الحديث الخامس والأربعون والمائة
[إن النساء كنّ يحضن في كلّ سنة حيضة]
۰.ما رويناه بالأسانيد عن الصدوق في العلل بإسناده عن أبي عبيدة الحذّاء عن الباقر عليه السلام قال : « الحيض من النساء نجاسة رماهنّ اللَّه بها » .
قال : « وقد كنّ النساء في زمن نوح عليه السلام إنّما تحيض المرأة في كلّ سنة حيضة حتّى خرجن نسوة من حجابهنّ وهنّ سبعمائة امرأة ، فانطلقن فلبسن المعصفرات من الثياب وتحلّين وتعطّرن ، ثمّ خرجن فتفرّقن في البلاد ، فجلسن مع الرجال وشهدن الأعياد معهم ، وجلسن في صفوفهم ، فرماهنّ اللَّه بالحيض عند ذلك في كلّ شهر ، اُولئك النسوة بأعيانهنّ ، فسالت دماؤهنّ ، فخرجن من بين الرجال وكنّ يحضن في كلّ شهر حيضة » . قال : « فأشغلهنّ اللَّه تبارك وتعالى بالحيض وكسر شهوتهنّ » . قال : « وكان غيرهنّ من النساء اللواتي لم يفعلن مثل فعلهنّ يحضن في كلّ سنة حيضة » . قال : « فتزوّج بنو اللاتي يحضن في كلّ شهر حيضة بنات اللاتي يحضن في كلّ سنة حيضة » . قال : « فامتزج القوم فحضن بنات هؤلاء في كلّ شهر حيضة » . قال : « وكثر أولاد اللاتي يحضن في كلّ شهر حيضة لاستقامة الحيض ، وقلّ أولاد اللاتي لا يحضن في السنة إلّا حيضة لفساد الدم » ، قال : « فكثر نسل هؤلاء وقلّ نسل اُولئك »۱ .
بيان
رواه في الفقيه مرسلاً بتفاوتٍ ما۲ .
وقوله عليه السلام : ( وكسر شهوتهنّ ) يظهر منه أنّ اشتداد شهوتهنّ كان بسبب احتباس الحيض ، ويحتمل أن يكون كسر شهوتهنّ للاشتغال بالحيض .
وقوله عليه السلام : ( فامتزج القوم ) أي تزوّج أولاد كلّ منهنّ بنات الصنف الآخر .
( فحضن بنات هؤلاء ) أي بنات أولاد اللاتي يحضن في كلّ سنة حيضة بعد تزويجهم ببنات اللاتي يحضن في كلّ شهر حيضة .
وفي الفقيه : « فحضن بنات هؤلاء وهؤلاء في كلّ شهر حيضة » أي البنات الحاصلة من امتزاج أولاد اللاتي يحضن في كلّ سنة حيضة وبنات اللاتي يحضن في كلّ شهر حيضة .
والحاصل : أنّ الغرض بيان سبب كثرة من ترى في الشهر مرّة بالنسبة إلى من ترى في السنة مرّة بأنّه لمّا كان تزويج أولاد السنة ببنات الشهر سبباً لحصول بنات الشهر والعكس سبباً لثبوت بنات السنة ، وكان أولاد بنات الشهر سبباً لاستقامة حيضهنّ أكثر فلذا صرن أكثر .
ويحتمل أن يكون الغرض بيان الحكمة لهذا الابتلاء ، والمعنى أنّ حدوث تلك العلّة فيهنّ صار سبباً لكثرة النسل ؛ إذ بسبب الامتزاج كثر هذا القسم في الناس وأولاد من تحيض في الشهر أكثر ، فبذلك كثر النسل في الناس .
فقوله : ( فحضن بنات هؤلاء ) أي الممتزجين مطلقاً ، سواءاً كان آباؤهم من هذا القسم أو اُمّهاتهم .
وقوله عليه السلام : ( لاستقامة الحيض ) يحتمل أن يكون اللام للتعليل ، أي للاستقامة الحاصلة في المزاج بسبب كثرة إدرار الحيض ، فتكون من إضافة السبب إلى المسبّب ، أو لاستقامة نفس الحيض فإنّه مادّة وغذاء للولد ، فإذا استقام وصفا بكثرة الإدرار جاء الولد تامّاً صحيحاً وكثرت الأولاد ، بخلاف ما لو كان الإدرار قليلاً فإنّه يوجب فساد الدم والمزاج ، ويقلّ الولد ، ويحتمل أن تكون اللام للعاقبة كقوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام : « فَالْتَقَطَهُ ءَالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَنًا »۳ أي كان عاقبته العداوة ، وهنا كانت عاقبته الاستقامة ، واللَّه العالم .