الحديث الخمسون والمائة
[في ما يقال في الصلاة على الميّت ...]
۰.ما رويناه بأسانيد عديدة ومتون سديدة عن الأئمّة عليهم السلام أنّه يقال في صلاة الميّت : « اللّهمّ إنّا لا نعلم منه إلّا خيراً »۱ .
وفيه إشكال مشهور وهو : أنّ هذه الكيفيّة للصلاة على المؤمن برّاً كان أو فاجراً ، فكيف يجوز لنا هذا القول فيمن نعلم منه الشرور والفسوق ؟!
واُجيب عنه بوجوه :
الأوّل : أن يقال : يجوز أن يكون هذا ممّا استثني من الكذب مسوّغاً۲ لنا ، رحمة منه تعالى على الموتى ليصير سبباً لغفران ذنوبهم ، كما جاز في الإصلاح بين الناس ، بل نقول : هذا أيضاً كذب في الصلاح ، وقد ورد في الخبر : « أنّ اللَّه يحبّ الكذب في الصلاح ويبغض الصدق في الفساد » .
الثاني : أن يخصّص الخير والشرّ بالعقائد ، لكن الترديد المذكور بعده لا يلايمه .
الثالث : أن يقال : إنّ شرّهم غير معلوم لاحتمال توبتهم أو شمول عفو اللَّه أو الشفاعة لهم مع معلوميّة إيمانهم .
لا يقال : كما أنّ شرّهم غير معلوم - بناءاً على تلك الاحتمالات - فكذا خيرهم أيضاً غير معلوم ، فما الفرق بينهما ؟
لأنّا نقول : يمكن أن يقال بالفرق بينهما في العلم الشرعيّ ، فإنّا مأمورون بالحكم بالإيمان الظاهر وباستصحابه ، بخلاف الشرور والمعاصي فإنّا اُمرنا بالإغضاء عن عيوب الناس وحمل أقوالهم وأعمالهم على المحامل الحسنة وإن كانت بعيدة ، فليس لنا الحكم فيها بالاستصحاب .
وقيل : المراد بالخير الخير الظاهريّ ، وبالشرّ الشرّ الواقعيّ ، ولا يخفى بعده .
الرابع : أن يخصّص هذا الدعاء بالصلاة على المشهورين الذين لا يعلم منهم ذنب ، وهو بعيدٌ جدّاً .
ونقل المجلسيّ رحمة اللَّه عليه عن العلّامة في المنتهى أنّه قال :
لو لم يعرف الميّت لم يُقَل : إنّا لا نعلم منه إلّا خيراً ؛ لأنّه يكون كذباً ، بل يقول كذا ، وساق رواية تشتمل على دعاء بنحوٍ آخر ، قال : وكذلك من علم منه الشرّ لا يقال ذلك في حقّه ؛ لأنّه يكون كذباً . انتهى .
قال : ولعلّه رحمة اللَّه عليه أراد من لا يعرف منه الإيمان أو يعرف منه عدمه۳ .
1.انظر : الكافي ، ج ۳ ، ص ۱۸۴ باب الصلاة على المؤمن . . . ، ح ۴ ؛ من لا يحضره الفقيه ، ج ۱ ، ص ۱۶۴ ، ح۴۶۶ ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۱ ، ص ۳۰۶ ، ح۸۸ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۳ ، ص ۶۱ - ۶۲ ، ح۳۰۲۳ ؛ بحار الأنوار ، ج ۷۸ ، ص ۳۵۷ .
2.في بحار الأنوار : « سوّغ » .
3.بحار الأنوار ، ج ۷۸ ، ص ۳۵۸ .