، وهو مستقلّ في هذا التجديد فيجوز إسناده إليه ، بخلاف ما لو قتل بحكم الشرع ، وهذا أنسب بالمبالغة بخروجه من الإسلام ، ويحتمل أن يكون المراد بالمثال : الصنم للعبادة .
أقول : لا يخفى بُعد ما ذكره في التجديد ، وأمّا المثال فهو قريب ، وربّما يقال : المراد به إقامة رجل بحذائه كما يفعله المتكبّرون ، ويؤيّده ما ذكره الصدوق وما رواه في كتاب معاني الأخبار بإسناده عن الصادق عليه السلام قال : « من مثّل مثالاً أو اقتنى كلباً فقد خرج من الإسلام » ، فقيل له : إذاً هلك كثير من الناس ، فقال : « ليس حيث ذهبتم ، إنّما عنيت بقولي : « من مثّل مثالاً » : من نصب ديناً غير دين اللَّه ودعا الناس إليه ، وبقولي : « من اقتنى كلباً » مبغضاً لنا أهل البيت اقتناه وأطعمه وسقاه ، ومن فعل ذلك فقد خرج من الإسلام » .
ثمّ اعلم أنّ للإسلام والإيمان في الأخبار معانٍ شتّى ، فيمكن أن يراد هنا معنى يخرج ارتكاب بعض المعاصي عنه ، وأمّا إثبات حكم بمجرّد تلك القراءآت والاحتمالات لخبر واحد فلا يخفى ما فيه ، وما ذكره القوم من التفسير والتأويل لا يدلّ على تصحيحها والعمل بها . نعم ، يصلح مؤيّداً لأخبار اُخر وردت في كلّ من تلك الأحكام ، ولعلّه يصلح لإثبات الكراهة أو الاستحباب ، وإن كان فيه أيضاً مناقشة .۴ انتهى .

1.المحاسن ، ج ۲ ، ص ۶۱۲ ، ح‏۳۳ ؛ من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۱۸۹ ، ح‏۵۷۹ ؛ وسائل الشيعة ، ج‏۳ ، ص ۲۰۸ ، ح‏۳۴۲۴ ؛ بحار الأنوار ، ج ۷۶ ، ص ۲۸۵ ، ح‏۱ ؛ وج ۷۹ ، ص ۱۶ ، ح‏۳ . وفي بعضها : « حدّد » بدل « جدّد » .

2.من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۱۸۹ - ۱۹۱ ، ذيل ح ۵۷۹ .

3.. البروج ( ۸۵ ) : ۴ .

4.بحار الأنوار ، ج ۷۹ ، ص ۱۶ - ۱۹ .

  • نام منبع :
    مصابيح الأنوار في حلّ مشکلات الأخبار
    سایر پدیدآورندگان :
    السید عبد الله‏ شبّر، تحقیق: مجتبى محمودى
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10568
صفحه از 719
پرینت  ارسال به