السادس والأربعون والمائة
[في المستحاضة التاركة للغسل]
۰.ما رويناه عن الصدوق في العلل بإسناده عن عليّ بن مهزيار ، قال : كتبت إليه : امرأة طهرت من حيضها ، أو من دم نفاسها في أوّل يوم من شهر رمضان ، ثمّ استحاضت فصلّت وصامت شهر رمضان كلّه من غير أن تعمل كما تعمل المستحاضة من الغسل لكلّ صلاتين ، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب : « تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ؛ لأنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك »۱ .
ورواه في الكافي۲ أيضاً إلّا أنّ فيه : « كان يأمر فاطمة صلوات اللَّه عليها والمؤمنات من نسائه بذلك » .
والإشكال فيه من وجهين :
الأوّل : إنّه مخالف على تقدير رواية الكافي ، للأخبار الكثيرة المتلقّاة بالقبول : أنّ فاطمة عليها السلام لم تر حمرة قطّ وأنّها لذلك سُمّيت «البتول» .
والثاني : أنّ فرقه عليه السلام بين الصوم والصلاة لا يظهر له وجه ، بل العكس بحسب الاُصول الشرعيّة والقواعد المقرّرة المرعيّة كان أولى ، من جهة أنّ الصلاة مشروطة بالطهارة ، بخلاف الصوم فإنّه قد يجتمع مع الحدث في الجملة .
وكيف كان ، فالإشكال الأوّل قد اُجيب عنه بوجهين :
الأوّل : أنّه كان يأمر فاطمة عليها السلام أن تأمر المؤمنات بذلك .
الثاني : أن يكون المراد بفاطمة فاطمة بنت جحش ، فإنّها كانت مشهورة بكثرة الاستحاضة والسؤال عن مسائلها ، فيكون قوله : « صلوات اللَّه عليها » زيد من النسّاخ أو الرواة لتوهّمهم أنّها الزهراء .
وأمّا الإشكال الثاني فقد وجّه بوجوه ذكرها العلّامة المحدّث المجلسيّ في البحار :
الأوّل : ما ذكره الشيخ في التهذيب حيث قال : لم يأمرها بقضاء الصلاة إذا لم تعلم أنّ عليها لكلّ صلاتين غسلاً ، أو لا تعلم ما يلزم المستحاضة ، فأمّا مع العلم بذلك والترك له على العمد يلزمها القضاء .
واُورد عليه : أنّه إن بقي الفرق بين الصوم والصلاة فالإشكال بحاله ، وإن حكم بالمساواة بينهما ونُزّل قضاء الصوم على حالة العلم وعدم قضاء الصلاة على حالة الجهل فتعسُّفٍ ظاهر .
الثاني : ما ذكره المحقّق الأردبيليّ رحمة اللَّه عليه حيث قال : الفرق بين الصلاة والصوم مع شدّة العناية بحالها مشكل ، ولا يكون المقصود : تقضي صوم الشهر كلّه ولا الصلاة كذلك ؛ إذ تقعد بعدد أيّام الحيض ولا تقضي صلاة تلك الأيّام ، والمؤيّد أنّه موجود في بعض الروايات الأمر بقضاء صوم أيّام الحيض بدون الصلاة ، وقال فيه : « إنّ رسول اللَّه كان يأمر بذلك فاطمة عليها السلام وكانت تأمر بذلك المؤمنات » .
الثالث : ما ذكره المحقّق المذكور أيضاً حيث قال : ويمكن تأويلٌ آخر وهو : أن يكون المراد : لا تقضي صلاة أيّام الحيض وتقضي صوم أيّامها ، وهذا هو الموافق لأخبار اُخر ، وأصل المذهب من أمر فاطمة عليها السلام فإنّها لا تترك عمل أيّام المستحاضة ولا تقضي صومها ، إلّا أن يكون المراد : أمرها بأن تأمر غيرها من المؤمنات ويأمر أيضاً المؤمنات بنفسه من نسائه وغيرهنّ ، أو يكون ذلك منه صلى اللَّه عليه وآله لها في أوّل الأحكام والإسلام .
وقال الفاضل الأسترآباديّ : السائل سأل عن حكم المستحاضة التي صلّت وصامت في شهر رمضان ولم تعمل أعمال المستحاضة ، والإمام عليه السلام ذكر حكم الحائض وعدل عن جواب السائل من باب التقيّه ؛ لأنّ الاستحاضة من باب الحدث الأصغر عند العامّة ، فلا توجب غسلاً عندهم ، وأمّا ما أفاده الشيخ فلم يظهر له وجه ، بل أقول : لو كان الجهل عذراً لكان عذراً في الصوم أيضاً ، مع أنّ سياق كلامهم الوارد في حكم الأحداث يقتضي أن لا يكون فرق بين الجاهل بحكمها وبين العالم به .
الرابع : أن يكون كتب تحت قول السائل « صومها » : لا تقضي ، وتحت قوله « صلاتها » : تقضي ، فاشتبه على الراوي وعكس ، أو كان حكم الحائض أيضاً مذكوراً في السؤال وكان هذا الجواب متعلّقاً به فاشتبه على الراوي .
