الحديث الرابع والأربعون والمائة
[هل تقضي الحائض الصلاة ؟]
۰.ما رويناه بالأسانيد عن ثقة الإسلام بإسناده عن إسماعيل الجعفيّ ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ المغيرة بن سعيد روى عنك أنّك قلت له : إنّ الحائض تقضي الصلاة ، فقال : « ما له لا وفّقه اللَّه ؟ ، إنّ امرأة عمران نذرت ما في بطنها محرّراً ، والمحرّر للمسجد يدخله ثمّ لا يخرج منه أبداً ، فلمّا وضعتها قالت : ربّ إنّي وضعتها اُنثى وليس الذكر كالاُنثى ، فلمّا وضعتها أدخلتها المسجد فساهمت عليها الأنبياء ، فأصابت القرعة زكريّا فكفلها ، فلم تخرج من المسجد حتّى إذا بلغت ما تبلغ النساء خرجت ، فهل كانت تقدر على أن تقضي تلك الأيّام التي خرجت وهي عليها أن تكون الدهر في المسجد ؟ »۱ .
بيان
هذا الخبر من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ، وقد رواه الصدوق في العلل۲بتفاوتٍ ما ، ولعلّ المغيرة هو المغيرة بن سعيد الكذّاب الوضّاع ، وقد روى الكشّيّ روايات كثيرة تدلّ على لعنه وأنّه كان يضع الأخبار ، وكيف كان فيمكن توجيه الخبر بوجوه :
الأوّل : أنّه كان للمحرّر في الشرع السابق عبادات مخصوصة تستوعب جميع أوقاته ، وحينئذٍ فلو كان عليها قضاء الصلوات التي فاتتها لكان تكليفاً بما لا يطاق ؛ إذ لا وقت لأدائها ، والظاهر أنّه باعتبار أصل الكون في المسجد فإنّه عبادة .
الثاني : أنّه يحتمل أن يكون في تلك الشريعة يجب على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في محلّ الفوات ، فكان يلزمها مع وجوب القضاء أن تبقى بعد الطهر خارجة من المسجد بقدر القضاء ، وقد كان عليها أن تكون الدهر في المسجد .
وربّما يستأنس لذلك بقوله : « فهل كانت تقدر على أن تقضي ؟ » ، الخبر . ويكون المعنى : هل تقدر على الخروج لأجل القضاء خارج المسجد ؟ وكيف تبقى خارجاً بعد الطهر لأجل القضاء وهي عليها أن تكون الدهر في المسجد مع عدم مانع كالحيض ؟
الثالث : أن يكون مراده : أنّ التكليف بالقضاء وغيره إنّما هو بأمر من اللَّه تعالى ، وليس كلّ ما فات الإنسان يجب عليه قضاؤه ، فإنّ مريم لمّا خرجت من المسجد فاتها الكون فى المسجد وما عليها من خدمة في تلك الأيّام ، وإذا كان عليها أن تكون الدهر في المسجد فكيف يمكنها قضاء الأيّام التي فاتت ؟ إذ لا وقت للقضاء مع استغراق الدهر ، ولعلّ وقوع هذا الكلام منه في مقام يقتضي ما ذكر من كون الواجب قضاء كلّ ما فات .
الرابع : أن يكون الكلام اللازم في المسجد وخدمته على وجه لا يحصل معه إلّا الصلاة المؤدّاة لا المقضية ، فلا وقت لقضاء ما فات ، وعلى كلّ حال ففيه مناسبة لعدم قضاء الحائض للصلاة .
الخامس : أن يكون القضاء هنا بمعنى الأداء والفعل ، كما يستعمل كثيراً فيه ، وله شواهد كثيرة من الكتاب والسنّة ، فتطابق أجزاء الحديث ويرتفع الإشكال ، ويكون حاصل السؤال : أنّ المغيرة روى عنك أنّ الحائض تؤدّي الصلاة حين الحيض ، فأجابه عليه السلام بأنّ مريم لمّا بلغت ما يبلغ النساء خرجت من المسجد لعدم جواز لبث الحائض في المسجد ، فهل كانت تقدر على أن تصلّي أيّام الحيض خارج المسجد والحال أنّ عليها أن تؤدّي جميع العبادات في المسجد مدّة الدهر ؟
السادس : أن يكون ذلك إلزاماً للمخالفين موافقاً لما كانوا يعتقدونه من أمثال تلك الاستحسانات ، ويؤيّده نسبة وقوع الحيض إلى مريم ، فإنّه ربّما كان معتقد السائل ، وإلّا فقد وردت بعض الأخبار بأنّها عليها السلام لا تحيض۳ ، ويحتمل أن يكون ذكر قصّة مريم لفائدة أنّ اللَّه تعالى لم يكلّف الحائض بقضاء الصلاة لهذه العلّة ، وهي قصّة مريم عليها السلام ، واللَّه العالم .
1.الكافي ، ج ۳ ، ص ۱۰۵ ، باب الحائض تقضي الصوم ، ح۴ ؛ وعنه في وسائل الشيعة ، ج ۲ ، ص۳۴۸ ، ح۲۳۳۱ ؛ وبحار الأنوار ، ج ۱۴ ، ص ۲۰۱ - ۲۰۲ ، ح۱۲ .
2.علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۵۸۷ - ۵۷۹ ، ح ۶ .
3.إحقاق الحق ، ج ۱۰ ، ص ۲۵ ، نقلاً عن المناقب المرتضوية للكشفي الحنفي ، ص ۱۱۹ .