قال أفضل المدقّقين في المنتقى : الذي يختلج بخاطري أنّ الجواب الواقعيّ في الحديث غير متعلّق بالسؤال المذكور فيه ، والانتقال إلى ذلك من وجهين :
أحدهما : قوله فيه : أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله كان يأمر فاطمة ( الحديث ) ، فإنّ مثل هذه العبارة إنّما تستعمل فيما يكثر وقوعه ويتكرّر ، وكيف يعقل كون تركهنّ لما تعمله المستحاضة في شهر رمضان جهلاً - كما ذكره الشيخ - أو مطلقاً ممّا يكثر وقوعه .
والثاني : أنّ هذه العبارة بعينها مضت في حديث من أخبار الحيض ، في كتاب الطهارة مُراداً بها قضاء الحائض الصوم دون الصلاة .
إلى أن قال : ولا يخفى أنّ للعبارة بذلك الحكم مناسبة ظاهرة تشهد بها السليقة ، لكثرة وقوع الحيض وتكرّره ، والرجوع إليه صلى اللَّه عليه وآله في حكمه .
وبالجملة ، فارتباطها بهذا الحكم ومنافرتها لقضيّة الاستحاضة ممّا لا يرتاب فيه أهل الذوق السليم ، وليس بمستبعد أن يبلغ الوهم إلى موضع الجواب مع غير سؤاله ، فإنّ من شأن الكتابة في الغالب أن تجمع الأسئلة المتعدّدة ، فإذا لم يمعن الناقل نظره فيها يقع له نحو هذا الوهم .
الخامس : ما ذكره بعض الأفاضل حيث قال : خطر لي احتمال لعلّه قريب لمن تأمّله بنظر صائب ، وهو أنّه لمّا كان السؤال مكاتبة وقّع عليه السلام تحت قول السائل (فصلّت ) : تقضي صلواتها ، وتحت قوله (صامت ) : تقضي صومها ولاءاً ، أي : متوالياً ، والقول بالتوالي ولو على وجه الاستحباب موجود ، دليله كذلك ، وهذا من جملته ، وذلك كما هو متعارف في التوقيع من الكتابة تحت كلّ مسألة ما يكون جواباً لها ، حتّى أنّه قد يكتفى بنحو ( لا ) و( نعم ) بين السطور .
أو أنّه عليه السلام كتب ذلك تحت قوله ( هل يجوز صومها وصلواتها ) وهذا أنسب بكتابة التوقيع وبالترتيب من غير تقديم وتأخير ، والراوي نقل ما كتبه عليه السلام ولم يكن فيه واو لعطف (تقضي صلواتها) .
أو أنّه كان ( تقضي صومها ولاءاً وتقضي صلواتها ) بواو العطف من غير إثبات همزة ، فتوهّمت زيادة الهمزة التي التبست الواو بها وأنّه ( ولا تقضي صلواتها ) على معنى النهي فتركت الواو لذلك ، وإذا كان التوقيع تحت كلّ مسألة كان ترك الهمزة أو المدّ في خطّه وجهه ظاهر لو كان ، فإنّ قوله عليه السلام «تقضي صومها ولاءاً» مع انفصاله لا يحتاج فيه إلى ذلك ، فليفهم .
ووجه ذكر توجيه الواو احتمال أن يكون عليه السلام جمع في التوقيع بالعطف ، أو أنّ الراوي ذكر كلامه وعطف الثاني على الأوّل .
السادس : أن يحمل على الاستفهام الإنكاريّ ، ولا يخفى بُعده في المكاتبة لاسيّما مع التعليل المذكور بعده .
السابع : أن يحمل على أنّها كانت اغتسلت للفجر وتركت الغسل لسائر الصلوات بقرينة قوله : «من الغسل لكلّ صلاتين» فإنّها تقضي صومها للإخلال بسائر الأغسال النهاريّة ، ولا تقضي صلاة الفجر ، والمراد بصلاتها : صلاة الفجر ، أو المراد : نفي قضاء جميع الصلوات ، ولا يخفى بُعده أيضاً .
الثامن : أن يقرأ « تقضّى » في الموضعين بتشديد الضاد من باب التفعيل ، أي انقضى حكم صومها وليس عليها القضاء ، إمّا لعدم اشتراط الصوم بالطهارة مطلقاً ، أو لأنّ الجاهل معذور فيه ، بخلاف الصلاة للاشتراط مطلقاً۳ ، انتهى كلامه رفع مقامه.
1.علل الشرائع ، ج۱ ، ص۲۹۳ ، ح۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۰ ، ص ۶۶ ، ح۱ ؛ بحار الأنوار ، ج ۷۸ ، ص ۱۱۲ ، ح ۳۸ .
2.الكافي ، ج ۴ ، ص ۱۳۶ ، باب صوم الحائض والمستحاضة ، ح ۶ .
3.بحار الأنوار ، ج ۷۸ ، ص ۱۱۳ - ۱۱۶ .